يتضمن الأخبار والحكايات والامثال. وهو يتوخّى أن يعطي تعليمًا أخلاقيًا يكون أبطاله بمعظمهم من العهد القديم. إن تفسير الماضي على ضوء الاهتمامات الحاضرة، يبدو طاهرًا، في شكل من الأشكال، منذ كتاب الأخبار (1أخ، 2أخ). ولكن هذه الظاهرة واضحة بشكل خاص لدى حكماء المدارش الذين واجهوا اهتمامات وصعوبات عديدة في أيامهم. ما توقّف الحكماء فقط عند التوراة معتبرينها خبر وحي إلهيّ في الماضي، بل رأوا فيها نصًا يتوجّه إلى الناس في الزمن الحاضر، مع تساؤلاتهم واهتماماتهم. وما يؤمّن الآن هذا التفسير للنصوص البيبليّة، هو النهج المدراشيّ الذي يحاول أن يكتشف المدلولات ويستخلصها دارسًا تسلسل بعض الأحداث والوصايا في الكتب المقدّسة.
يرى الشرّاح المعاصرون أن سياق آية أو كلمة يحدّد المعنى. أما مدوّن المدراش فلا يرى الامور بهذا المنظار. فكل كلمة، وكل آية، يمكن أن تفسَّر بمعزل عن سياقها. مثلا، في مز 22:7 : "أنا دودة لا إنسان، يعيّرني البشر وينبذني الشعب"، يعبّر المرتّل عن خبرته الخاصة. أما المدراش فيعتبر أن الآية تشير إلى احتقار الأمم لأسرائيل : "فكما أن الدودة هي الخليقة الأكثر احتقارًا، هكذا اسرائيل هو الاكثر احتقارًا بين الأمم. ولكن كما أن فم الدودة هو العضو الوحيد المنظور، كذلك فم اسرائيل (بفضل الصلاة) يستطيع أن يلغي قرارات الشؤم التي أعلنتها الأمم في شأنه" (مدراش مز 22 :18). وبعض المرات يعطي مدوّن المدراش لآية بيبليّة معنى يتعارض كليًا مع مدلولها الحقيقيّ. مثلاً، مرا 1:1 : "صارت كأرملة ولكن لا حقًا كأرملة. بل هي امرأة مضى زوجها وهو مصمّم على العودة إليها" (مدراش مرا 20أ). إن المدراش يحوّل التشاؤم في سفر الجامعة إلى تعبير عن الأمل. وحين يفسّر جا 7:4 (يوم الموت خير من يوم الولادة)، يعود إلى خبر مريم وهرون وداود وصموئيل. لم يلفتوا الانتباه في يوم ولادتهم، ولكنهم في يوم موتهم قد بكاهم الجميع. والكوارث التي تضرب اسرائيل، إن هو تجاوز فرائض الشريعة، تضحي بفضل هذا النهج مواعيد خلاص. في تث 1:44 نقرأ : "يخرج الاموريون إلى لقائكم ويلاحقونكم كالنحل ويمزّقونكم إربًا". فُسّرت هذه الآية كما يلي : "أما تموت النحلة حين تلسع شخصًا. هكذا يسقط العدو حين يضربكم"
امتلأ الخبر البيبليّ بالتكرارات، وهذه ميزة الاسلوب الشفهيّ في عالم الشرق. غير أن حكماء المدراش لا يعتبرون هذه التكرارات أسلوبًا خاصًا بالأدب السامي. فكل لفظة (وكل تكرار) تحمل معنى رفيعًا وتعليمًا غنيًا. اعتبروا مع رابي عقيبة أن "وضع مقطعين من الشريعة، الواحد تجاه الآخر، يفرض علينا أن نستخرج تعليمًا" (سفري على عد، بالاق 139). والمدراش الذي يأخذ بهذا المبدأ في شكل عام، يتساءل مثلاً لماذا جاء ذكر موت هرون بعد ذكر تحطيم لوحي الوصايا بيد موسى (تث 10:6-7). يرى المدراش أن هذا الترتيب يريد أن يعلّمنا أن موت البار هو مؤلم في نظر الله كدمار لوحَي الشريعة (لا ربا 20 :14).
لا تعطي التوراة مرارًا سبب (أو سياق) الاحداث، ووصايا الخالق، والحالات النفسيّة عند الأشخاص. أما المدراش فيملأ هذه الفراغات. مثلاً، بعد خبر حرب ابراهيم على الملوك الخمسة وانتصاره عليهم (تك 14)، قيل في تك 15 :1، أن بعد هذه الأحداث توجّهت كلمة الله إلى ابراهيم في رؤية قائلة له : "لا تخف يا ابراهيم". وتساءل المدراش : لماذا خاف ابراهيم؟ فأجاب : "تساءل ابراهيم وهو قلق : لو وُجد بار واحد بين الذين ضربتهم" (تك ربه 44 :4).
وهناك تفاصيل عديدة في التوراة صارت للمدراش ينبوعًا لا ينضب من الرموز. أعطى يهوذا تامار "خاتمه وعمامته وعصاه" (تك 38 :18). فأكّد المدراش : هي دلائل إلى الملكوت المقبل، والسنهدرين، والمسيح (تك ربا 85). واستنتج المدراش من هذا الأمر ("لا تنقل حدود صاحبك"، تث 19 :4) أن النص يحرّم بيع موضع يُوجد فيه مدفن الآباء (مدراش تنائيم 19 :14).
ومرارًا ما يفسّر المدراش النصّ البيبلي عن طريق الاستعارة أو الأليغوريا (الرموز) : إن الزانية التي يحذّر أم مرارًا من شرورها، يعتبرها المدراش رمزًا إلى الهرطقة وعبادة الأوثان (خر 2:11-12). وقد يرذل الحكماء المعنى الحرفي (ف ش ط، رج بسّط في العربية) في التوراة، لأنهم يخافون أن يقودهم عكس خبرة البشر، أو يرغبون في أن يجدوا معنى للصور الانتروبومورفيّة (التشبيهيّة). الشهوانيّة التي يمكن أن تُكتشف في نش، والتشاؤم في جا، قد اساءت إلى الحكماء على مستوى الحياة والايمان الديني : فقرّروا أن يعتبروا نش حوارًا رموزيًا (اليغوريا) بين الله (الحبيب) واسرائيل (الحبيبة). أما الأمر الذي يتكرّر في جا بأن ننعم بخيرات الحياة الماديّة، فقد طبّق عليه المدراشُ الحكمَ الأخير في جا 2:11 "كل شيء باطل وقبض ريح". بفضل هذا التفسير، لم يُستبعد جا ونش من القانون البيبلي كما اقترح بعض الحكماء (توسفتا، حجيجه 2 :3).
والرغبة في تقديم النصوص البيبليّة في وجه خيّر، نراها بشكل خاص في تفسير أحداث لا تشرّف حياة بعض الأشخاص في التوراة. مثلاً، يبرّر المدراش تصرّف داود تجاه بتشابع، زوجه أوريا، بنظرية تقول إنه لم يكن هناك زنى، لأنه يجب على الجنود أن يعطوا زوجاتهم كتاب طلاق قبل أن يذهبوا إلى الحرب. فإن لم تُوجد جثتهم، تستطيع نساؤهم أن يتزوّجن دون البرهان على أنهن صرن أرامل (شبت 56أ). في المدراش، بدا داود في سمات حكيم من حكماء التلمود، فاتّخذ بعض القرارات من الوجهة الطقسيّة (بركوت 3ب).
ويتلاعب المدراش بعض المرّات على الكلمات، فيستقي من آيات التوراة تعليمًا أخلاقيًا أو دينيًا. نقرأ في تث 23:14 : "ليكن لك وتد مع أداتك" (أَ ز ن ك). قرأ المدراش "أُذنك بدل أداة"، فأعلن أن التوراة تريد أن تفهمنا : "إن سمعت افتراء، فضع أصبعك على اذنك لئلاّ تسمع شيئًا" (كتوبوت 5أ). لقد كاد الأدب المدراشي أن يكون كله مؤلَّفًا من اجزاء من عظات تُسمع في المجمع يوم الجمعة مساء والسبت بعد الظهر. ولكن هناك على الأقلّ مدراش (لا ربا) حيث كل عظة تشكّل موضوعًا تامًا.
وفي النهاية، آخر نوع من المدراش هو الحكاية التي لا ترتبط بالآية البيبليّة أو هي ترتبط بها بشكل غير مباشر. نحن في أكثر الأوقات أمام أخبار شعبيّة ترد في العصر الذي قيل فيه المدراش، فالتحمت بالمدراش. فحكاية الملك سليمان ورئيس الشياطين (أسموداوس، (أسميداي) هي مثل لافت (جنتين 68أ). ولكن المدراش يلوّن هذه الحكايات بألوان يهوديّة.
حسب تلمود أورشليم (فأه 2 :8)، لا نستطيع أن نستخلص استنتاجات سلوكية من مدراش إخباري (ها غاده). ومع ذلك، استخلص "السلوكيّون" بعضها في أدب "شالوت وتشوبوت" (سؤال وجواب). رج أيضًا : مدراش ربا. تكوين ربه. خر ربا. لا ربا. عد ربا. تث ربا. مرا ربا. استير ربا. نش ربا. را ربا. جا ربا (راباتي). مسقتا رابي كهانا. قنا مدرسة الياهو. فرقة (فصول) رابي اليعازر. مدراش ويصاو (وخرجوا). مدراش تدشي. ترجوم شاني. مدراش أم. مدراش صم. تنحومه. فسقتا راباتي. مدراش تهليم (المزامير). ها غاده بريشيت. لقح طوب. يلقوت شموني. مدراش ها غادول. يلقوت مكيري. عين يعقوب.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|