1) المدة. هو الوقت الذي فيه ظلّ عددٌ من سكان مملكة يهوذا منفيّين إلى بلاد الرافدين بعد أن أجلوا هناك : من سنة 597 حتى سنة 538. وصل هؤلاء اليهوذاويون إلى هناك بين سنة 597 وسنة 581، بعد أن دفعهم إلى ذلك دفعًا نبوخذ نصر الثاني، ملكُ بابل وسيّد المنطقة الجديد، الذي ضمّ منطقة يهوذا إلى مملكته وسيطر على الشرق الاوسط من سنة 612 (سقوط نينوى) حتى سنة 539 (وصول كورش، ملك فارس، إلى بابل).
2) عدد المسبيّين. حسب ار 52:30، عدد المسبيين هو 4600. وحسب 2مل (24 :14)، 10000 للسبي الأول الذي حدث سنة 597. إن حساب إرميا يبدو أقرب إلى الواقع، إذا اعتبرنا أن المحتلّ أخذ الشعب المؤهّل والكفوء، وترك شعب الأرض، ولكن هذا الرقم لا يتوافق مع 42360 منفيًا (حسب نح 7 :66) الذين عادوا إلى البلاد بعد قرار كورش. لهذا يمكن أن نعدّ معهم بعض عائلات اسرائيليّة أجليت في الزمن الأشوريّ (عز 8:18). أقام اليهوذاويون في المناطق المهملة أو التي دمّرتها الحرب : تل أبيب (حز 3:15) على قناة كبار التي تربط دجلة بالفرات على مستوى نيفور، تل حرشا، كروب، ادّان، إميّر (عز 2:59). كما أقاموا في منطقة نيفور المروية، في كسفيا (عز 8:17).
3) ظروف الحياة. إذا كان الانتقال من يهوذا إلى بابلونية محنة رهيبة بالنسبة إلى قوافل المسبيّين، فالاقامة في الأرض والحياة هناك لم تعودا على مستوى الذل والعبوديّة. بدأ المنفيّون يعملون في أراض تؤجّر لهم. وتذكر اللويحات (منذ سنة 592) البابليّة أن الموظّفين اليهود يعملون في الابنية الملكيّة. وعمل بعضهم في الادارة والتجارة. ونجد عقودًا تجاريّة تعود إلى ذلك الزمن حيث نجد أسماء يهوديّة مثل موراشو الاختصاصي في القروض الماليّة، وأخرى في بلاط الملك الفارسي مثل نحميا (نح 2:1) وربما في بابل حسب دا 1:3-7. كل هذا يدلّ على ازدهار بعض العائلات المنفيّة واندماجها بالمجتمع. لهذا بدا من الصعب على فئة من المنفيّين أن يعودوا إلى البلاد بعد أن نظّموا حياتهم. ولولا كرازة حجاي وزكريا لما عاد أحد من هؤلاء.
4) النشاط الديني. نعمَ اليهودُ المنفيّون ببعض الحريّة، كما رضي عنهم الحكّام ولا سيّما ملك يهوذا الشرعي، يوياقيم (إر 52:31-34). فانتظموا تحت سلطة الشيوخ ((حز 8:1؛ حز 14:1؛ 20، 1؛ إر 29:1). وكانوا يلتقون يوم السبت في اجتماعات صلاة : وهكذا بدأت تتوضّح ملامح الليتورجيا المجمعية حيث حلّت تقدمة الشفاه والقلب المنكسر (مز 51) وسماع كلمة الله والمحافظة على الشريعة، محلّ ذبائح الهيكل الدمويّة. وكانوا يتذكّرون بالاصوام والصلوات كارثة سنة 587 (زك 7 :1؛ 8 :19؛ مز 371)
في البداية، ظلّت العلاقات متينة بين المنفيين والأرض الأم : تشجعّوا لمحاولات التمرّد في أورشليم (إر 27) أو بالقلاقل في بابل (595)، فانتظروا في البدء رجوعًا سريعًا وعودة يوياقيم كملك يهوذا. ولكن إرميا النبيّ ندّد بهذه الأوهام (27-29)، وأعاد كرامة المنفيين الذين اعتبرتهم اورشليم خونَة واتهمتهم بكل الشرور (إر 24؛ رج حز 11 :14-21). هل كان اتصال مع ابناء منفيّي مملكة الشمال الذين أقاموا في أعالي بلاد الرافدين منذ أيام الاشوريين ؟ لا نجد شهادة على ذلك (ما عدا عز 8 :18).
5) نشاط لاهوتي. كان الاسر في بابل محنة لإيمان شعب رأى نظمه ورموزه الاساسيّة تنهار : الهيكل، الملكيّة، الأرض، وحدة الجماعة. تشتّتوا وسط حضارة غريبة أخذوا ببعض وجهاتها (الكلندار، التقينات...)، فأجبروا على عمل تعميق روحي، على إعادة قراءة التقاليد والنصوص المؤسِّسة، على خلق لغة جديدة بتأثير من الحضارة الرافدينيّة (مثلاً، الحديث عن الخلق). لهذا، كانت فترة الاسر البابليّ حقبة نشاط أدبي ولاهوتي عظيم : كتاب حزقيال، أشعيا الثاني، شريعة القداسة في لا 17-26. وبشكل أعمّ التدوين الكهنوتي للبنتاتوكس، والتدوين الاخير لسفر التثنية، وإعادة قراء ة الانبياء الذين عاشوا قبل المنفى. كانت تلك البداية، وهي ستمتّد إلى الحقبة التي بعد المنفى، فتدلّ على ديناميّة نجد آثارها في ما وصل إلينا من أسفار مقدّسة. رج الجلاء.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|