(أ) المضمون. نستطيع أن نقسم مي أربعة أقسام (1) يظهر يهوه كديّان الكون (1 :2-4). فكما عاقب السامرة ( آ5-9) سيضرب يهوذا بواسطة عدوّ آتٍ من الجنوب والغرب. سيدمّر كلّ المدن التي يجدها في طريقه ( آ10-16 : سنحاريب). هذا سيكون عقابَ جشع الأغنياء (2 :1-5، 6-11). ويتتابع الاتّهام، بعد فاصل عن الوعد (2 :12-13)، ضدّ الموظّفين والأنبياء والكهنة (3 :1-12). (2) وعود ليهوذا عن جبل الهيكل (4 :1-5) ورجوع المشتّتين (4 :6-8، 9-14). في بيت لحم يولد المسيح (5 :1-3) الذي يغلب الشعوب ( آ4-8). وينتهي هذا القسم بتهديد في شكل نبوءة خلاص تعلن زوال عدّة الحرب وأدوات عبادة الأوثان ( آ9-14). (3) محاكمة الشعب العقوق (6 :1-8). تهديد ضدّ أورشليم بسبب التجاوزات الاجتماعيّة (آ9-16) وتشكّي النبيّ من الظلم الذي يعمّ الكون (7 :1-6). (4) مواعيد لصهيون بشكل رثاء (7 :7-10)، وإنباء ( آ11-13) وصلاتان (14-17، 18-20).
(ب) أصل الكتاب. يقدّم الكتاب مرّتين الرسمة عينها : نبوءة شقاء (القسم الأوّل والثالث)، نبوءة سعادة (القسم الثاني والرابع). لا تتجاوب هذه القسمة مع نظام الكتاب الأصليّ. فنحن لا نعتبر أنّ النبوءة أوقفت التهديدات المرعبة بمواعيد تزيل النتيجة. ثمّ إنّ البداية المشابهة للنبوء تين (لله دعوى على إسرائيل : 1 :2ي؛ 6 :1ي)، والكلمات البارزة التي تربط القسم الأوّل بالقسم الثاني، والقسم الثالث بالقسم الرابع (جبل الهيكل في 3 :12 و 4 :1، سمع في 5 :14 و6 :1 التي نجدها في الخاتمة 7 :7 كما في البداية، 1 :2) تشهد على ترتيب مصطنع يدلّ على عمل المؤلّف.
(ج) اللاهوت. ليس مي عملاً لاهوتيًّا. فالتوحيد أمر واضح، فلا حاجة إلى التشديد عليه. فهو يكتفي بأن يُبرز صفات يهوه التي هي أساس كرازته : غضب الله، رحمته العظيمة. مي هو كاتب أخلاقي. فلا قيمة للديانة إن لم ترافقها ممارسة العدالة الاجتماعيّة عند الفرد وفي المجتمع. ومن جهة المسيحانيّة، يقدّم لنا مي قمّة في نبوءته عن بيت لحم أفراته. يبقى أن القسم الكبير من الكتاب يبدأ بمحاكمة الرب لشعبه، الذي تعاهد ولكنه خان. هاجم الرؤساء الدينيين والمدنيين (3 :1، 9، 11)، كما هاجم الأنبياء (3 :5). اتّهمهم بالجور والظلم : يشتهون ما يملكه البسطاء (2 :2). يميلون بالعدالة (3 :9، 11؛ 6 :10-11). حرّفوا المعنى الحقيقيّ للعهد وكأنها كفالة لا مشروطة، وكأن الرب يوافق على تصرّفهم بشكل أعمى (3 :11ب). اهتمّ مي خصوصاً بالوضع الاجتماعي، وترك الامور السياسيّة لمعاصره أشعيا. مثلُ هذا الجور يحمل الكارثة. وقال مي 3 :12 : "بسبب أعمالكم". فالمدينة التي يحكمها رؤساء مدنيّون والهيكل الذي يقيم فيه الكهنة، سيدمَّران (3 :12). فلا يعود للأنبياء من كلام يعلنونه لأن الرب سيصمت (3 :6-7). سيحتلّون البلاد. ويجلون السكان (4 :10). ولا تكفي ذبيحة من هنا وذبيحة من هناك لتُبعد العقاب. فيهوه يفرض أمرًا آخر : "أيها الانسان، قد بيّن لك الرب ما هو صالح وما يُطلب منك : أن تُجري الحكم، وتحبّ الرحمة، وتسير بتواضع أمام إلهك" (6 :6-8). عاد مي إلى كرازة الانبياء في عصره، فذكر العدالة كما عند عاموس، والرحمة كما عند هوشع، والتواضع كما عند أشعيا. ولكن نهاية اسرائيل ليست نهاية أورشليم. فبقيّةٌ تبقى (4 :6-7). وبفضل غفران الله ورحمته (7 :18-20) سيعود عملُ البناء. تُذلّ الأمم (4 :11-13)، ويخرج ملكٌ مسيح، لا من العاصمة أورشليم، بل من بيت لحم المتواضعة (5 :1-5) ليخلّص شعبه. وتكون أورشليم نقطة التقاء جميع الشعوب، فينالون كلمة الله ويبدأ السلام في الكون كله (4 :1-4).
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|