أولاً : الاسم. نشيد الاناشيد يعني أجمل وأسمى نشيد. يجعل القانون اليهودي نش بين الكتب التقوية ويعتبره إحدى اللفائف الخمس. إنه يُقرأ في عيد الفصح بينما يُقرأ سفر راعوت في عيد العنصرة والمراثي في تذكار دمار اورشليم والجامعة في عيد المظال واستير في عيد الفوريم (او القرعة). أما التقليد اليوناني واللاتيني فقد جعل نش بين الاسفار الحكمية.
ثانيًا : المضمون والفن الادبي. الآراء متنوعة.
1) رأي اول : نش هو مجموعة اغان عرائسية وغرامية أعطاها الكاتب الاخير وحدتها، ليستعيد الموضوع نفسه (رغبة الحبيبين في أن يلتقيا) فيخلق الشعور بانشداد دراماتيكي. فالكلمات والصور تجعلنا في جو الوصف والحب حيث يعتبر الزوجان الملك والملكة في الاسبوع الذي يلي زواجهما.
2) رأي ثان. يعود إلى اوريجانس. نش هو عمل دراماتيكي ينشد مغامرات راعية اختطفها سليمان وسجنها في حرَمه. ولكنها ظلت أمينة لحبّها الاول.
3) رأي ثالث. يعتبر نش مجموعة اغان تحتفل في الاصل بآلهة الخصب. استعادها بنو اسرائيل من أجل عيد الفطير (يحتفل به الاسرائيليون على خطى الكنعانيين) فأنشدوا استيقاظ الطبيعة في الربيع. ولكن كيف دخلت هذه الاغاني الوثنية في الكتاب المقدس؟ الجواب : طبِّقت الأسطورةُ الكنعانية أولاً على أعراس سليمان قبل أن تحتفل بأعراس الله مع شعبه.
4) رأي رابع. نش هو مؤلف رمزي يلجأ إلى الاستعارة. إنه ينشد من خلال صورة رجل وامرأة وحبهما المتبادل وأمانتهما الزوجية، ينشد علاقات يهوه مع اسرائيل. ففي العهد القديم يستعمل الزواج والامانة الزوجية للتحدث عن العلاقة بالعهد والامانة للعهد (اش 50:1؛ 52 :1ي، 54 :4-8؛ 62 :4ي؛ ار 31:17-22؛ حز 16:8؛ هو 3 :1-3...). وفي نش، يتوسع الكاتب في الصورة عينها ولكن بطريقة مفصّلة وملموسة. هذا هو رأي التقليد اليهودي (ترجوم، راشي، قمحي، ابن ميمون) واكثر الكاثوليك وعدد كبير من البروتستانت. قال احدهم : يتألّف نش من 7 أغنيات تتوسع كلها في الموضوع المثلث (محنة العروس، إعجاب متبادل، امتلاك الواحد للآخر). إن نشيد الأناشيد هو امتداد للأنبياء الذين شدّدوا فقط على خيانة اسرائيل. وقال شارح آخر : إن نش هو في خط التقليد النبوي حين يتحدث عن أعراس الرب مع شعبه. وُلد الكتاب أيام درجت "المختارات" وتقبلت المواضيع والصور المستعملة في نش (العريس والعروس، الملك، الراعي، الكرم، نام واستيقظ، طلب وجد...) مدلولاً نبويا واسكاتولوجيا جديدا بتأثير كرازة الانبياء (هو، ار، حز، تث، إش). أما المناخ الحياتي لهذه الأغنيات الخمس، فهو الجماعة اللاهوتية العائدة من السبي. قبل عودة نحميا (حوالي 444 ق.م.) كانت تتجاذبها عواطف رجاء وخوف، انتظار وخيبة أمل بحيث إن تدرّج الاغنيات الدراماتيكي يقابل هذا التطور التاريخي والسيكولوجي. في هذا التطور يعطي الحب اللامتناهي ونعمة الرب (الذي يذكِّر عروسه الخائنة بالسعادة السابقة ويوبّخها بقوة حبه) مجموع الكتاب وحدة عظيمة. ولكن هناك من يعارض هذا الرأي فيقول : لا شيء يجعلنا نستشفّ معنى الاستعارة، بخلاف ما نرى في نصوص أخرى من العهد القديم (مثلا (إش 54:5؛ إش 62:4؛ هو 1 :2). ان نش ينشد الحب البشري فقط. لم يتعوّد الكتّاب الملهمون أن يطبقوا على يهوه صورا مأخوذة من عالم الجنس. في لغة الانبياء التقليدية، أُمَّة اسرائيل هي الخائنة دوما. هذه هي اعتراضات المعترضين على الرأي الرابع.
ثالثًا : مدلول نش
1) رأي اول. المعنى الحرفي. ينشد نش الحب البشري الذي يتولّد من الاعجاب بجمال الجسد. ونحن نفهم تجرؤ الكاتب في صوره باختلاف الاذواق وطرق العيش والعادات (8 :1 عن القبلة). وان هذا الحب الجسدي هو عطية من الله يدعو الزوجين لتتميم واجبات حياتهما الزوجية بالامانة، ولاكتشاف قيمة الشخص البشري. ثم إنه في الاطار التاريخي للعهد يرتبط هذا الحب ارتباطا ضروريا بحب الله لشعبه، لانه يرتبط بالعمل الذي به يخلق الله شعبه.
2) رأي ثان. معنى نمطي. حب الرب لشعبه وعلى ضوء تتميم العهد الجديد، حب المسيح للكنيسة، لشعب العهد الجديد. هذا هو المعنى الروحي الذي نفهمه على ضوء لغة الانبياء وتعليم العهد الجديد (مت 9:15؛ 22 :1-4؛ 2كور 2 :11؛ أف 5 :23-32؛ يو 3 :29).
رابعًا : أصل الكتاب. متى دوِّن نش؟ في بداية العهد الهليني. وقد تعود الاناشيد المختلفة إلى القرن الثامن.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|