إن عبارة يوم الرب (يوم يهوه) ترد مرارًا في التوراة. واذ يسمّى مرارًا "ذاك اليوم"، فهو يدلّ على أنّ العبارة تمثّل مدلولاً محدّدًا جدًا (اش 2:11؛ عا 8:9؛ مت 7:22؛ لو 10 :12؛ 2تس 1:10؛ 2تم 1:12؛ 4 :8). ويسمّى أيضًا "اليوم" (حز 7:7-8؛ ملا 3 :19؛ 1كور 3 :13؛ أف 5 :4؛ عب 10:25؛ 2بط 1:19). وحسب النصّ الماسوري، "اليوم" في مرا 1:21 (جلبت النهار الذي اعلنت) هو يوم دمار أورشليم. غير أن السياق يفرض تصحيحًا : جلب اليوم، أي يوم الرب. أما حز 34:12 فسمّى كارثة 587 : يوم غمامة وظلمة. وهكذا صُوّر يوم الرب تصويرًا مميّزًا نجده أيضًا في يوء 2 :2؛ صف 1 :15.
1) في العهد القديم. ونبدأ بالمضمون. يدل عا 5:8-10 على أن يوم الرب في القرن الثامن، عنى بالنسبة إلى الشعب، يوم بركة وخير (أو سعادة)، يومَ نور، يومًا فيه يظهر يهوه كالرب، أي كالاله المخلّص. وفي عو 15 يوم يهوه هو يوم انتقام ضدّ أدوم. وفي يوء 4 :9-14؛ زك 12:1-2، هو يوم انتقام من جميع الشعوب المجاورة التي رفعت يدها على أورشليم. فالشعب ظنّ، وهو المختار أختيارًا ثبّته العهد، أنه يستطيع أن يستند دائمًا إلى تدخّل الرب. فنهض عاموس ضدّ هذه الفكرة : إن الاختيار لا يكفل بلا قيد ولا شرط المناعة والبقاء في الحياة. إنه يفترض ممارسة الوصايا، المرتبطة بقطع العهد. فإن كان الشعب لا يفي بالتزاماته، يصبح اختيار الله له سبب هلاكه (3 :12).
في هذه الظروف رأى النبي الذي تيقّن في العمق بالطابع المقدّس للنظام الاخلاقيّ، أن يوم الرب لا يمكن أن يكون يوم خلاص، بل يوم دينونة وعقاب وحسب (2 :13-16؛ 5 :18-20؛ 8 :9-10). هذا لا يعني أن عاموس حرم العبارة من معناها كـ "يوم الرب" كما كان في الأصل. وكذلك رأى أش في 2 :6-22، في يوم الرب، دينونة تفني كل تكبّر بشريّ يترفّع على الله. ففي نظره، لا سبب لوجود يوم الرب سوى إبراز تسامي الله. وقال صف 1 :7، 14 عن ذاك اليوم إنه يوم غضب. وهو لا يعفو عن عبّاد الاوثان. وتمثّل حز 7:27 يوم الرب بهذا الشكل عينه. وكذا نقول عن يوئيل الذي رأى في اجتياح الجراد بشكل كارثة، علامة عن الدمار الذي يحصل في يوم الرب (1 :15؛ 2 :2-11). فتجاه دينونته التي تحمل العدم، لا نفلت إلا بالتوبة والاهتداء (2 :12-17). وفي ف 2 بدا يوم الربّ كيوم قتال ليهوه : فهو يأتي على رأس جيش عديد (آ2، 5، 11؛ رج عد 10:36 ولقب صباؤوت، رب الجنود) لا يُقاوم. ينطلق الرب من السحاب الداكن (آ2) وسط البروق والرعود (آ3-11) ويُرعد على أعدائه. ثم على شعبه الخاص (آ2).
في الأصل كان يوم الرب يوم خلاص. ولكن بتأثير كرازة الانبياء صار ملتبسًا : هو يوم عقاب من أجل الأشرار وخلاص للابرار. ويشدّد يوئيل على هاتين الوجهتين : من جهة، يضرب بالرعب لا يهوذا وحسب (3 :4-5)، بل بشكل خاص سائر الشعوب الذين هم أعداؤه (4 :12-15، 19-20). ومن جهة ثانية، وللسبب عينه، حمل يوم الرب الخلاص أولاً إلى صهيون (3 :5؛ 4 :16-21) وإلى جميع الذين يدعون باسم الربّ (3 :5). إن يوء 4 :18 يربط بيوم الربّ موضوع الفردوس : فنهاية الأزمنة تعيدنا إلى البدايات. إذن، ليوم الرب طابع اسكاتولوجيّ واضح، بمعنى أنه يدشّن حقبة الخلاص الأخيرة (4 :20). ونجد في زك 14 الطابع نفسه ليوم الربّ : ستُسلب أورشليم، غير أن يهوه يأتي ويخلّص البقيّة، كما قاتل في الماضي في يوم القتال (آ3-4). والذين ظلّوا أحياء من الشعب يعودون إلى الرب (آ6، 8). وهنا أيضًا نجد موضوع الفردوس (آ6-8) وطابعه الاسكاتولوجيّ (آ7)
في ملا 3 :2-5، 19-21، يوم الرب هو يوم تنقية وتطهير أخلاقيّ للفاترين، الذين سينقّون كالفضّة والذهب (آ2-3). وتشفيهم شمس البرّ. وهو أيضًا يوم حُكْم على الخاطئين الذين يحترقون كالقش (آ19) أو تدوسهم أرجل الأبرار (آ21). إذن، نستطيع القول إن يوم الربّ يعبّر عن إيمان بتدخّل قدير من قبل الله على الأرض، وهو تدخّل نقّاه الأنبياء من أصوله السحرية والظفريّة وشدّدوا على طابعه القانونيّ والأخلاقي. إن دور يوم الرب هو أن يعبّر اسرائيلَ والأمم في نار الدينونة. وستكون المحنة الأخيرة التي منها يخرج فقط الناجون بنعمة الله. وهؤلاء الناجون يتماهون تارة مع اسرائيل، أو مع نخبة اسرائيل، وطورًا مع الأبرار من جميع الأمم.
أين نجد أصول يوم الرب؟ هناك من قال إن حزقيال كان أول كاتب اسكاتولوجيّ في التوراة. لا شيء يسند هذا القول، لأن الاسكاتولوجيا تعود إلى ما قبل حزقيال. وتوسّع آخرون في فكرة تقول إن الاسكاتولوجيا قد وُلدت من إسقاط سطرة الخلق على المستقبل. اذن، لا يكون يوم الرب سوى تدخّل الله الخالق، المتجدّد والنهائيّ، ساعة تهدّد عودةُ الخواء بأن تفني الكون. فمع أن كتابات الانبياء مثّلت سمات ميتولوجية، فإن الانتظار الاسكاتولوجيّ ينتمي بشكل خاص إلى اسرائيل ويجد أصوله في هذا الشعب. وبحث كاتبٌ آخر عن أصل يوم الرب في عيد التتويج المفترض. فبالقياس مع عيد رأس السنة البابليّ، الذي يحتفل بانتصار مردوك على الخواء، وتتويجه كملك الكون، عاش اسرائيل في دراما عباديّة، وفي بداية كل سنة، عملَ الله الذي يخلّص شعبه ويدمّر أعداءه. وهكذا يصبح الله ملك السماء والأرض. ولكن تنامى الوعي بأن هذا العيد السنويّ، عيد التتويج، لا يحقّق إقامة الله الكاملة في أرضه، فُولدت فكرة تجعل من هذا العيد نتيجة تدخّل خاص ونهائيّ من الرب، فتتحدّث عن يوم الربّ. وبما أن عيد التتويج هذا لم يدخل إلاّ في زمن المنفى، مع أن عا 5:18-20 يتحدث عن يوم الرب الاسكاتولوجيّ، فهذا يعني أننا لا نستطيع ان نسند هذه الفرضيّة.
وكانت فكرة مماثلة تربط يوم الرب بالاحتفال السنويّ بعيد السنة الجديدة. غير أن هذا الاحتفال لا يُعتبر إحياء عباديًا لواقع من الماضي، أي الحرب الميتولوجيّة بين النور والظلمة في بداية الكون، بل التكملة النهائيّة والمنتظرة لصراع البدايات. إن الاستعمال الخاص للفظة "يوم" في معنى "يوم القتال، يوم حاسم" (رج إش 9:2؛ هو 2 :2؛ عو 12؛ زك 14 :3) (وهذا ما نجده في العربيّة أيضًا) وصورة يهوه المقاتل وهي صورة تنتمي إلى حقبة سبقت إقامة العشائر العبريّة في فلسطين (رج (خر 15:3-8؛ خر 17:16؛ عد 10:35؛ مز 24:8)، يدلاّن على أن انتظار يوم الرب يرتبط بأصول اليهويّة التي أعادت بطريقتها تفسير ميتولوجيا الخواء والكون. وفي الوقت عينه، شهدت النصوص موضوع الفردوس في صورة فلسطين كما وعد بها الرب. فمثّلت أرضًا تدرُّ لبنا وعسلاً (خر 3:8، 17؛ 13 :5). تلك كانت الطريقة التي بها تصوّر العبرانيون الأولون تدخّل إلههم الذي يجعل منهم شعبًا عظيمًا وسعيدًا.
2) ان العهد الجديد قد استعاد فكرة يوم الرب من العهد القديم، من السبعينية (أع 2 :20 يو 3 :4؛ 1كو(ر 1:8؛ ر 5:5؛ 2كور 1 :14؛ 1 تس 5:2؛ 2تس 2:2؛ 2بط 3:10). كما أخذ ما يساويها : "يوم الله " (2بط 3:12؛ رؤ 16:14). وتحدّث يهو 6 عن "اليوم العظيم" (رج (رؤ 6:17؛ رؤ 16:14؛ يوء 2 :11؛ 3 :4). ويوم الرب في 2بط 3 هو كله في خطّ العهد القديم : هو يوم دينونة وإفناء للمنافقين (آ7) حين تحترق بالنار السماء والأرض (رج 1كور 3 :13) فيحلّ محلّها عالم جديد حيث يقيم البرّ (آ10-13، احتراق شامل). في الواقع، ماهى الكاتب هذا اليوم مع مجيء (باروسيا) المسيح (آ4). والتماهي واضح بشكل خاص في 1 تس 5:2؛ 2تس 2:2. ونحن نجد وصفًا لهذه الحالة في 1تس 4:13-17؛ رج 1تس 2:1، 8. إذن "الرب" في هذه العبارة هو المسيح. وهذا ما يؤكّده 2كور 1 :4 (يوم ربنا يسوع المسيح؛ رج 1كور 5 :5)؛ فل 1 :6، 10؛ 2 :16. ومع أن رؤ 16:14 يتحدّث عن "يوم الله العظيم"، فإن 19 :19 يدلّ على أننا هنا أيضًا أمام المسيح الذي هو قائد القتال الاسكاتولوجيّ. ينتج عن ذلك أن الرؤيا الازائيّة (مت 24-25؛ مر 13؛ لو 21:5-36) التي تجد ذروتها في ظهور المسيح (ابيفانيا)، هي نفسها يوم الربّ (رج مت 24:36؛ مر 13:32؛ لو 21 :34 : "ذلك اليوم).
وحسب لو 17 :22، 24، 27، 30، بيّن يسوع نفسه العلاقة بين يوم الرب ويوم المسيح (رج أيضًا يو 8 :56). فعبارة "أيام ابن الانسان" تسير في الخطّ عينه. وقد تجنّب الانجيليّون أنفسهم أن يسمّوا يسوع ابن الانسان (ق يو 7 :39؛ 12 :19 مع يو 12 :23؛ 13 : 31). فيوم الرب في شكله المتبدّل (كرستوفانيا أو ظهور المسيح، اشتعال الكون، حرب جليانيّة كونيّة) في العهد الجديد، هو يوم فيه يتدخّل المسيح بقوّة ليدمّر الخطأة والشرّ (1كور 5 :5؛ 2تس 2:8؛ 2بط 3:7؛ رؤ 16:14)، لينقّي الفائزين، ويمجّد الذين كانوا أمناء له (2مل 2 :16؛ 1تس 4:16-17).
متى يحلّ يوم الرب؟ في يوء 3-4 وفي زك 14، حيث يدشّن يوم الرب تدبيرًا جديدًا، تنتمي العبارة بلا شكّ إلى الاسكاتولوجيا. ونقول الشيء عينه عن 1تس 4؛ 2تس 2 (قيامة الموتى)؛ 2بط 3 (نهاية العالم). إن إش 13:6؛ يوء 1 :15؛ 2 :1؛ 4 :14؛ عو 15؛ صف 1 :7، 14؛ ملا 3 :1-2، يعلنون يوم الربّ على أنه قريب. وفي زمن العهد الجديد، اعتبر المؤمنون أيضًا ان يوم الربّ قريب، أن المسيح سيعود عاجلاً. في 2تس 2:2، يحذّر الرسول المؤمنين من أنتظار قصير النفس. أما 2بط 3:3-4 فتتحدّث عن الناس الذين ما عادوا يعتقدون بيوم الرب لأن مجيئه تأخّر.
وهناك نصوص مثل (مت 10:23؛ مت 16:28؛ 22 :34، 44 تتحدّث عن تحقيق سريع لاعلان يوم الرب. وهذا الطابع الاسكاتولوجيّ (في النهاية) والآتي معًا ليوم الرب، يدلّ على أنه يجب أن لا نتصوّره بشكل يوم في روزنامة، يوم يحتلّ مكانًا محدّدًا في الكرونولوجيا، في تسلسل الزمن. يجب أن نفكّر بيوم نهائي لا بيوم أخير، بيوم حاسم لا بيوم النهاية. هو اليوم اليوم. وهو عن طريق المفارقة يدلّ على نهاية الأيام. قد نفكّر في سبت لا بداية له ولا نهاية (تك 2 :4) بالنسبة إلى أيام الأسبوع. نحن هنا في الواقع أمام سلوك الله الذي يسمو على التاريخ. ويتميّز هذا السلوك في أنه عمل يقود العالم إلى نهايته وكماله. وما يبدو بشكل يوم، لا يملأ المساحة بين غروب شمس وغروب آخر، بل بحسب 2بط 3:8، يكون عمل آلاف السنين. في هذا المعنى قد يدلّ مت 27:52 (رج دا 12 :2) الذي بجعل يوم الرب الاسكاتولوجي يتميز بقيامة الموتى، على أن هذا اليوم قد بدأ مع قيامة يسوع ( مت 27:53؛ يو 5 :25-28؛ 1كور 15 :20). وتحدّث بطرس في الخطّ عينه عن أحداث العنصرة (أع 2:16-21). لهذا سبق العهد القديم فتكلّم عن يوم الربّ، لأن عمل الخلاص الالهي كان قد بدأ في ذلك الوقت. فاستطاع ملا 2 :17؛ 3 :4 أن يجيب أولئك الذين هزئوا من يوم الرب (كان اللامؤمنون ينتظرونه بشكل حدث عجيب تراه العيون البشريّة) الذي لم يأت بعد. قال : إن مرسل الله آت، هو في الطريق، وبعده يأتي الله ليكمّل الدينونة المطهّرة.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|