العشر نسختان للوصايا العشر : الدكالوغ أو الكلمات العشر. نجده في شكلين مختلفين بعض الاختلاف. في تث 5:5-21 وخر 20 :2-17. أمّا عبارة "الكلمات العشر" فنقرأها في تث 10:4. إنّ نصّ تث ونصّ خر لا يبدوان في بنية دكالوغ، في سلسلة من عشر وصايا. نستطيع أن نكتشف في كلّ منهما ثلاث مجموعات رئيسيّة : تحريم عبادة آلهة أخرى والسجود للأصنام. فرض شريعة السبت. سلسلة ممنوعات قصيرة تعني احترام القريب. ونجد بين هذه المجموعات فريضتين يرافقهما تفسير قصير. وكل هذا ينفتح في إعلان احتفاليّ : "أنا هو يهوه إلهك الذي أخرجك من مصر، أرض العبوديّة".
يبدو هذا النصّ بشكل عهد نجد فيه العناصر التالية : إعلان الهويّة (من هو الربّ). عودة إلى التاريخ (ماذا عمل الله من أجل شعبه). فرائض، مواعيد، مجازاة (لكي تطول أيامك. لا يترك يهوه عملاً بدون عقاب). وتختلف النسختان بشكل رئيسيّ في التعبير عن فريضة السبت. الباعث على هذه الممارسة في خر 20 هو الاقتداء بالخالق الذي استراح. أما تث 5 فيجعل من هذه الفريضة تذكّرًا أسبوعيًّا لتحرير الشعب، ويستخلص النتائج في المجال الاجتماعيّ. في ذلك اليوم يحرَّر العبيد من العمل. ويتميّز تث في الوصيّة الأخيرة في أنه يفصل أمرين في الوصيّة الأخيرة : اشتهاء المرأة والرغبة في البيت. أما في خر 20:17، فالمرأة هي عنصر من العناصر التي تؤلّف "بيت" الرجل. هذا التمييز الذي أدخله تث، جعل بعض الاختلاف في ترقيم الوصايا. إذا تبعنا تث وفصلنا الشهوة عن الرغبة، يجب أن نجمع في وصيّة واحدة تحريم عبادة آلهة أخرى وتحريم السجود للأصنام ليكون لنا عشر وصايا. عندئذٍ يصبح السبت الوصيّة الثالثة. هذا هو الترقيم الذي أخذت به الكنيسة اللاتينيّة في خطّ اكلمنضوس الاسكندرانيّ وأوغسطينس. وإذا تبعنا خر، نجد في تحريم العبادة للآلهة والسجود للأصنام وصيّتين، وتصبح الشهوة والرغبة وصيّة واحدة. عندئذٍ يصبح السبت الوصيّة الرابعة. هذا هو ترقيم التلمود والكنيسة اليونانيّة.
2) تكوين الوصايا. من خلال هذين التدوينين المتقنين، نجد شكلاً أوّلانيًّا كان يجعل الوصايا العشر في خطّ يكاد يكون متوازيًا. وما يدفعنا إلى هذا القول هو وجود سلسلات أخرى من الوصايا في خر، لا، تث، تجعل في خط واحد عشر وصايا أو اثنتي عشرة وصيّة. ونقدر أن نفترض شكلاً أولانيًّا يبدو كما يلي : لا يكن لك إله سواي. لا تصنع لك تماثيل. لا تتلفّظ باسمي باطلاً. لا تعمل عملاً يوم السبت. لا تشتم أباك ولا أمّك (أو : أكرم). لا تقتل. لا تزن. لا تسرق (أو : لا تخطف إنسانًا فتبيعه). لا تشهد على قريبك شهادة زور. لا تشتهِ بيت قريبك. ونستعين بنصوص بيبليّة أخرى أو شرق أوسطيّة قديمة، فنحدّد النقاط. في الوصيّة الأولى، قد نكون أمام صور تمثّل يهوه أو عرشه. يوسِّع تث 4:9-24 هذه الوصيّة، في هذا المعنى. ولكن بما أنّ التدوين الأخير يضمّ الوصيّتين الأوليين، فهذا يعني أنّ الوصيّة الثانية لا تعني سوى صور الآلهة الغريبة (يضمّ تث 4 الوصيتين الاثنتين). في الوصيّة الثالثة، قد تعني "باطلاً" حيلاً أو أمورًا سحريّة نُدخل فيها اسم يهوه (وُجدت نصوص من هذا النوع في مصر)، ولا تكتفي بأقوال جاهلة. في الوصيّة الثامنة، ظنّ بعضهم أننا أمام خطف الأشخاص لكي نستعبدهم (خر 21:16؛ تث 24:7)، لا أمام سرقة أشياء (وهذا أمر تحدّثت عنه الوصيّة العاشرة).
3) نصوص موازية. قُدّم الدكالوغ على أنّه كلام الله الذي أُعلن بدون وسيط (خر 20 :1ي؛ تث 5:22-27). ومع ذلك، فهو ليس بغريب عن التعليم الخلقيّ لدى شعوب غير شعب إسرائيل. نجد هذه المتطلّبات في "كتاب الموتى" المصري، في لويحات "شورفو" البابلونيّة، أو في مختلف كتابات حكميّة في بلاد الرافدين وفي مصر. وحتى العبادة الحصريّة ليهوه، وشريعة السبت، تجدان ما يقابلهما من قريب أو بعيد. هذا التلاقي مع نصوص أخرى، يبرّر اعتبار الدكالوغ (في العالم اليهوديّ كما في العالم المسيحيّ) كنصّ يؤسّس كلّ تعليم خلقيّ. فالعهد الجديد يورده أكثر من مرّة : مت 19:18؛ مر 10:19؛ لو 18 :20؛ رو 13 :9. إنّ التعبير عن هذه الوصايا قد يصل بنا إلى بعض التعاميم، وإن لم نجد أساسًا لتكييف بعض النصوص على الزمن الحاضر.
4) وظيفة الوصايا. وتساءل الشرّاح : ما فائدة الدكالوغ، في شكله الأولاني، في إسرائيل القديم؟ إن تقديم تث 5:2-3 يجعلنا نظنّ أننا أمام وثيقة عهد سيناء. ولكن ما نعرفه من نمطيّة هذه النصوص، يجعلنا ننتظر نصًّا أطول، نصًّا يتضمّن أيضًا عددًا من المباركات ومن اللعنات. لهذا، يبدو من الطبيعيّ أن نرى في الوصايا موجز فقاهة يقدَّم للشعب فيحفظه بسهولة. هذا ما نجده في التعليم المسيحيّ الذي أعاد كتابة هذه الوصايا. إنّ التدوين المتقن في خر 20 وتث 5 يرتبط بالكتاب الذي وُضع فيه كلّ من هذين النصين. ففي تث 5، الدكالوغ هو عنصر من الكرازة يدعو إلى التوبة. وهو أيضًا مرجع تتوسّع فيه هذه الكرازة. كلّ هذا يفترض زمنًا سحيقًا للدكالوغ الأولاني. ولكن البراهين التي جعلته أقدم من موسى، لا تجد لها أساسًا متينًا. أمّا التدوين الاشتراعيّ فينتمي إلى الحقبة الثانية من تدوين تث، أي في نهاية القرن 7، حيث شدّد المشترع بشكل خاصّ على شريعة السبت. أمّا التوسّعات المشتركة بين خر وتث، فهي تعود إلى حقبة بدأت تقدّم تعبيرًا عن لاهوت العهد. هذه الحقبة هي على ما يبدو القرن التاسع ق.م.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|