1) نسخة مت ونسخة لو. أعطى كل من الإنجيل الأول والإنجيل الثالث نسب يسوع. الأول (مت 1:2-17) يعود إلى ابراهيم. والثاني (لو 3 :23-38). يعود إلى آدم (الله). ويأخذ الإنجيل الأول خطًّا معاكسًا للإنجيل الثاني. والأسماء الموجودة في النسبين لا تتطابق (ما عدا استثناء واحد في النص اليونانيّ مع لو 3 :33) إلاّ في الحقبة الممتدّة من ابراهيم إلى داود. بعد داود، لن نجد سوى عنصر واحد مشترك : شألتئيل - زربابل. أعطى مت نسب يوسف. واعتبر بعضهم أن لو أعطى نسب مريم. ولكن يبدو أن لو أعطى أيضًا نسخة ثانية لنسب يوسف (رج 3:23). عرف العهد القديم أمثلة عن نسبين مختلفين بالنسبة إلى شخص واحد أو إلى عائلة واحدة (ق 1أخ 7:6-12 مع 8:1-40؛ 1أخ 2:3-3 :4 مع 4 :1-23). ولما أراد الشرّاح أن يفسّروا هذين النسبين بالنسبة إلى يوسف، تحدّثوا عن زواجين (عالي - يعقوب؛ نيري - يكنيا). غير أنّ هذا التفسير يبدو غير مرضيّ، لأنّه يفترض في الحالتين أننا أمام أخوين من أم واحدة وأبوين، وإلاّ وجب على اللائحتين أن تتطابقا من جديد بالنسبة إلى أجداد هؤلاء الأشخاص. لهذا نفضّل القول بأنّ هذين النسبين يهتمّان بالحديث عن نقل الحقّ بعرش داود، كما يكفله الله. فأورد مت ولو، كلّ بطريقته، نسخة مختلفة عن النسخة التي أخذ بها الآخر.
2) بنية النسب وهدفه. أولاً : متّى. يتألّف نسب مت من ثلاث دورات من 14 (7?2) جيلاً، توافق حقبات تاريخ اسرائيل الثلاث : من ابراهيم إلى داود. من سليمان إلى سبي بابل. من سبي بابل إلى يسوع. فالدورة الأولى (فيها يتساوى عدد الحلقات عند مت وعند لو، ولكن رج لو 3 :33) كانت نموذجًا للدورتين الثانية والثالثة (عدّوا رسميًّا 14 جيلاً من ابراهيم إلى داود. ورقم 14 يقابل اسم داود، د 4؛ و 6؛ د 4). وإذ أراد مت أن يحافظ على هذا العدد، ترك ثلاثة أجيال بين يورام وعزيا. وهكذا نجد نفوسنا أمام لائحة تأسّست عمدًا على رقم محدّد. أمّا الهدف المحدّد فهو القول بأن يسوع، نسل داود وابراهيم، قد أودع الوعد الذي أعطي لابراهيم (رج غل 3 :16)، وقد صار داود الجديد. جاء في نهاية سلسلة من 6?7 جيلاً، فدشّن مع بداية السلسلة السابعة ملء الأزمنة. وقال بعض الشرّاح إنّ إدراج أربع نساء ( تامار، راحاب، راعوت، بتشابع) لسن إسرائيليّات، (بل هن بطلات شعبيات) في النسَب، يدلّ على أهميّة مجيء يسوع بالنسبة إلى العالم الوثنيّ. بما أنهنّ دخلن بشكل لا متوقّع واستثنائيّ في نسب المسيح المنتظر، فهنّ يُعددن بشكل من الأشكال الطريقَ لدخول الأم العذراء العجائبيّ في نسب يسوع.
ثانيًا : لوقا. عدّ نسبُ لو في النص اليوناني 77 اسمًا (11?7 جيلاً). في الشعبيّة اللاتينيّة وفي بعض المخطوطات اللاتينيّة : 76 اسمًا. وفي السريانيّة العتيقة (السريانيّة السينائيّة) : 75 اسمًا. في عدد من المخطوطات اللاتينيّة : 72 اسمًا. هذا التعداد يستند (في مظهر من مظاهره) إلى رسمة مصطنعة، تتوخّى أن تبيّن أنّ يسوع لا يُتمّ فقط تاريخَ الشعب المختار، بل تاريخ البشريّة أيضًا (فهو "ابن آدم" وليس فقط "ابن ابراهيم") : إنّه مخلّص الكون كلّه. ونلاحظ أيضًا الرباط الذي جعله لو بين شهادة الآب في عماد يسوع (3 :22)، والآية الأخيرة في نسب يسوع (3 :38 : "ابن آدم، ابن الله "). تشكّل هاتان الآيتان تضمينًا فتدلاّن على أنّ ذاك الذي يصوّر نسبُه سلالتَه البشريّة هو أيضًا ابن الله في معنى رفيع جدًّا. واختلف لو عن مت الذي بدأ إنجيله بنسب يسوع، فتحدّث عن سلالة يسوع البشريّة بعد أن أبرز بنوّته الإلهيّة (لو 1 :35؛ 3 :22).
3) الفن الأدبي وأصل نسب يسوع. ينتمي النسب إلى فنّ أدبيّ هو فن لائحة السلالات. فالفعل "ولد" (اغانيسان) لا يرتبط فقط بالإنجاب حسب اللحم والدم. ونحن نجد عددًا من هذه اللوائح في العهد القديم، وهي نتاج أدبي لا ثمرة تقليد شعبيّ. وهذا ينطبق أيضًا على نسب يسوع. فقد شدّدت أقدم كرازة مسيحيّة على الأصل الداودي ليسوع (أع 2:29-35؛ 13 :22-23)؛ رو 1 :3؛ 9 :5؛ 2تم 2:8؛ رؤ 5:5؛ 22 :16). غير أنّ السلسلات الطويلة والمصطنعة والمركّبة تركيبًا رمزيًّا، لا تستطيع أن تقدّم بسهولة مادّة توافق الكرازة. لهذا نقول إنّ متى ولوقا قد ألّفا هذين النسبين، أو ربما أخذاهما من مرجع وُجد قبلهما. فالأسماء تعود إلى السبعينيّة لا إلى العبريّة. حين يورد مت أجداد يسوع من ابراهيم إلى المنفى، فهو يلجأ بشكل رئيسيّ إلى 1أخ 2-3. واستلهم لو أيضًا 1أخ 2-3 بالنسبة إلى الأجيال التي تنطلق من داود إلى ابراهيم. ثمّ استعمل الإنجيليّان مرجعين ما زلنا نجهلهما.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|