الله في العلى
1) مكانة هذا النشيد. يتألّف هذا التمجيد من آيتين (لو 2 :13-14) فيبدو في لهجة خاصة ومضمون خاص. وهو يُحسب مع أناشيد خبر الطفولة في لو، مثل نشيد التعظيم (تعظّم نفسي الرب)، نشيد المباركة ( تبارك الرب الاله) ونشيد الاطلاق ( تطلق الآن عبدك بسلام).
في أناشيد التعظيم والمباركة، نسمع أشخاصًا ينشدون : مريم، زكريا، سمعان الشيخ. أما نشيد التمجيد فهو كلام "جمهور من جند السماء" (لو 2 :13). لهذا، ينال النشيد صفة لاهوتية، فينضم إلى موضوع معروف في العالم اليهودي، الليتورجيا الملائكيّة (رج إش 6:3؛ وص لاوي 3 :8؛ منج 2:8-9؛ نظح 7:4-5). ويتسجّل في المنظار اللوقاوي مع نشيد الحمد. يُستعمل فعل "ايناين" (مدح، لو 2 :13) ست مرات في لو وأع، ومرتين فقط في سائر العهد الجديد. وفعل "دوكسازاين" (مجّد، 2 :14) 14 مرة في لوقا، و 4 مرات في مت، ومرّة واحدة في مر.
2) بنية النشيد. على المستوى الأدبي، بُني نشيد التمجيد في توازٍ متعارض : السماء والأرض. الله والبشر. غير أن الشرّاح لا يتّفقون على بنية هذا النشيد بسبب تردّد نصوصي حول لفظة "اودوكيا" (رضى، مسرّة). فحسب الخيار الذي نتّخذه، نحن أمام شطرين أو ثلاثة أشطار. وحتى الذين يقولون بشطرين، فهناك اختلافات ترتبط بترجمة اللاتينيّة الشعبيّة (إلى البشر ذوي الارادة الصالحة). في السريانية نقرأ : والرجاء الصالح لبني البشر. هل نقرأ "اودوكيا" في صيغة الفاعل في خطّ الترجمات السريانيّة والأرمنية والبحيريّة (القبطيّة)، وفي خطّ اوسابيوس ومخطوطات يونانيّة متأخّرة؟ إن كان الأمر كذلك، نكون أمام ثلاث ألفاظ في صيغة الفاعل : دوكسا (المجد)، إيريني (السلام)، اودوكيا (المسرّة). وهكذا نكون أمام تركيب مثلّث : "المجد لله في أعلى (السماوات)، على الأرض السلام، وللناس المسرة" (ق إش 6 :3). ولكن إن اعتبرنا "اودوكيا" هي في صيغة المضاف إليه، كما في الشعبية اللاتينية والكودكسات الكبرى، يتبدّل الوضع. ثم إننا نجد عبارات عبرية وأراميّة مماثلة. وهكذا نعود إلى الشطرين : "المجد لله في أعلى (السماوات)، وعلى الأرض سلام للبشر أحبّائه".
يبقى علينا أن نحدّد الوظيفة المحدّدة للفظة "اودوكياس". لا نستطيع أن نقبل بالترجمة اللاتينيّة. فهي لا تتوافق مع العبارة ولا مع السياق. فالحلّ الوحيد الممكن هو أن نربط "اودوكيا" بالله. لا نستطيع أن نتكلم عن "مسرّة" الله و"رضاه"، بل عن حنانه الالهي ومحبّته الشاملة التي تصل إلى البشر جميعًا (مز سل 8 :29؛ لو 10 :21؛ 3 :22؛ (رج 2:10؛ رج 3:6؛ 1تم 2:4).
وتبقى لفظتان مهمتان في النشيد : دوكسا. ايريني. إن عبارة "دوكسا تيوي" أي المجد لله لا نجدها في العهد القديم، ولكنها تعود إلى تعابير معروفة نقرأها في با 2:17-18؛ 1 عز 9:8؛ 4مك 1 :12 (رج رو 11 :36؛ عب 13:21) : في الهيكل السماوي يرفع الملائكةُ دومًا إلى الله عبادة المجد. وتأتي جوقة هذا الجيش السماوي الآن فتضمّ الأرض إلى هذه العبادة. فمع مجيء المخلّص (لو 2 :11)، الذي هو نتيجة حنان الله وحبّه، عادت العلاقات بين السماء والأرض، بين الله والبشر. والسلام الذي أعلن للعهد المسيحانيّ ((أش 9:5-6؛ أش 57:19؛ مي 5 :4)، قد أعطي منذ الآن للبشر. ومع المديح السماويّ ساعة مجيء المسيح المخلّص (لو 8 :13-14)، تجاوب الهتافُ الليتورجيّ الذي أطلقته مجموعة التلاميذ يوم دخل يسوع إلى أورشليم : "السلام في السماء، والمجد في العلى" (لو 19 :38ب).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|