عبارة ملكوت الله خاصة بالاناجيل ولا سيّما بالإزائيّة منها. وهي لا تجد ما يقابلها مقابلة مباشرة في العهد القديم. بل هناك فقط الوجهة الديناميّة للملوكيّة حيث الانسان يحتلّ على مستوى الألفاظ أكثر ممّا يحتلّه الله. ودراستنا تتوخّى إدراك العلاقات بين ملكيّة البشر وملكيّة الله، والإشارة إلى ظهور هذه الملكية وما كان حول تنظيمها من جدال على مدّ التاريخ. إن مدلول ملكوت الله جمعَ الآمالَ المسيحانيّة على عتبة العهد الجديد، فقُدِّم في الأناجيل الازائية كشميلة لتعليم يسوع يُنعشها انشدادٌ بين العلامات الآنيّة لقدرة وانتظار تحقيق نهائي وشامل نستطيع أن نقرأه في صياغة كل من اللاهوت البولسيّ واليوحناويّ.
1) الشرق القديم. في الحضارات المحيطة باسرائيل، تطلّعت الايديولوجيا الملكية إلى البشر كما إلى الآلهة دون أن نستطيع التحديد بدقّة أولويّة الملكية الالهيّة بالنسبة إلى الملكية البشرية أو العكس بالعكس. ففي شكل عام، تستند صفة الآلهة الملوكية إلى مواضيع سطرية. بما أن الاله هو الخالق، فهو يُعتبر ملكَ الارض (خليقته) وجميع الآلهة (بنتيون). اتفّقت جميع المدارس اللاهوتيّة في مصر على القول بأن الملكيّة بدأت قبل الخلق. والذين اعتبروا فتاح الاله الخالق أعطوه بالتالي لقب ملك. غير أن مجمل المصريين نسبوا الخلق إلى رع الذي سمّوه "الملك الأول في مصر". وفي ملحمة الخلق البابلونية (انوما اليش)، أعطى الآلهة لمردوك الذي أعلن استعداده لإخراج الكون من الشواش والفوضى، الكرامة الملوكيّة التي كانت حتى ذلك الوقت امتياز الاله أنو. في نصوص أوغاريت، الاله السامي إيل الذي صنع أشيره، حمل لقب ملك. وإن بعل بانتصاره على البحر، نال الكرامة الملوكيّة. فتحيّيه ليتورجية أوغاريت على أنه "ملكنا وديّاننا، الذي لا أحد فوقه". وأهميّة ملكية الله كموضوع الحياة الدينيّة في أوغاريت كما في ماري، تُلاحظ على مستوى تأليف الاسماء، وهي ظاهرة نجد ما يقابلها في أرض اسرائيل : م ل ك. ا ل و (ملكيئيل، تك 46 :17). ا ل ي. م ل ك و (اليمالك، را 1 :2). ع ب د ي. م ل ك ي (ابيمالك. تك 20 :2).
2) العهد القديم. لا شكّ في أن اسرائيل نسب الكرامة الملوكيّة إلى ربّه، مع أن مثل هذا التأكيد محصور في عدد قليل من النصوص : المزامير وأنبياء المنفى وبعد المنفى. فتجاه صفات كالقداسة والقدرة والعدل والامانة، تبدو الملكية موضوعًا أقلّ أهميّة.
أولاً : مزاميرُ ملك الله. يظهر مُلك الله أول ما يظهر وبشكل واضح، في مزامير تبدأ بعبارة "ي هـ و هـ. م ل ك" (الرب مَلَكَ). أو تتضمّن بشكل مميَّز هذه العبارة (مز 47؛ 93؛ 96-99). تنشد هذا المزاميرُ مُلك الله الذي يُمارس في الوقت عينه في الكون وفي سكان الارض. في الاصل، السكّان هم أعضاء الشعب المختار. ولكننا نكتشف فيما بعد منظارًا من الشمول (96 :1، 7، 10). ثم إن هذه الملكية ليست فقط أبدية. بل هي تتعلّق أيضًا بآنيّة الحياة الخلقيّة لدى الانسان (93 :2؛ 97 :10).
(أ) البعد العباديّ. تفترض مزامير مُلك الله منذ البداية (أنشدوا، اهتفوا) إطارًا عباديًا. تطلّع بعض الشرّاح إلى عيد جلوس يهوه على العرش، وهو عيد يستلهم نماذج بابلونية (أكيتو مردوك) وأوغاريتيّة (احتفال سنويّ بموت "م و ت" وولادة جديدة لبعل). إن عناصر العيد في صعود تابوت العهد إلى أورشليم (1صم 6) وأعياد المظال أو الخريف، قد تشكّل الإطار اليهوديّ الذي يوافق ذاك العيد في عالم الشرق. غير أن البناء الأدبيّ لعبارة "ي هـ و هـ . م ل ك" لا يتيح لنا أن نحدّد وبدقة فهم العبارة : "يهوه هو ملك". أو "يهوه صار ملكًا". هذا مع العلم أن الفهم السطري يحمل برهانًا إلى معنى صراع من أجل إقامة الملك. ثم إن وجود عيد جلوس الرب على العرش، لا أساس ثابتًا لها في اسرائيل. بل نفكّر باحتفال كرازيّ لملكيّة الله . فمقاطع مثل مز 99:4 (أقمت الانصاف، أجريت الحقّ والعدل)، تدلّ على أن ملكية الله تمارَس في الشعب الذي يرى فيه إلهه الكافل الحياة الخلقية، سواء كان هذا الشعب هو اسرائيل نفسه أو أي شعب من شعوب الكون (رج (مز 95:7-11؛ مز 86:12؛ 9 :19؛ 10 :12، 17-18؛ 145 :14). فمُلك الله فاعل يصل إلى نتيجته حين تتحقّق الطاعة لفرائضه. وقد يصبح قاسيًا في الحالات الأخرى ((إر 46:18؛ إر 48:15؛ 51 :57).
(ب) البعد التاريخي. ترتكز مزامير ملك يهوه أيضًا (هذا إذا حاولنا أن نأخذ بعين الاعتبار تاريخ تدوينها) على واقع تاريخيّ يشكّله مُلك الرب. فالاله الذي بيَّن ارادته وقدرة خلاصه (مز 98:2) يُنشَد ويُعترف به كالاله القوي الجبّار الذي حاز النصر على ممالك العالم ولا سيّما مصر (خر 15:18؛ عد 23:21-22؛ تث 33:5). إن هذه النصوص وإن لم تكن قديمة في تدوينها النهائيّ، تعكس مع ذلك نظرة تعود إلى ملك يهوه في الحقبة السابقة للملكية. وظنّ بعضهم أن نسبة الكرامة الملوكية ليهوه قد تكون سارت في خطّ تقاليد كنعانيّة عرفت الآلهة الملوك. وهكذا يكون اسرائيل قد زيّن إلهه بالكرامة الملوكيّة من أجل التوازن مع شعائر العبادة الكنعانيّة. وهناك سبب آخر : معارضة شرعيّة ملوك البشر الذين خسروا بسرعة جدارتهم في أن يعتلوا عرش داود (1صم 8:7؛ 12 :12...). ويُعترف أيضًا ببعد الخلاص كواقع مستمّر في حياة الشعب : الله يملك بشكل فاعل فيمنح شعبه السلام والسعادة والخلاص ((إش 52:7؛ إش 44:6؛ حز 20:33-37).
ثانيًا : النصوص النبويّة. وبرزت نظرة سطريّة إلى مُلك يهوه في مزامير مُلك الله كما في النصوص النبويّة. فسلطانه وكرامته يتأسّسان على انتصاره الاولاني على الشواش وعلى "إلوهيم" (أي : الآلهة) (مز 29؛ 74؛ 89 :6-15؛ 113). وسيعود هذا الموضوع في الأدب الجلياني (دا 2:4؛ رج إش 6 :1). والانتقال من ملكية ندركها الآن فاعلة إلى ملكية ننتظر، تمتد "على جميع ممالك الأرض، فتدوم إلى الأبد" ((دا 2:47؛ دا 2:18؛ 4 :27). كما يراها تعلن مجيء ملك جديد لله الذي يضع حدًا لممالك العالم، ويجعل مكانها ملكًا جديد، وذلك بدون وساطة بشريّة (دا 2:34-44). في هذا السياق نلاحظ ارتباطًا بين مُلك الله والنظرة الاسكاتولوجيّة (يوم الربّ). هناك تقاربات واضحة (عو 15، 21). والنصوص النبوية تنظر إلى إقامة ملك الله في صهيون، في يوم الربّ (أش 2:9، 22؛ 24؛ زك 14).
3) منحولات العهد القديم. نادرًا ما نجد في الأسفار اليهودية المنحولة عبارة أو صورة ملكوت الله . فاستعمالها يرد دومًا في معنى اسكاتولوجيّ كما هو الأمر في زك 14 :6-12. ملكوت الله هو زمن الخلاص الذي هو نهاية التاريخ. في هذا الوقت يكشف الله عن ذاته ملكًا (يوب 1 :28؛ صعود موسى 10 :1)، فيسجد له الجميع (وص (دان 5:13؛ دان 10:7؛ سيب 3 :808). وارتبط مجيء المسيح ارتباطًا وثيقًا بإقامة ملكوت الله (مز سل 17 :3؛ سيب 3:46-47، 55-56، 67؛ 5 :346-352).
4) الكتابات الرابينية. استعمل كثير من الرابينيين منذ القرن الأول المسيحي، عبارة "ملكوت السماء". هي تساوي عبارة "ملكوت الله". يدلّ ملكوت السماء هذا مرارًا (خصوصًا في عبارة "أخذ على كتفيه نير ملكوت السماء") على سلطان الله كما يُكشف في التوراة (في المعنى الحصري) التي أعطيت لاسرائيل. فالذي يقرّ بهذا السلطان ويخضع له (على مثال عهد سيناء)، يأخذ هذا النير على كتفيه. والذي يرذل الوصيّة، يترك هذا النير. ومع هذا المدلول الاخلاقي والفرديّ المحض، نالت العبارة أيضًا المعنى الاجتماعي والاسكاتولوجيّ. لن يسمح الله إلى الأبد بأن يتجاهل البشر حقوقه طوعًا. فيأتي يوم يُقرّون به كلُّهم كملك عليهم. وهكذا سألت صلوات عديدة ومباركات، دمار الوثنيّة وإقامة (أو : كشف) ملكوت الله النهائيّ على الأرض كلها. اختلفت فكرة ملكوت السماء عن مدلولات مثل "الخلاص" أو "أيام المسيح"... التي تأثّرت بالأمال الوطنية الضيّقة، فتميّزت بالطابع الخلقيّ والديني.
5) العهد الجديد. ^ أولاً : الازائيون. يشكّل ملكوتُ الله عند الازائيين الفكرة المركزية في تعليم يسوع.
(أ) الألفاظ. استعمل مرقس 14 مرة عبارة "ملكوت الله" (باسيلايا تو تيو)، ولوقا 39 مرة. وفضّل متّى عبارة "ملكوت السماوات" (استعملها 32 مرة) في خط تقليد الرابينيين وإن كان استعمل عبارة "ملكوت الله " في 6 :33؛ 12 :28؛ 19 :24؛ 21 :31، 43. استُعملت صيغة المفرد في العهد الجديد وفي الأقسام اليونانيّة من العهد القديم، لإحلال "السماء" محلّ " الله" (دا 4:23؛ 1مك 3:18-19، 50، 60؛ 4 :10، 24، 55؛ 2مك 9 :20؛ رج مر 11:30؛ لو 15 :18، 21). أما متّى فأخذ بصيغة الجمع (السماوات) كترجمة لأصل عبريّ أو أرامي "م ل ك و ت. د. ش م ا ي ا". ومن المعقول أن تعود عبارة "ملكوت السماوات" إلى يسوع نفسه، لا سيّما وأن (مر 10:40؛ مر 11:30؛ 14 :62 ولو 10 :20؛ 15 :7، 18، 21 جعلا في فم يسوع عبارات مشابهة لاسم الله. ومع ذلك، لم يقاسم مت اهتمامات الرابينيين في معرض الحديث عن الله. وهذا واضح من استعماله "ملكوت الله" بجانب "ملكوت السماوات". ونصوص مثل 5 :34؛ 23 :22؛ 6 :9ي تقودنا إلى النتيجة عينها. ثم إنه لا يُستَبعد أن يكون مت قد أراد أن يحاكي الأدب الجلياني (كما في الاسكاتولوجيا)، فاعتبر أن "ملكوت السماوات"، أي ملكوت الله، ليس ملكوتًا أرضيًا. بل ملكوتًا متساميًا، ملكوتًا يأتي من السماء. قد يجد هذا الافتراض الأخير سندًا له في الرباط الذي يجعله بين ملكوت الله وابن الانسان (13 :24-30، 37، 41، 43؛ 16 :27-28 يمثّل إبن الانسان في دانيال الملكوت الاسكاتولوجي الذي يأتي على غمام السماء. رج دا 7:18، 22، 27). في 13 :38؛ 26 :29، يتحدّث متّى في المعنى عينه عن "ملكوت الآب" (رج 6:10؛ لو 11 :2؛ 12 :31). وفي 4 :23 6 :33؛ 8 :12 : 9 :35؛ 13 :19، 38؛ 24 :14؛ 25 :34، يتحدّث بشكل مطلق عن "الملكوت" وأخيرًا، يتكلّم عن ملكوت ابن الانسان أو ملكوت يسوع في 13 :41؛ 16 :28؛ 20 :21؛ رج لو 1 :33؛ 22 :29-30؛ 23 :42.
(ب) اللاهوت. إن العبارة التي بها أعلن يوحنا المعمدان ويسوع مجيء ملكوت الله ((مت 3:2؛ مت 4:17؛ مر 1:15؛ لو 10 :9، 11)، تدلّ على أنهما ربطا كرازتهما بأفكار أخذ بها الناس في عصرهما. فملكوت الله عند الازائيين، كما في عدد من نصوص التوراة والأدب اليهوديّ، هو مدلول اسكاتولوجيّ ومتسام. يقابل مدلول الحياة الابديّة (مت 25:34-46؛ مر 9:43-47؛ 10 :17، 24-25). ويصوّرونه بعبارات تقليديّة (إش 25:6؛ رج لو 14 :15؛ رؤ 19:9)، بشكل وليمة (مت 8:11؛ لو 13 :28-29؛ 22 :18، 30). وصفةُ "الجديد" في مر 14:25؛ مت 26:29، تشدّد على الطابع المختلف كل الاختلاف لملكوت الله الذي يتميّز عن الظروف الأرضيّة (رج مر 12 :34-35). والوليمة التي دُعي إليها الوثنيون (مت 22:1-14) بعد أن رفضها المدعوّون، ترمز إلى ملكوت الله الاسكاتولوجيّ. في هذه الوجهة من تعليم يسوع، ليس ملكوت الله امتياز اليهود. دعاهم "أبناء الملكوت" (مت 8:12)، لأنهم أول المدعوّين، لا لأن امتلاك الملكوت مكفول لهم منذ الآن. بل إن اللاإيمان هو سبب استبعاد من الملكوت. وحتى التعرّف البسيط إلى يسوع (تنبّأنا باسمك، عملنا معجزات) لا يكفل لهم دخول الملكوت. يجب أن تتمّ إرادة الله (مت 7:21-23).
لهذا فالعشّارون والزناة الذين سمعوا كرازة يوحنا المعمدان، يسبقون الفريسيين المرائين إلى ملكوت الله (مت 23:13، 15، 27، 29). فهؤلاء الفريسيون لا يدخلون، ويمنعون الآخرين من الدخول (لو 11 :52). فالشرط الضروريّ هو الرجوع (ميتانويا) في تطبيقاته المتعدّدة : تبديل العقليّة (مر 1 :15 وز). الاستعداد لقطع كل رباط بمنافع الأرض (لو 9 :62؛ مت 22:1-14) لتقبل بشرى الملكوت القريب بطواعيّة الطفل (مر 10:15). والتجرّد عن الخيرات المادية، الذي هو ضروري للدخول إلى الملكوت، هو سهل على الفقراء والمضطهدين، أكثر منه على الأغنياء (مت 19 :24 وز). غير أنه يجب على التوبة أن تحمل ثمارًا هي الطاعة (مت 19:17) وممارسة محبّة القريب (مت 25:31-46). ومع ذلك يبقى الملكوت عطيّة حرّة من قبل الله (لو 12 :32). إلى هذا الملكوت يدعونا الله (مت 22:1-14) بشكل ملحّ (لو 21 :29-31).
بجانب نصوص تقدّم ملكوت الله كموضوع انتظار، هناك نصوص أخرى تفترضه حاضرًا منذ الآن. دشّن يسوعُ رسالته، فأعلن أن ملكوت الله اقترب، وصل إلى الأبواب (مر 1 :15 وز؛ رج لو 10 :9). وإخراج الشياطين هو البرهان الذي يُسند هذا القولَ (مت 12 :28 وز). وقسم الانجيلُ تاريخ الخلاص حقبتين : الاولى، حقبة الشريعة والأنبياء. قد امتدّت إلى يوحنا المعمدان الذي دشّن الحقبة الثانية التي فيها يعرف ملكوتُ الله العنف (لو 16 :16؛ رج مت 11 :12-13). وطرح الفريسيّون سؤالاً : متى يأتي ملكوت الله؟ فنالوا جوابين. لا يمكن أن يحدَّد زمن مجيئه (نحن في الحقيقة أمام وحي ملكوت الله الاسكاتولوجيّ). ولكن الملكوت هو في وسطكم (لو 17 :20-21). هذا الانشداد بين حاضر الملكوت ومستقبله يرتبط بشخص يسوع الذي هو ملكوت الله. منذ الآن قد جاء الملكوت في أعمال يسوع (مت 12:28؛ لو 17:20-21). لهذا، من تخلّى عن خيرات هذا العالم من أجل ملكوت الله (لو 18 :29)، يكون قد تخلّى عنها لأجل يسوع (مت 19:29؛ مر 10:29). لهذا يستطيع مت 16:28 أن يصوّر التجلّي المجيد لملكوت الله متماهيًا مع مجيء ابن الانسان في ملكوته. ويسوع يعد بالسعادة الاسكاتولوجيّة في ملكوته (لو 22 :30).
غير أن هويّة الملكوت ما زالت خفيّة، وهي تشكّل سرّ ملكوت الله الذي لن يُكشف إلاّ للمؤمنين (مر4 :11). ويتضمّن ملكوت الله مرحلتين : واحدة آنيّة، في سرّ التواضع. هذا لا يعني أن لا قوّة فيها. المرحلة الثانية مقبلة. في المجد والنور. نجد هاتين الوجهتين في أمثال الملكوت. وملكوت الله الذي قدِّم للبشر بكرازة يسوع وأعماله، يجد العوائق والصعوبات. ولكنه ينجح في أن يثبت ثباتًا (مت 13:3-8، 18-23 وز). والمقابلة مع حبّة الخردل تدلّ على أن بداية الملكوت الضعيفة (هو كلا شيء) لا تستبعد نموّه المجيد في زمن المجيء الثاني (مت 13:31-32). هذا العمل يريده كله الله ويحرّكه (مر 26-29). وقد رغبت الجماعات الأولى وانتظرت تجلّي ملكوت الله . ولكن بما أن مجيئه تأخّر، فهمت أن نموّ الكنيسة السريع لم يكن سوى التجلّي الأول للملكوت. ساعة وعد مر 9:1 (مت 16:28) الجيل الأول "بمجيء ملكوت الله بقوة (بمجد عظيم)"، ترك لو 9 :27 لفظة "بمجد عظيم"، لأنه جعل بين دمار أورشليم ونهاية الأزمنة، "زمن الأمم".
وبما أن ملكوت الله هو في جوهره اسكاتولوجي، لا نستطيع أن نماهيه مع الكنيسة. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، بقدر ما الملكوت حاضر في الزمن، فهو يكون متواضعًا ومخفيًا (رؤ 1:9) في الكنيسة ويعمل بها. إنها مسؤولة عن رسالة خاصة، تقوم بأن تقود البشرية وتوجّهها إلى ملكوت الله بالمعنى الحصريّ للكلمة (مت 16:19). وهكذا صارت الكنيسة الجماعة التي بها وفيها يجمع المسيحُ "البقيّة" التي يريد الآبُ أن يعطيها الملكوت. أن يعطيها هذا الكنز الذي يعوِّض تعويضًا واسعًا التخلّي عن خيرات هذا العالم (لو 12 :32-33).
ثانيًا : الرسائل البولسيّة. حسب (أع 14:22؛ أع 19:8؛ 20 :25؛ 28 :23، 31، جعل بولس من ملكوت الله موضوع كرازته. وهذا ما تُثبته رسائلُه. في 1تس 2:12؛ 2تس 1:5، ملكوت الله هو السعادة الاسكاتولوجيّة. هو المجد الالهي الذي إليه يدعو الربُّ المؤمنين، والذي لأجله يجب أن يتألّموا (رج 2تم 4 :18). هذه السعادة تستبعد كل فكرة فساد (1كور 15 :50). فالذين استسلموا إلى الرذائل لا يُقبلون في هذا الملكوت (1كور 6 :9-10؛ غل 5 :21؛ أف 5 :5). وملكوت الله الاسكاتولوجيّ هذا هو أيضًا ملكوت المسيح (أف 5 :5؛ رج 2بط 1 :11). وهو يتجلّى في المجيء الثاني (2تم 4:1). في 1كور 15:24-28، نستشفُ نظرة تختلف بعض الشيء : تحدّث بولس عن الملك المسيحاني الذي يهيِّئ ملكوت الله ويزول حين يأتي هذا الملكوت. في كو 4 :11، يتكلّم الرسول عن علاقة الكنيسة بملكوت الله الذي هو هدف عمله وعمل معاونيه. والحياة في الكنيسة هي منذ الآن مشاركة في ملكوت الله : لا تقوم في المحافظة على بعض الفرائض المتعلّقة بالأطعمة (رو 14 :17؛ كو 2:16-17). ولا بالبلاغة (1كور 4 :20)، بل في البرّ والسلام والفرح (كو 1:11-12).
ثالثًا : الكتابات اليوحناويّة. لا يستعمل يوحنا سوى مرتين عبارة "ملكوت الله" . وذلك في معنى اسكاتولوجيّ صريح : لا يستطيع الانسان أن يدخل ملكوت الله إلاّ إذا وُلد من الماء والروح، أي نال المعموديّة التي هي الموازي الأسراري للاهتداء الذي هو شرط تفرضه الأناجيل الإزائيّة (يو 3 :3، 5). في يو 18:33-37، يتكلّم يوحنا عن مُلك يسوع الذي هو متسامٍ في أصله. الذي هو في جوهره وحيٌ للحقيقة الأبديّة التي تُعطى لأبناء الحقّ. عبّر يوحنا عن ملكوت الله بشكل عقلاني، كما فعل مع "الحياة". وما أضاف رؤ عنصرًا جديدًا في اعلانه ملكوت الله، بل جعل على المستوى عينه ملكوت الله وملكوت المسيح (11 :15؛ 12 :10).
ملكوم : ملك (مع التنوين). الاله الوطني لدى العمونيين، رجس العمونيين. بعد أن اخذ داود ربة عموّن، حمل الحجر الثمين الذي يزيّن تمثال الاله (2صم 12 :30 1أخ 20:2 (حسب اليونانية). بعد هذا عبد سليمان ملكوم (1مل 11 :5، 33) وبنى له معبدا (1مل 11 :7 . في اليونانية ملكون في العبرية مولك) : دنّس يوشيا ذلك المعبد (2مل 23 :13) فيما كان يندّد صفنيا بعبادة ملكوم (صف 1 :5 في العبرية : ملك). وُجدت مدوّنات عمونيّة تحدّثت عن الاله ملكوم، الذي تماهى مع هرقلس في الحقبة اليونانيّة والرومانيّة.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|