70 ق.م.-10 ب.م. موجّه الفريسيين في عهد هيرودس الكبير، وحكيم معروف في حقبة الهيكل الثاني. عُرف باسم هلال القديم (أو : البابلي). وُلد من عائلة تعتبر نفسها من سلالة داود. درس أولا التوراة في موطنه، بابل، ثم في أورشليم بإدارة شمعيا وأبطليون. وإذ كان يعمّق معرفته للتوراة في اورشليم، أجبر على تأمين حاجاته وحاجات عياله ممارسًا عملاً يدويًا. كما كان يدفع نصف ما يربح لبوّاب "المدرسة". في يوم جمعة من أيام الشتاء القارسة، لم يستطع هلال أن يجمع المبلغ المطلوب، فلم يُسمح له بالدخول. فتسلّق حائط المدرسة ليسمع الدرس من فتحة السقف. ولما حلّ الليل، لاحظ شمعيا وأبطليون خياله، وقد كاد يموت من البرد بسبب الثلج، فانزلاه. ومع أن اليوم كان سبتًا، أشعلا النار ليعيدا اليه الحياة قائلين : يجدر بنا ان ندنّس السبت لكي نخلّصه. وبعد موت معلّميه، ذهب هلال إلى بابل ثم إلى الاسكندريّة أو مع إحدى الجماعات في البريّة. ويروي التلمود (فسحيم 66أ) كيف صار معلمًا في مجال السلوك (هلكه). سُئل : هل نقيم الفصح حين يقع الفصح يوم السبت؟ استعمل اسلوبه التفسيري في سبع نقاط، وستصبح بعده 13 نقطة. احتُقر في البدء بسبب أصله البابلي، ولكنه عُيّن فيما بعد رئيس السنهدرين، وهي وظيفة ظلّت في أبنائه قرونًا عديدة. قسم سلطته مع نائب رئيس. مع مناحيم الذي ما عتّم أن استقال. ثم مع شماي الذي صار زميلا له ومعارضًا طوال حياته. في أيام هيرودس، يبدو أن هلال أخذ موقف الفطنة، ولكنه لم يتردّد في انتقاد الترف الذي تعيش فيه بعض العائلات في أيامه، في أورشليم.
بعد أن قبل الناس طريقته التفسيريّة، صار ليّنا، وأخذ بتفسير موسّع ومقيّد معًا للبيبليا. فالتقليد الشفهي الذي تسلّمه من معلّميه لعب دورًا هامًا. والجدالات الرابينيّة التي تكاثرت فيما بعد بين بيت (مدرسة) شماي وبيت هلال، كانت بعدُ محدودة. وفي المجال التشريعيّ، كان هلال في أساس ترتيبات على المستوى الاجتماعيّ. وفوق كل هذا، علّم هلال التوراة (سوكوت 20أ) كما يقول التلمود. فكان مثل عزرا. جاء من بابل ليعطي التوراة حياة بعد أن نساها اسرائيل، وحاول أن يجعل هذه التوراة بمتناول الناس. في ذلك الوقت، كان المعلّم يختار تلاميذه اختيارًا دقيقًا. حسب شماي : يكون من عائلة صالحة وميسورة. أما هلال فرفض أن يتصرّف بهذا الشكل : كان يعلّم التوراة لعمّال ذاهبين إلى عملهم ويتلّقى منهم الأسئلة. قال : يجب ان ندرس التوراة بتجرّد، لفائدتها، لا لسبب آخر (ابوت 1:12-13). فإن حمل إلينا درسُ التوراة المحن (كما حصل لهلال)، فالجزاء السماوي يكون مُناسبًا للمجهود الذي قمنا به (ابوت 5 :22). التعلّم والتعلّم وحده ينقّي طبع التلميذ وشخصيتّه الدينيّة. ويعطيه مخافة الله ويرفعه إلى مستوى حسيديم. إلى مستوى الاتقياء الحقيقيّين (أبوت 2 :5)
أما اسلوب هلال في التعليم، فهو بحسب سقراط وأرسطو. وهكذا تأثّر بالهلينيّة. سؤال وجواب. عرض بشكل لغز يحرّك ردّة الفعل ويشحذ عقل التلميذ. فعلى المعلّم أن يكون صبورًا، والتعليم العمليّ يستند إلى الشكل الشخصيّ. ومفهوم "خدمة التلميذ" (ش م ش) صار جزءاً من التربية الرابينيّة. أما مضمون التعليم فالتوراة بوجهيها الخطي والشفهي (هذه أصلها من سيناء كما قال هلال، شبت 31أ). تألّفت التوراة الشفهيّة من تقاليد تعود إلى سيناء. كان هلال تقيًا في حياته، سموحًا في تعليمه. جاء مهتدٍ جديد يطلب أن يتعلّم التوراة كلها وهو واقف على رجل واحدة. غضب عليه شماي وطرده. أما هلال فقال له : "ما تبغضه لا تفعله للآخرين. هذه هي الشريعة كلها. وما تبقّى شروح لهذا المبدأ. والآن، فاذهب وتعلّم" (شبت 31أ). اعتبر هلال هذه القاعدة الذهبيّة أفضل مقدمّة للعالم اليهوديّ، وجوهر تعليمه. كان تلاميذه ثمانين كما يقول التقليد. وثلاثون منهم كانوا جديرين بأن ينالوا الروح القدس. أصغرهم كان "ربان يوحنان بن زكاي" (سوكوت 28أ). حين مات هلال ابن 120 سنة كما يقول سفري تث 357:7، بكاه الناس من أجل تواضعه وتقواه. وقد لعب دوراً هامًا وحاسمًا في العالم اليهوديّ. وقواعده التفسيريّة انتشرت، فأحدثت ثورة في تقليد اليهود. فالطريقة التي بها يشدِّد على أولويّة السلوك الشخصيّ الموافق للاخلاق، وتسامحه وروحه الانسانيّة، كل هذا أثرَّ تأثيرًا عميقًا في العالم اليهوديّ، كما في العالم المسيحيّ على مدى جيل أو جيلين بعده.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|