أوّلاً : المضمون والتصميم. بعد المقدمة (1 :1-13) وتجربة يسوع ومعموديته وسجن يوحنا المعمدان، نجد ثلاثة اقسام.
1) رسالة يسوع في الجليل (1 :14-9 :50).
(أ) النجاح الاول (1 :14-45) : انضم إلى يسوع تلاميذ. دُهش الناس من تعليم يسوع. على أثر الأشفية وطرد الشياطين، انتشرت شهرته.
(ب) 6 جدالات مع معلمي الشريعة (2 :1-3 :6).
(ج) دعوة الرسل، تعليمهم وتثقيفهم (4 :1-34) وتثبيتهم في الايمان بواسطة بعض معجزات التي تدل على سلطان يسوع (4 :35-6 :13). حياة يسوع على الطرقات (6 :14-9 :50) وقمتها اعتراف بطرس في قيصرية فيلبس وانباءات الآلام الثلاثة (8 : 27-9 :50).
2) رسالة يسوع في اليهودية وفي اورشليم (10 :1-13 :37). دخول احتفالي إلى اورشليم (10 :46-11 :11). محاولات رؤساء الشعب ليصطادوه (11 :12-12 :44). الرؤيا الازائية (13 :1-37).
3) خبر الآلام، الملاحظة حول القبر الفارغ والظهورات (14 :1-15 :47)، خاتمة. نلاحظ أنّ مرقس جمع أعمال يسوع لا أقواله. إننا لا نجد كثيرا من المقاطع الخاصة بمرقس. اهمها : 3 :20ي (قلق اهل يسوع عليه)؛ 4 :26-29 (مثَل الحبة التي تنمو بدون مساعدة)؛ 7 :32-37 (شفاء الاخرس والاطرش في ديكابوليس أو المدن العشر)؛ 8 :22-26 (أعمى بيت صيدا).
حين نقرأ مر حسب المدى الذي يسير فيه الخبر، نكتشف أن مسيرة يسوع الجغرافية على الأرض، تجد ذروتها في الآلام التي تأخذ حيّزًا واسعًا في هذا الانجيل. فهو، بعد المقدمة (1 :1-13) يصوّر رسالة يسوع في الجليل (1 :14-9 :50) ثم صعوده إلى أورشليم (10 :1-52) وأخيرًا آلامه وموته في أورشليم (11 :1-16 :8). أما حين نقرأه حسب التوسّع الدرامي، فنكشف مسيرة لاهوتيّة تنقسم قسمين.
القسم الاول (ف 1-8) يرينا وحيًا متدرّجًا عن يسوع المسيح ومخلّص البشر. في البداية هو موضوع جِدال (1 :14-3 :6) يلتقي بالنار ويطرح عليهم الأسئلة.وهو أيضًا الكلمة التي تتوجّه إليهم (3 :7-6 :6)، فتحرّك المخافة وتدعو إلى الايمان. ويكشف يسوع الضمائر فينزع القناع عن قساوة القلوب لدى التلاميذ (6 :7-8 :30) ثم يضمّنهم إليه في رسالته. سألهم في قلب الانجيل : "من أنا في رأيكم" (8 :29). فاعترف به بطرس أنه المسيح.
والقسم الثاني يجعل التلاميذ يسيرون وراء يسوع (ف 9-16). فالتعلّق بشخصه هو أساس تصرّف كل انسان في طريق قد تبدو مستحيلة (8 :31-10 :31). ومن طلب الصعود معه إلى أورشليم (10 :32-13 :37) وجد نفسه أمام مخطط الله ودينونة التاريخ. وجد نفسه سائرًا معه في طريق الآلام التي تقود إلى الموت (14 :1-16 :20).وهكذا يلتقي بالله الحي،ويكشف نفسه شاهدًا للانجيل، وينتهي كل من هذين القسمين باعتراف إيماني. بطرس يعلن المسيح ( 8 :27-30). قائد المئة يعلن ابن الله (15، 39) باسم الوثنيين الذين سيكونون السامعين للانجيل، ولا سيّما في كنيسة رومة حيث دُون انجيل مرقس.
ثانيًا : الاصل
(أ) حسب أقدم تقليد مسيحي، مر هو عمل يوحنا مرقس وترجمان بطرس. هذا ما قاله بابياس، ايريناوس، ترتليانس، اوريجانس، اوسابيوس، ايرونيموس. وزادوا : كتب مرقس حسب كرازة بطرس. وتُثبت المعطيات الداخلية شهادةُ التقليد هذه. كان الكاتب يهوديا من فلسطين. عرف جغرافية البلاد وطوبوغرافيتها خاصة في اورشليم حيث اعطى تفاصيل عديدة (11 :4، 16؛ 12 :41؛ 13 :3؛ 15 :8). مرقس هو أقصر من متى ومن لوقا، ولكنه يتكلم اكثر منهما عن بطرس، ويورد تفاصيل لا تشرّف بطرس كثيرا (8 :33؛ 14 :37). ثم ان شكل مر وتصميمه يذكّراننا بشكل تصميم خطب بطرس في( أع 1 :21ي؛ 10 :37-43). والطابع الحي للاخبار يدل على انها ترتبط بشاهد عيان (1 :10، 30، 40-45) هو بطرس.
(ب) هدف مر، قرّاؤه، مكان وزمان كتابته. ما هو هدف مرقس؟ العنوان (1 :1)، وأهمية أخبار المعجزات، واعتراف قائد المئة (15 :39)، تدل على أن مرقس أراد أن يشدّد على الطابع الالهي ليسوع. ونجد أيضا الفكرة عينها في خطب بطرس (اع 2:22، 32، 36، 38؛ 3 :14-15، 26؛ 4 :9-12). مضمون مر. انه دوِّن لمسيحيين جاؤوا من العالم الوثني. هناك ايرادات قليلة من العهد القديم. يُهمل الإنجيليّ الأقوال عن شريعة موسى وعن رسالة يسوع الخاصة إلى اليهود. يترجم لقرّائه كلمات وتعابير ساميّة (3 :17؛ 5 :41؛ 7 :34). يفسّر عادات اليهود وطرق عيشهم (7 :3؛ 14 :12؛ 15 :42). ويقول التقليد إن قرّاءه هم مسيحيو رومة. وان مرقس كُتب في رومة. هكذا نفهم بعض التعابير اللاتينية في انجيله (2 :4، 9؛ 6 :55؛ 11 :32؛ 14 :65؛ 15 :15). متى دوِّن مر؟ هناك خلاف. قال بعضهم : بعد موت بطرس، وقال آخرون : قبل موت بطرس وبموافقته. اذا كان لا بد من وجود جماعة مسيحية لا يمكن أن يكون مر قد كُتب قبل سنة 50. وبما ان مرقس لا يعرف دمار أورشليم فقد كتب إنجيله قبل سنة 70.
(ج) المراجع. يورد التقليد أن مر دوِّن انطلاقا من كرازة بطرس. إذًا مرجعه الرئيسي هو كلمة بطرس الحية. ثم إن مرقس عرف بولس، ولا بدّ أنه تأثّر بأفكاره.
ثالثًا : طابع مرقس.
(أ) الطابع الأدبي. أسلوب حي. استعمال الحاضر التاريخي يعطي انجيله نكهة خاصة. نحس حين نقرأ مرقس وكأننا نشهد الأحداث بأم العين. يُكثر مرقس من استعمال "وفي الحال"، وهكذا نحسّ أن حياة يسوع مرّت سريعا دون راحة حتى النهاية. ويبرز مرقس الطابع المحلي في انجيله مقحما الكلمات الارامية (4 :41؛ 7 :35؛ 11 :21؛ 14 :45). دوِّن انجيل مرقس في اليونانية، لا في الارامية ولا في اللاتينية.
(ب) الطابع التعليمي. يقدم مرقس الكرازة المسيحية الاولى المستندة إلى تعليم يسوع. نلاحظ اولاً السر المسيحاني. يفرض يسوع الصمت على الذين يسمّونه مسيحًا، ويمنع الدعاية المليئة بالضجة. لا يريد أن يُعلن المرضى شفاءهم بصوت عال (1 :44؛ 7 :36). إن يسوع لم يرد أن يُعلَن مسيحًا بطريقة ظاهرة، لئلا يشجع الامال السياسية لدى معاصريه. فيسوع يشدّد دومًا على الطابع الروحي لرسالته. هو لا ينسب إلى نفسه لقب المسيح، بل يسمّي نفسه ابن الانسان. ولا يظهر المعنى العميق لهذا اللقب الا حين يماثل يسوع نفسه أمام السنهدرين مع ابن الانسان في دا 7:13 فيطالب بكرامته كمسيح. ولو اعلن يسوع نفسه مسيحا قبل ذلك الوقت، لحسبه الشعب ملكا ارضيا. أما هكذا حسبه الرسلُ الذين لم يفهموا الطابع الروحي لملكوته (10 :35ي؛ مت 20 :20ي)؟
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|