في العبرية : م ي ي م. في اليونانية : هودور. في لائحتين (واحدة قصيرة وواحدة طويلة) تذكران الأشياء الضروريّة للحياة، يسمّي سي 29 :21؛ 39 :26، الماء. فالماء ضروريّة من جهة للنبات والحيوان والانسان. ومن جهة ثانية، فلسطين هي فقيرة بالماء، لهذا وجب على الناس أن يخزّنوا المياه ويعرفوا كيف يستعملونها. فمياه المطر التي لا تسقط إلا خلال بضعة أشهر في السنة، كانت تُحفظ في أحواض. وكانوا يحفرون آبار ماء حيّة (في العبرية : ب إ ر) بها يصلون إلى المياه السفليّة. أما الحوض فيجمع ماء المطر (إر 38:6). تُحفر هذه الآبار في السهول ليحصلوا على الماء الوفير. وكانت هناك مستنقعات أو أحواض لحفظ مياه المطر أو الآبار ((2صم 2:13؛ 2صم 4:12؛ 1مل 22 :38؛ نش 7:5). كان في أورشليم عدّة برك (أش 7:3؛ 22 :9، 11؛ 36 :2؛ نح 2:14؛ يو 5 :2، 4؛ 9 :7، 11). وإذ أراد الملك حزقيا تأمين المياه خلال حصار المدينة، حفر قناة تحت الأرض طولها 500 متر، فجاء بالماء من عين جيحون الواقعة خارج المدينة، لتصبّ في بركة سلوام داخل المدينة (2مل 20 :20؛ 2أخ 32:20). هذا في ما يخصّ الشرب. أما ريّ الحقول فاقتصر على بعض بساتين الخضر، وهذا عكس مصر وبلاد الرافدين حيث لا ترتبط الزراعة بماء المطر، بل بالماء الذي يحمله نهر النيل أو نهر دجلة والفرات (دا 11:10-11).
فالمياه ضروريّة في الحياة اليوميّة. لا غنى لها من أجل حياة الانسان. فمن منعها عن العطشان اقترف خطيئة كبيرة (أي 22 :7؛ مت 25:42). ومن أعطاها نال البركة (أم 11:25؛ مت 10:42). كان الماء يُمزج بعض المرات مع الخلّ (را 2:14) أو مع الخمر (2مك 15 :31). كانوا يفضّلون مياه الينابيع على مياه الأحواض. وجلْبُ الماء من أجل البيت، كان عملَ النساء والبنات (تك 24 :11، 15؛ 1صم 9:11؛ يو 4 :7)، وعمل الخدم والفقراء (تث 29:10؛ را 2:9؛ إر 14:3). ولقد جعل يشوع هذه السخرة على الجبعونيين، ولا سيّما من أجل خدمة المعبد (يش 9 :21، 23، 27). وكانت الماء ضروريّة لبعض الصناعات، ولا سيّما الصباغة (يش 15 :7، عين روجل) والدباغة (أش 7:3؛ أع 9:43).
والمياه ضروريّة في الاستعمال الدينيّ. أول ما نجد ذكرًا للاغتسال الطقسيّ، نجده في خبر يعقوب (تك 35 :2). فقد مارسه بنو اسرائيل قبل مجيء يهوه على جبل سيناء (خر 19:10). واغتسل هرون وأبناؤه من أجل رسامتهم الكهنوتيّة (خر 29:4؛ لا 8 :6). وفرضت الشريعة غسل الجسد أو أجزاء الجسد على الكهنة الذين يقومون بالخدمة في الهيكل ((خر 30:17-21؛ خر 40:31-32؛ عد 19:7)، وعلى الذين تنجّسوا بنجاسة تعارض الشريعة (لا 14). ووجب عليهم أيضًا أن يغسلوا ثيابهم وأغراضهم التي صارت نجسة (لا 11-15). وكانوا بعض المرات يكتفون بالماء الطهور التي يهيّئونها بحسب طقس محدّد (عد 19). وكانوا يغسلون أيضًا بعض أجزاء الضحيّة (لا لله 1 :9، 13؛ 8 :21؛ 9 :14). ما كانوا يقدّمون الماء، حتى كعنصر ثانويّ، في شعائر العبادة. وهذا لا نجده لا في البنتاتوكس ولا في حز. لهذا، بدا رشّ الماء أمام الرب في 1صم 7:6، فعلة رمزيّة عاديّة.
والفرائض الشرعيّة المتعلّقة بالتطهيرات قد توسّعت فيما بعد (مر 7:3-4). فتقدمةُ الماء لغسل الأرجل كانت من أولى أعمال الضيافة (تك 18 :4؛ 19 :2؛ 24 :32؛ 43 :24...). وكان الخدم يقومون بهذه المهمّة الوضيعة (1صم 25:41). وإغسال يسوع لأرجل تلاميذه هي درس في التواضع والخدمة والمحبّة (يو 13:1-17). وهناك عادة غريبة تقوم باستعمال ماء المرارة في محنة المرأة التي ظُنّ أنها زانية ( تحكيم إلهي) (عد 5:12-31). بعد المنفى، صار للماء أهميّة كبيرة في الاحتفال بعيد المظال. يستقيها كاهن في جرّة من ذهب (ليتر ونصف الليتر)، من بركة سلوام، فتُحمل إلى الهيكل باحتفال عظيم وتُرشّ مع النبيذ على مذبح المحرقات. وكان للماء أيضًا مدلول دينيّ في العماد الذي مارسه اليهود مع المهتدين الجدد. عمّد يوحنا المعمدان الناس الآتين إليه في ماء الاردن. كان عماده عماد توبة لغفران الخطايا (مت 3:6، 11؛ مر 1:4-5، 8؛ أع 1:5). و العماد المسيحيّ الذي لا يُحتفل به سوى مرّة واحدة، يطهّر الانسان من الداخل، فيجعله يعبُر بالموت والقيامة إلى حياة جديدة (رو 6 :1ي). وهذا على مثال المرور عبر مياه البحر الأحمر، الذي أتاح لبني اسرائيل العبور من العبوديّة إلى الحريّة (1كور 10 :1).
ونصل إلى رمزيّة الماء. فالاستعارات المرتبطة بالماء (بشكل مباشر أو غير مباشر) كثيرة. فالمكانة الخاصّة التي يحتلّها الماء في تاريخ العالم والبشريّة، وفي تاريخ الشعب المختار، قد أثّرت تأثيرًا عميقًا على هذه الاستعارات (تك 1 :2، 7، 9؛ 7 :7؛ (خر 2:3-10؛ خر 7:20-21؛ 14 :21-30؛ 15 :23-25؛ 17 :6؛ عد 20:8-11؛ يش 3 :14-17؛ 1مل 17-18؛ 2مل 2 :8-14، 19، 22؛ 3 :19؛ 6 :5). ولكن إن لم يكن الماء قد لعب دورًا هامًا في تاريخ الخلاص، فالاستعارات ما كانت لتنقص في أرض يرتبط ازدهارها ارتباطًا وثيقًا بالماء. فالماء الذي يحفظ حياة النبات والحيوان والانسان، هو صورة عن السعادة والبركة (والانسان الذي يحملهما). في هذا المعنى يكون فم البار ينبوع حياة (أم 10:11). وكذلك العلمُ الذي يعطيه (13 :14) والمعرفة التي يمتلكها (16 :22). يُسمّى الله (أو يسمّي نفسه) ينبوع ماء حيّ (إر 2:13؛ 17 :13). ويسوع يقابل نفسه بينبوع ماء حيّ (يو 4 :10، 13-14؛ 7 :37-39). والماء الذي وعد به يسوع هو الحياة الأبديّة (4 :14). فمن شرب منه لن يعطش أبدًا. فالصور التي تُستعمل هي صور العهد القديم الذي يصف البركات الالهيّة (مز 1:3؛ يوء 4 :18) والخيرات المسيحانيّة (إش 11:9؛ 32 :2، 20؛ 41 :18؛ 43 :19). هي مياه وافرة. مياه تعطي الحياة والخصب. لهذا تبدو الرغبة في بركة الله، بشكل عطش (مز 63:2؛ 143 :6). والعمل السهل والمتواتر يقابَل بشربة ماء (أي 15 :15-16؛ 34 :7) أو بصبّ الماء. ومن شرب ماء من نبعه، دلّ على أنه لا يتعاطى إلاّ مع امرأته، لا مع امرأة قريبه (أم 5:15).
المياه الجارية هي صورة عمّا يحصل ولا يعود (أي 11 :16). ويُعبَّر عن الفكرة عينها بالمياه التي تُفاض أو تجري فلا نعود نستطيع أن نجمعها (2صم 14:14؛ مز 58:8). والماء بسبب شفافيّته هو رمز إلى البراءة (مز 26:6، لهذا غسل بيلاطس يديه، مت 27 :24). في زمن المطر، تكبر السواقي فتأخذ كل شيء في طريقها. وهكذا صارت المياه رمزًا إلى عدوّ قويّ ((إش 8:7-8؛ إش 17:12؛ 28 :2، 17؛ إر 47:2). والمياه الجامحة هي صورة عن الاخطار التي يسبّبها غضبُ الله (مز 88:17-18؛ هو 5 :10). تجاه هذا الغضب يبدو الانسان كريشة في مهب الريح أو قشّة على سطح الماء (أي 24 :18؛ هو 10 :7).
ماء طهور (التطهير) في العبرية : "م ي. ن د هـ." أي من أجل تطهير من تنجّس. هذا الماء هو مزيج نحصل عليه حين نصب ماء النبع أو مجرى المياه (ميم حييم، ماء حيّ) على رماد العجلة الحمراء (أو الصهباء) الذي وُضع في إناء (عد 19:17). كان يُستعمل هذا الماء الطهور في طقوس تطهير الأشخاص (أو الأشياء) الذين لامسوا جثّة ميت أو عظامه أو قبره (عد 19:11-16). فيقوم شخص من العوام، فيغطّس الزوفى في الاناء الذي يتضمن ذلك الماء ويرشّه على الاشخاص (أو الاشياء) النّجسين (عد 19:18-22). بعد ذلك، عليه أن يغسل ثيابه.
ويُذكر ماء التطهير أيضًا بمناسبة تطهير الاسلاب في عد 31:23. غير أن هذه الآية قد أضيفت فيما بعد، على ما يبدو، فما وُضعت موضع العمل. وطقس ماء التطهير هذا يبدو عتيقًا جدًا، ولكنه لم يدخل إلا متأخّرًا في التشريع الكهنوتي. فهو يكشف وجهة من وجهات الديانة الشعبيّة التي ما زلنا نجهلها. ونال ماء التطهير أهمية كبرى لدى الاسيانيين (البحر الميت). وهذا ما يدلّ عليه التدوين النهائي لنظام الجماعة (3 :4، 9) ووثيقة صادوق أو وثيقة دمشق (10 :10-13؛ 11 :4). رج حز 36:25. بما أن المنافق (أو الشرير) لا يستطيع أن يدخل إلى ماء التطهير (نج 5:13؛ رج 3:4-5)، فقد تضمّن استعمال الماء الطهور غسل تطهير طقسيًا، يشبه التنشئة العمادية. غير أننا نجهل إذا كان رماد البقرة الحمراء كان يستعمل لدى الاسيانيين لتهيئة الماء الطهور، أو مياه التطهير.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|