أوّلاً : الرسالة الأولى. لا نجد في التقليد المسيحي أي اعتراض على قانونية 1 يو. لا نعرف اسم كاتبها، ولكنها قريبة من الإنجيل الرابع بحيث يقول معظم النقاد إن كاتب الانجيل الرابع هو كاتبها. إنه يتكلّم كشاهد عيان (1 :1-3؛ 4 :14). ثم إن 1يو هي أقدم تفسير لإنجيل يوحنا وكان باستطاعتها أن تكون خاتمته. فالإنجيل الرابع هو تأمّل في الوحي الذي حمله يسوع، وفي عمل الخلاص الذي أتمّه. أما 1يو فتهتمّ خاصة بوضع المؤمن الحالي ومتطلّبات إيمانه. إن كان الله كشف عن ذاته كنور (1 :5) ومحبة (4 :8، 16) في شخص يسوع، فعلى المؤمنين أن يُظهروا أمانتهم ومحبتهم الأخوية (يو 13-17). ويدور فكر يوحنا دومًا حول هذين القطبين، بحيث يبدو من الصعب أن نقدم تصميمًا لهذه الرسالة. بما أن الثبات في الايمان وفي الممارسة المسيحية أمر مهدَّد دومًا، تشدد 1يو على نتائج الايمان في حياة المسيحي. من أجل هذا، استنتج معظم الشراح أن 1يو كتاب يهاجم الهرطقات المولودة حديثًا. ولكن حين يحاولون أن يحدِّدوا طبيعة هذه الهرطقات، تصبح معطيات 1يو غير كافية. فكّروا بكارنتيس والظاهرية والغنوصية الاولى التي حذّر بولس منها قرّاءه في رسائل الاسر. ولكن قراءة ممعنة في 1يو تكفي لكي تدلّ على أن هذا الكتيّب هو ردة فعل ضد كل أشكال اللامبالاة الدينيّة. فالمسحاء الدجّالون (انتيكرست) (2 :18، 22؛ 4 :3؛ 2يو 7) ليسوا هراطقة ينكرون نقطة معيّنة من التعليم المسيحي (مثلاً : التجسد، 4 :2؛ 2يو 7)، أو يرفضون الفداء باسم الغنوصية، او يعلنون الاباحية واللامبالاة الأخلاقية. إنهم أناس لا يقبلون بالوحي المسيحي في مجمله، ولا يأخذونه على محمل الجد. وما نلاحظ هو أن 1يو تشدّد على نقاط خاصة ومتنوّعة في المسيحية. لهذا نحن نبحث في هذا الكتيّب عن ردة فعل ضد ميل محدَّد لم يستطع الشرّاح أن يسمّوه إلاّ الغنوصية في مهدها. ولا نستطيع أن ننجذب ببعض تعابير 1يو بحيث نحسب فكرة التجسد أول نقطة مهمة في الرسالة. فموت المسيح الفدائي ليس أقل أهمية في نظر الكاتب. بحثوا عن مراجع وزيادات في 1يو. ولكن وحدتها ظاهرة كما يقول معظم الشرّاح. اما الفن الادبي : فالاراء متباينة. ليست 1يو رسالة موجّهة إلى جماعة محدّدة (قال أوغسطينس إلى الفراتيين ولكن هذا القول خاطئ)، وليست رسالة دوّارة تتوجّه إلى مختلف جماعات آسية الصغرى، ولا كتيّبا يرافق الانجيل الرابع (قد يكون نُشر بعد موت صاحبه)، ولا عرضا تحريضياً واخلاقياً (رج رسالة يعقوب)، بل شهادة ايمان موجّهة إلى مؤمنين هم جزء لا يتجزّأ من جماعة الكاتب، والى مسيحيي العالم كله ليفهموا جدية دعوتهم المسيحية. 1يو كتيّب موجه إلى مسيحيين خرجوا من المسيحية ولم يعودوا مسيحيين لسبب أو لآخر (انزلاق نحو الوثنية، مبالاة بسبب التيار المادي...). وهناك جدال : متى كتبت الرسالة؟ في زمن قريب من زمن الانجيل. ويبدو أنها دوّنت في أفسس.
ثانيًا : الرسالتان الثانية والثالثة. إن 2يو و3يو هما رسالتان بالمعنى الحقيقي للكلمة : كلمة صغيرة، فن رسائلي، يوجههما شخص يسمّى الشيخ (وهو لقب يوحنا الرسول في التقليد المسيحي، ولكن هناك كتّابا في القرن 3 او 4 مثل اوسابيوس وايرونيموس يقولون إنه لقب شخص آخر). يذهب تفكيرنا حالا إلى الشيخ الذي يتحدّث عنه بابياس. ولكننا نترك للنقد الداخلي أن يقرر. الرسالتان هما عمل كاتب واحد (ق 2يو 12 مع 3يو 13). 2يو هي قريبة بشكلها ومضمونها من 1يو (ق 2يو 7 مع 1يو 4 :1؛ 3يو مع يو 19 :35). وإن صاحب الرسالتين يتكّلم بسلطان، وفي كلمته اللهجةُ الحاسمة التي نجدها في يو و1يو. يُجمع مجمل الشرّاح على القول بالطابع اليوحناوي للرسالتين وإن لم يقولوا إن الرسول يوحنا كتبهما. ولكن بسبب صحة نسبة يو و1يو إلى يوحنا، نستطيع أن ننسب بطريقة معقولة 2يو و3يو إلى الرسول يوحنا. ولكن بما أن صحة النسبة ارتبطت بالقانونية، فحين شكّت بعض الجماعة بنسبة 2يو و3يو إلى يوحنا الرسول شكّت بقانونيتها، لكن الشكّ زال اليوم. تتوجّه 2يو إلى السيدة المختارة أي إلى جماعات خاصة في آسية الصغرى. إنها تتضمن تحريضا على المحبة الاخوية (آ4-6) والثبات في الايمان، وتحذيرًا من المضللين (آ7-11). وتتوجه 3يو إلى رجل يثق به الكاتب، إلى غايوس الذي يهنّئه لحسن ضيافته للوعّاظ المتنقّلين، ويحضّه على الثبات في معارضته لديوتريفس رئيس الجماعة المسيحية المحلية. هناك من يقول إن 3يو هي أقدم رسائل الرسول يوحنا، ولكن براهينهم غير كافية.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|