القول، الكلمة.
1) ترد لفظة "لوغوس" مراراً في العهد الجديد، ولكنها لا تنطبق إلاّ في ثلاث مرات على المسيح (رؤ 19:13؛ 1 يو 1 :1؛ يو 1 :1، 14). في هذه النصوص الثلاثة فقط يتماهى المسيح والكلمة.
(أ) رؤ 19:13. في هذه الآية، يُسمّى المسيح "كلمة الله ". هناك من أراد أن يشرح هذه اللفظة مشيرًا إلى فعل انتقم في العهد القديم. عندئذ نماهي الفارس الالهي مع الملاك المهلك (1مك 18 :14-16؛ رج خر 12:23؛ 1أخ 21:16؛ مز 2:9؛ إش 11:4؛ 49 :2). إذن، نحن أمام الوظيفة الاسكاتولوجيّة للمسيح، لا أمام اللوغوس كحامل الوحي. واعتبر آخرون أن رؤ 19:13 هي نهاية كل المحاولات في العهد الجديد، التي ترى في المسيح التحقيق النهائي لكلمة الله (رج آ11 : الأمين الصادق. أو اسم آمين في رؤ 3 :14).
(ب) 1يو 1 :1. إن بداية رسالة يوحنا الاولى (1 :1) تسمّي المسيح "كلمة الحياة". وذكر الشرّاح في هذا المجال نصوص تث حيث "كلام الله" كوحي، يرتبط مرارًا بالحياة الحقيقيّة (تث 4:1؛ 30 :14-15؛ 32 :47؛ رج فل 2 :16؛ مت 4:4؛ يو 5 :24-25؛ 6 :63، 68؛ 16 :50). في سياق 1يو، يُسمّى المسيح أيضًا "الحياة" (1يو 1 :2؛ 5 :20؛ رج يو 14 :6). نشير هنا إلى ارتباط 1 يو بالمطلع اليوحناوي (يو 1:1-18). فذكر اللوغوس في 1يو يفترض أن هذه اللفظة قد استُعملت في مكان آخر. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يدل بناء الجملة أن يوحنا يتردّد في الكلام عن اللوغوس وكأنه انسان ترافقَ معه في حياة حميمة.
(ج) مطلع انجيل يوحنا. تعود لفظة "لوغوس" أربع مرات (1 :1، 14) في مطلع الانجيل الرابع الذي قد يستعيد نشيدًا سابقًا ليوحنا. فاللوغوس (بدون الـ تعريف) يقدّم كموجود من الأزل (يو 1 :1؛ رج رؤ 3:14؛ يو 3 :13؛ 6 :33-62؛ 8 :23-58؛ 16 :28؛ 17 :5، 24)، وكفكرة الله الخالقة (رج مز 119:89-90؛ حك 7-9). أحلّ يوحنا "الكلمة" محلّ "الحكمة" كمدلول تقليديّ، أو ككلمة تخلق الحياة (رج مز 33:6؛ أم 8:35 : سي 42 :15). وفي الوقت عينه، هو الكلمة المتجسّد (يو 1 :14)، وبهذه الصفة موحي الله (يو 1 :18؛ (رج 12:44-46؛ رج 14:9؛ رج أيضًا 2كور 4 :6؛ كو 1 :15). وقيل بوضوح : الكلمة هو الله (يو 1 :1، 18).
2) أصل اللفظة. ^ أولاً : العالم اليهودي الهلنستي. منذ هراقليتس، ظهرت لفظة "لوغوس" في مختلف مدارس الفلسفة اليونانيّة، وأخذت مدلولات عديدة. فالمدلول الرواقي للوغوس، هو مبدأ إلهي يلج الكون ويديره. عُرف في كل مكان. وقد استعمله فيلون قرابة 1200 مرّة ليدلّ على فيض الله وأداة الخلق. وما يلفت النظر عند فيلون هو أننا نستطيع أن نطبّق على "لوغوس" اسم تيوس (بدون التعريف). أما "هو تيوس" (مع الـ التعريف) فيُحفظ للإله الواحد. وفي يو 1 :1، اللوغوس هو تيوس (الله) لا "هو تيوس" (مع الـ التعريف). لا يقول فيلون إن لوغوس هو غير مخلوق ولا يقول إنه مخلوق. أو بالأحرى ليس بمخلوق مثل سائر الخلائق. ولعب اللوغوس أيضًا دورًا هامًا في الغنوصيّة والهرماسية وأدب نجع حمادي. أما الجديد في المطلع اليوحناويّ، فهو أنه ماهى هذا اللوغوس مع شخص تاريخيّ ملموس هو يسوع الذي من الناصرة. وهذا ما يتنافى كليًا مع الغنوصيات. قال : "والكلمة صار بشرًا" (يو 1 :14). صار من لحم ودم. تأنّس. وفعلُ "غيغنوماي" يدلّ على تبدّل حقيقيّ، لا على لبس جسد ولا على مظاهر (كما في بدعة الظاهرية التي تعتبر أن يسوع لم يكن أنسانًا حقًا). إذن، يبدو أن يو يهاجم هنا إحدى الغنوصيات. وما تبقى من آ14 (رأينا مجده) لا يمكن أن نعزله فنجعل يوحنا من بدعة الظاهريّة.
ثانيًا : الأدب الرابيني. عاد العالم اليهودي إلى لفظة "م م ر ا" (الكلمة، فعل "ا م ر"، قال) الربّ في التراجيم. هذه العبارة تحل محل "يهوه" لتحافظ على تسامي الله. ولكننا لا نستطيع أن نعتبر هذه "ممرا" كأقنوم إلهي. كل ما يمكن أن نقوله هو أننا أمام تشخيص شعريّ. وقد تكون الحلقات اليوحناويّة عرفت هذه العبارة في صلوات المجمع ولا سيّما في تراجيم الشريعة أو الأنبياء. وهذا ما يُفهمنا استعمالَ رؤ 19 :13.
ويجب أيضًا أن نأخذ بعين الاعتبار نظرة إلى الشريعة، تمجَّد في الرابينية وتميّز بالنسبة إلى الكلام النبويّ الذي هو قنال الوحي الثاني في اسرائيل (مت 5 :5-17 : "الشريعة والأنبياء"). قد يكون يوحنا تمنّى هنا أن يُبرز الكلام النبوي من جهة، ومن جهة ثانية يعارض تشخيص الشريعة لدى الرابينيين وشخص يسوع (1 :17). أخيرًا طبّق يوحنا على "لوغوس" ما قاله الأدب الحكميّ عن الحكمة المشخّصة (رج 1:3)، إن لم يكن التماهي مع الشريعة في سي 24 :23. وما يلفت النظر استعمال فعل "سكينوو" في يو 1 :14 (في سي 24 :8 نجد "كاتاسكينوو" السكن، الشكينة، أي الحضور الالهي).
ثالثًا : العهد الجديد. ونقدم أفضل تفسير لاستعمال "لوغوس" في الحديث عن طبيعة المسيح خاصة، حين نعود إلى المدلول التوراتي للوحي الالهي ("كلام الله" (رج 30:11-14؛ رج 32:47؛ مز 147:19) كما نجده في العهد الجديد. استعمل الازائيون "لوغوس" للحديث عن التعليم ((مر 2:2؛ مر 4:33؛ 16 :20؛ لو 1 :2؛ 5 :1) مع بعض التحفظ (يسوع هو الكلمة، إذن هو لا يعظها). في أع ظهرت لفظة "لوغوس" 12 مرة في معنى "انجيل" (4 :4؛ 8 :4؛ 10 :44؛ 11 :19؛ 14 :25؛ 16 :6؛ 17 :11؛ 18 :5؛ 19 :20) : أرسل الله كلمته (لوغوس) (رج مز 107:20 كما في اللغة اليونانيّة)، فأعلن السلام بيسوع المسيح (أع 10:36)، أي أعلن تعليمه بمسيحه. ودلّ بولس أيضًا على التعليم، على الانجيل بالعبارات التالية : "لوغوس" (1تس 1:6). "لوغوس الرب" (1تس 1:8). "لوغوس الله " (إش 2:13). الله أوحى كلمته بالكرازة (تي 1 :3). ومضمون هذه الكرازة هو الخلاص في المسيح (كو 1 :25-27؛ 4 :3؛ 1تم 1:15). في الانجيل الرابع، نجد عبارتين متقابلتين : "ثبت في الكلمة" (يو 8 :31؛ رج 5:38؛ 1 يو 2 :14). و"ثبت في يسوع" (أو في الله) (يو 6 :56؛ 15 :4-7). لهذا، إذا طبّقت الجماعة الأول لفظة لوغوس على عمل الخلاص الذي تمّ في المسيح (مفعول اللوغوس، التعليم)، نفهم أن يكون صاحب المطلع اليوحناوي قد خطا خطوة، فماهى بين اللوغوس والمسيح. رأى في اللوغوس الموحي السامي للاله اللامنظور (1 :18). وفي الوقت عينه رأى مضمون الوحي في شخصه المساوي لله. إن صاحب الانجيل الرابع الذي ماهى بين يسوع والواقع الالهي (11 :25؛ 14 :6؛ 8 :12)، واهتمّ اهتمامًا خاصًا بكلام يسوع، قد استعاد هذا التماهي بحيث صار يسوع الكلمة والكلمة يسوع.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|