حين ندرس البنتاتوكس سنلتقي بنظريّة المراجع أو التقاليد الاربعة : اليهوهيّ، الالوهيميّ، الاشتراعيّ، الكهنوتيّ. هي محاولة لتفسير الوضع الحالي للنصّ بدمج عدة "وثائق" تدل بألفاظها وأسلوبها وعودتها إلى النظم ولاهوتها، على سمات مشتركة، جعلت كل مرجع يَتخذ فرديّة خاصة تميّزه عن المرجع الآخر قبل دخوله في مجموعة أوسع. وهذه النظرية تتميّز عن محاولتين أخريين لم تعرفا الشهرة عينها. فرضيّة الاجزاء : تفرض جمعَ وحدات صغيرة وكثيرة. وفرضيّة الملحقات : تفترض خبرًا أول أساسيًا، قد أغني بإضافات مختلفة بالنظر إلى توسّع التاريخ.
وُلدت نظرية المراجع حين أراد العلماء أن يجدوا تفسيرًا لعدد من النصوص غير المتماسكة. وقد صارت ممكنة حين دخلت الروح النقديّة في القرن 16-17 إلى اوروبا مع سبينوزا وريشار سيمون. وأبرز جان استروك تعدّد أسماء الله، فخطا في هذا المجال خطوة هامّة. وتقدّم البحث حتى وصل إلى الذروة مع ولهاوزن الذي جعل نظرية المراجع في منهاج مرتّب.
لقد جعل ولهاوزن النقد الأدبيّ في خدمة التاريخ. استند إلى تطوّر التشريع في اسرائيل فيما يخصّ أماكن العبادة والكهنوت والعشور، والحقوق المقدّسة، فتصوّر رسمة متطوّرة وإجمالية من أجل تثبيت هذه التقاليد خطيًا في اسرائيل. كانت صياغة أولى في الحقبة الموسويّة، أو ربّما في زمن القضاة، في إطار المعابد. وقد دوّنت هذه التقاليدُ في أيام داود أو سليمان، وظلت بعد انقسام مملكة سليمان (933، مملكة الشمال وعاصمتها السامرة، ومملكة الجنوب وعاصمتها أورشليم) في الشمال وفي الجنوب.
وبحسب أصحاب نظرية المراجع، دوّنت الوثيقة اليهوهيّة في الجنوب، على مراحل، حتى تحرّر أدوم في أيام يورام (853-841). وجُعلت الوثيقة الالوهيميّة في الشمال بين سنة 730 وسنة 722 (سقوط السامرة). وبتأثير من الأنبياء وصل المدوّنون إلى نظرة عن الله أكثر أخلاقيّة وأكثر روحيّة. وتركت الوثيقة مكانًا أوسع للشريعة المكتوبة، وأدخلت كتاب العهد. بعد سقوط السامرة، جاء كاتب يهلهي (جمع اليهوهي والالوهيمي في شميلة جديدة) فدمج اليهوهي والالوهيمي. أما سفر تثنية الاشتراع فهو الشريعة التي وُجدت في الهيكل في أيام يوشيا (622). وكانت تدوينات عديدة قبل أن يصل تث إلى شكله النهائي. في المنفى مع حزقيال أسِّس العملُ الذي سيحقّقه الكهنة الذين دوّنوا الشرعة الكهنوتية. أمّا شريعة القداسة التي تتصل مع تث في نقاط عديدة مشتركة، فكانت أول مجموعة ثابتة في النصوص الكهنوتيّة. وتضمّنت الشرعة الكهنوتيّة "مقالاً أساسيًا" وشرائع أضيفت على الشريعة حول الذبائح (لا 1-7)، وعلى شريعة الطهارة (لا 11-15). ونستطيع أن نربط هذا المقال الأساسيّ بمهمة عزرا سنة 458. أما الاندماجات الأخيرة فحصلت حوالي سنة 400.
إن هذه الرسمة التطوريّة لنظرية المراجع، وعدم انفتاحها على العالم الفائق الطبيعة، جعل العالم اليهوديّ والعالم المسيحيّ يتحفّظان ويتردّدان. وعارضت المدرسة السكندينافية النظرية باسم التقليد الشفهي (تاريخ التقاليد). ولكن كانت محاولات سدّت بعض الفجوات في هذه النظريّة، فنعمت بتوسّع الاركيولوجيا واكتشافات الشرق القديم. كما أفادت من دراسة الفنون الأدبيّة كما أطلقها غونكل، والتقاليد كما أطلقها فون راد.
أثّرت نظرية المراجع تأثيرًا كبيرًا على تفسير البنتاتوكس. وعمل عددٌ كبير من الاخصائيّين في هذا الاتجاه، وأفرطوا في الدقّة حتى كادوا يأخذون الطريق المعارض لهذه النظرية. ولكن منذ الستينات، بدأ العلماء يعيدون النظر في المعايير التي ترتكز عليها هذه النظريّة : لا تماسك في النصوص. بل تضارب بينها. تكرار على مستوى الجمل. وتكاثرت منذ سنة 1975 الدراسات التي هاجمت النقاط الاساسيّة في النظرية : هل من وجود للتقليد اليهوهي؟ متى دوّن اليهوهي والاشتراعي؟ هل وُجد الكهنوتي كوثيقة مكتوبة، مع أن أكثريّة العلماء اليهود تحدّد موقعها في الزمن السابق للمنفى؟ أما الاتجاه الحاليّ فهو تصغير عمر الوثائق، بحيث لا تكون في زمن داود وسليمان، ولا في زمن احتلال السامرة، بل خلال المنفى وبعده، وتكاثرت الانتقادات بحيث اقتربنا من نظرية الأجزاء أو الاضافات. وجاء من يقلّل أهميّة المراجع والتقاليد من خلال تاريخ تدوين النصوص أو الاساليب البنيويّة أو التفسير القانوني الذي يرى كل نصّ في مجمل القانون البيبلي، أي لائحة الأسفار المقدّسة.
خاتمة
إن نظرية المراجع هي فرضيّة عمل. وهي لا ترفض سائر الفرضيّات والاساليب. وقد توصّلت إلى نتائج لا يمكن أن نمحوها. فتوالي مجموعات الشرائع أمر ثابت. ولكن المهمّة بدت صعبة على مستوى الأخبار. إذا كنا استطعنا أن نتعرّف بسهولة على بعض المجموعات، فهناك نصوص اخباريّة متشعّبة ومعقّدة. وفي صمت البحث الحالي، يمكن أن تعطي نظريةُ المراجع ثمارها إن هي مُورست بدقّة وعرفت حدودها. بواسطتها استطعنا أن نقرأ البنتاتوكس قراءة أقلّ أصوليّة. فنتعرّف إلى اليهوهي مع تشديده على مباركة الله لشعبه. وإلى الالوهيمي مع تشديد على مخافة الله يعيشها المؤمن بشكل خاص في الوصايا العشر. وإلى الاشتراعي مع استناده إلى عهد بين الله وشعبه على مثال المواثيق التي تربط ملكًا كبيرًا بملك تابع له. وإلى الكهنوتي الذي شدّد على كلمة الله التي خلقت الكون منذ القدم وما زالت حاضرة في التاريخ لتقدّسه عبر طقوس يمارسها الكهنة في الهيكل بانتظار ممارستها في الهيكل الجديد الذي هو جسد المسيح القائم من الموت.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|