في العالم القديم، تختلف اللعنة عن مجرّد التمنيّ بالشرّ، فتبدو كلمة فاعلة، تُنتج الشرّ الذي تُعلنه. هذا التحديد لا ينطبق على اللعنات البيبليّة كلها بذات المقدار. ولكنها تساعدنا على فهم اللعنة في محيط لا يعتبر الكلمة مجرّد تحرّك هواء في الفم، بل قوّة تفعل وبشكل حاسم.
1) العهد القديم. اولاً : الالفاظ. (أ) "أر ر" (في الاكادية : أرارو، ربط) يعبّر عن فعل سلطوي، محرّم على عامّة الناس (خر 22:27)، ومحفوظ لبعض الاشخاص المحدّدين. لعن الرب الحيّة (تك 3 :14)، والأرض (تك 3 :17؛ 5 :29)، وقايين (مك 4 :11)، وعدوّ مختاره ابراهيم (تك 12 :3)، وشعبه الذي خان بنود العهد ((تث 27:15-26؛ تث 28:16-19؛ (إر 11:3؛ إر 17:5؛ ملا 1 :14؛ 2 :2)، والخاطئ (مز 119:21). الآباء يلعنون (تك 9 :25؛ 49 :7)، وبلعام العرّاف (عد 22:6، 12؛ 23 :7؛ 24 :9)، ولاعنو الأيام (أي 3 :8)، ورؤساء اسرائيل (ي(ش 6:26؛ ش 9:23؛ ق(ض 5:23؛ ض 21:18؛ 1صم 14:24، 28؛ 26 :19)، والكاهن في طقوس يعبّر فيها عن عواطفه الشخصيّة. ذاك هو وضع الفعل "أر ر". أما الاسم "م ا ر هـ " فيدلّ على عقاب يصيب الخيانة للشريعة (تث 28:20؛ ملا 2 :2؛ 3 :9)، يدلّ على أجر الشرير (أم 3:33؛ 28 :27).
هذه اللعنة التي لا يمكن أن يكون غرضها يهوه، تُلفظ باسم الله كعقاب على الخطيئة. فاللعنات البشريّة لا تلجأ إلى اسم الله (يش 6 :26؛ 1صم 26:19). ولكن بعض النصوص تدلّ بوضوح على أن فاعليّتها ترتبط بالله (تك 12 :3؛ 27 :29؛ عد 22-24).
(ب) "أ ل هـ " نادرًا ما يرد الفعل. أما الاسم (أ ل هـ) فلا يكون غرضه الرب. وله طابع قانونيّ. هي لعنة نرسلها على السارق الذي نجهله (قض 17 :2) والذي يرفض الشهادة (لا 5 :1؛ أم 29:24). أو يكفل قسَمًا (تك 24 :41؛ عد 5:21؛ نح 10:30) ومعاهدة بين ملكين (تك 29 :28؛ حز 17:13) على مثال المعاهدة بين الرب واسرائيل (تث 29:11، 13). هذه اللعنة تستعدّ كي تضرب من يتجرّأ ويتجاوزها (تث 28 :18 - 20؛ 30 :7؛ إش 24:6؛ (ار 23:10؛ ار 29:18؛ 42 :18؛ 44 :12؛ حز 16:59؛ 17 :16، 18، 19). وهناك لعنة الانسان على نفسه (وهي لا تسمّى "ا ل هـ ") القريبة من مثل هذه اللعنة (را 1:17؛ (1صم 3:17؛ 1صم 14:44؛ 20 :13؛ 25 :22؛ 2صم 3:9، 35؛ 19 :14؛ 1مل 2 :23؛ 19 :2؛ 20 :10؛ 2مل 6 :31). حين تدوّن اللعنة وتُوضع في مياه اللعنة (عد 5:23) فتشربها المرأة المتّهمة، فهي تعطي نتيجة إن كانت المرأة مذنبة. وكما في عقود العهد القديمة (نشو 199-206)، ينتهي كتاب الشريعة بمباركات (تث 28:1-14) ولعنة واحدة تعاقب من يتجاوزها (تث 29:19-20؛ 2 أخ 34:24؛ زك 5 :3؛ دا 9:11). وممارسة القسم مع الدعوة على الشخص، قادت الناس إلى عدد من الانحرافات (هو 4 :2؛ 10 :4؛ (مز 10:7؛ مز 59:13؛ أي 31 :30) نادى عليها سليمان دينونة الرب (1مل 8 :31-32؛ 2أخ 6:22-23).
(ج) "ق ل ل". يكون فيها الله الفاعل بشكل نادر (تك 8 :21؛ مز 37:22؛ أي 24 :18). إن فعل "ق ل ل" (يعني ما قلّ وخفّ) يقابل "ك ب د" (ما كان ثقيلاً). وهو يُستعمل في المزيد مع الشّدّة، وفي صيغة التعديّ، فيدلّ على قلّة الاحترام، على الثورة على سلطة الوالدين (خر 21:17؛ لا 20 :9؛ تث 27:16؛ (أم 20:20؛ أم 30:11؛ حز 22:7)، على سلطة الملك (قض 9 :27؛ (2صم 16:5-13؛ 2صم 19:22؛ 1مل 2 :8؛ جا 10:20)، على سلطة يهوه نفسه (خر 22:27؛ لا 24 :10-23؛ 1صم 3:13؛ إش 8:21). كما يدلّ على احتقار جليات لداود (1صم 17:43). لا نشعر بالفوارق كما في سائر استعمالات الفعل الذي يرادف بعض المرات "أر ر" (تك 12 :3؛ تث 23:5؛ يش 24 :9)، فيعبّر عن يأس أيوب (3 :1) وغضب أليشع (2مل 2 :24) أو نحميا (13 :25) وسلوك الاشرار (مز 62:5؛ 109 :28)، والإهانة بشكل عام (لا 19 :14؛ جا 7:21-22)، أو الاهانة التي يسبّبها وضعٌ من الظلم (ار 15:10؛ أم 30:10). وإذا وضعنا جانبًا لعنة أليشع (2مل 2 :24)، فالفعل لا يرافقه أي تمنٍ صريح بالشرّ. لعنُ الوالدين يعني عدم اكرامهم (ك ب د، خر 20 :12)، واحتقارهم بالكلام (خر 21:17؛ أم 20:20؛ في السبعينية : كاكولوغاين، أي قال شرًا؛ مت 15:4؛ مر 7:10) والسلوك (تث 21:18-21، ولكن النص لا يستعمل "ق ل ل"). إن ابنَي عالي يلعنان الرب بسلوكهما المشين (1صم 3:13). والاسرائيليّ ابن المصريّ (لا 24 :11، 14، 15، 23) حين يعارض قدرته معارضة تشبه التجديف (ج د ف، 2مل 19 :6، 22؛ إش 37:6، 23) الذي تفوّه به قيّم ملك أشورية. واكتفى شمعي بشتائم وأفعال عداوة. ولكن قد تكون لعنته بحسب إرادة الرب، فيرجو داود أن يجد غفرانًا (2صم 16:10-12). ولكن هذه اللعنة تُلقي بثقلها على السلالة الملكية إلى أن يلغي سليمان مفعولها (1مل 8 :44-45).
إن الاسم "ق ل ل هـ " الذي لا يكون الله غرضه، قد خسر فوارق أصوله، وهو يدلّ على كل أنواع اللعنة (تك 27 :12-13؛ (تث 21:23؛ تث 23:6؛ قض 9 :57؛ 2صم 16:12؛ 1مل 2 :8؛ مز 910:17، 18؛ أم 26:2؛ 27 :14)، وبالاخص تلك التي تعاقب خيانة العهد (تث 11:26، 28، 29؛ 27 :13؛ 28 :15، 45؛ 29 :26؛ 30 :1، 19؛ رج يش 8 :34؛ 2مل 22 :19؛ (ار 24:9؛ ار 25:18؛ 26 :6؛ 29 :22؛ 42 :18؛ 44 :8، 12، 22؛ زك 8 :13).
(د) "ق ب ب" و "ز ع م". إن "قبب" يرادف "أر ر" في خبر بلعام (عد 22 :11،17؛ 23 :8، 11، 13، 25، 27؛ 24 :10؛ رج أي 3 :8؛ 5 :3). ويقابل "ق ل ل" (في المزيد المتعدّي) في خبر التجديف (لا 24 :11، 16؛ ق أم 11:26؛ 24 :24). أما فعل "ز ع م" الذي يعبّر بشكل أساسيّ عن الغضب، فينال ذات المعنى في بعض الحالات. ورغم التسمية الدارجة، فالاقوال التي تبدأ مع "ويل" (هوي، إش 1:4، 24؛ 5 :8، 11، 18؛ (عا 5:18؛ عا 6:1؛ أوي، إش 3:9، 11؛ هو 7 :13؛ 9 :12)، ليست لعنات، بل تحسّر وبكاء. ونقول الشيء عينه عن الحرم (ح ر م) الذي يبدو في بعض المرات قريبًا من اللعنة (خر 22:19؛ تث 13:6؛ إش 43:28)، ولكنه لا يفعل أبدًا بذاته. هذه الفوارق على مستوى الأفعال العبريّة، تزول في السبعينيّة التي تترجم هذه اللعنات المختلفة بمتفرعات من الجذر "ارا" الذي يعبّر عن الدعوة على شخص، عن اللجوء إلى الاله ضد الذي نلعنه.
ثانيًا : اللاهوت. أ) لعنة الرب. العهد القديم هو تاريخ طويل من البركة واللعنة. وقد دخلت اللعنة في العالم الذي خلقه الله، والذي أرانا إياه التقليد الكهنوتي مع الكمال والبركة (تك 1) تجاه خطيئة الانسان. فاللعنة (ارور) الهامة التي ضرب بها الرب الحيّة (تك 3 :14)، والأرض (3 :17؛ 5 :29) وقايين (4 :11)، ولعنة نوح على كنعان (حسب الكهنوتي)، تطبع بطابعها تاريخ البشريّة حتى خبر ابراهيم الذي به قام الرب بإدخال البركة أيضًا إلى العالم (تك 12 :3). اختار الرب ابراهيم، جدَّ اسرائيل، وأكّد له ولنسله بركة لا تستطيع اللعنة أن تؤثّر فيها. بل هي اللعنة تنقلب إلى بركة بالنسبة إلى المختار (عد 22-24؛ تث 23:6؛ يش 24:9-10)، وتعود على صاحبها (تك 12 :3؛ 27 :29؛ عد 24:9) : هذا ما اختبره بالاق، فألقت اللعنة بثقلها على نسله الذي استُبعد على الدوام من جماعة اسرائيل (تث 23:4-6؛ نح 13:2).
غير أن يهوه لا يرتبط ارتباطًا لامشروطًا بشعبه. فبركتُه تتطلّب الامانة لبنود العهد. والخيانة تجرّ الشقاء (خر 23:21؛ لا 26 :16-40. انبياء يدعون إلى التوبة). وبحسب لغة تث، ساعة النداء إلى الفرصة الأخيرة، تجد اللعنة من قبل الله ((تث 27:15-27؛ تث 28:15-46؛ 29 :17-20). إن خيانة اسرائيل (2مل 22 :19؛ (إر 11:3؛ إر 17:5؛ 23 :10؛ 25 :18؛ 26 :6؛ 29 :18؛ 42 :18؛ 44 :8، 12، 22؛ حز 16:59؛ 17 :19) تقود إلى لعنة المنفى التي ليست كلمة الله الاخيرة بالرغم من كل شيء.
هذه الالفاظ التي لا نجدها مرارًا في زمن ما بعد الهيكل، تُوجد أيضًا في خدمة مثل هذا اللاهوت عند بعض الانبياء (زك 5 :3؛ مل(ا 1:14؛ ا 2:2؛ 3 :9؛ إش 24:5-6؛ دا 12:11) كما في المزامير (37 :22؛ 910 : 17-18؛ 119 :21) والأسفار الحكميّة ((أم 3:33؛ أم 28:27؛ أي 5 :3؛ 24 :18؛ سي 3 :16؛ حك 3 :12؛ 14 :8) في منظار المجازاة الفرديّة.
(ب) لعنة الاسرائيلي. يستبعد الايمان اليهوي كل فكرة تسلّط الانسان على الله (صار الله في يد الانسان). فالتوراة لا تجعل من الله مفعول الفعل "أرر"، "ا ل هـ "، "ز ع م"، وتحكم بقساوة على التجديف ("ق ل ل"، خر 22:27؛ لا 24 :11، 14، 15، 23؛ 1صم 3:13؛ "ن ق ب"، لا 24 :11، 16) الذي يجب أن نفترضه من خلال كلمات تقويّة مثل "بارك" (1مل 21 :10، 13؛ مز 10:3؛ أي 1 :5، 11؛ 2 :5، 9). في الحياة الاجتماعيّة، اللعنة خطيئة خطيرة جدًا حين تتوجّه إلى الوالدين (خر 21:17؛ لا 20 :9؛ تث 27:16؛ (أم 20:20؛ أم 30:11؛ سي 3 :16)، وإلى رؤساء الشعب (خر 22:27) والملك ((2صم 16:9؛ 2صم 19:22؛ 1مل 2 :8). واحترامُ القريب يمنع الانسان من أن يلعن الأصمّ الذي لا يمكنه أن يجيب (لا 19 :14). والبغض والانتقام مرذولان (لا 19 :17-18؛ أي 31 :29-30؛ أم 20:22؛ 25 :21-22). والذين يلعنون ((مز 10:7؛ مز 59:13؛ 62 :5؛ 109 :28) ويحبّون اللعن (مز 109:17-18) هم أشرار.
غير أن هناك لعنات تُعتبر شرعيّة : لعنة رؤساء اسرائيل (ي(ش 6:26؛ ش 9:23؛ قض 5 :23؛ 21 :18).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|