تعطى هذه العبارة لأخبار مولد يسوع وصباه في مت ولو، أو في بعض الأناجيل المنحولة التي تتوسّع في ما تقوله الأناجيل القانونيّة.
1) الفن الأدبيّ. عرف هذا الفنّ الأدبيّ (حول أخبار الطفولة) في العهد القديم. رج خبر * إسحق (تك 18؛ 21 : 1-7)، وخبر * شمشون (قض 13)، وخبر * صموئيل (1صم 1-3). وقد تابع العالم اليهوديّ تفكيراً روحيًّا في المدارش التي كان موضوعها الوجوه الكبيرة في أرض اسرائيل. وقد توخّت أن تبيّن أنّ حياة هؤلاء الأشخاص ورسالتهم تجد جذورها في البداية. مثلا، مدراش * موسى الصغير الذي استلهمه الإنجيل الأول.
2) خبر متّى. هو يتضمّن ثلاث مجموعات ذات فنون أدبيّة مختلفة. (1) * سلسلة نسب المسيح تتوخّى ذكر أسلاف يسوع حتى داود، بل ابراهيم (1 :1-17). * بشارة تشدّد على مهمّة * يوسف الإيجابيّة كالأب المربي ليسوع : وجب عليه أن يُدخل الولدَ في سلالة * داود (1 :18-25). خبر مؤوِّن (مدراش إخباي) ركّز على زيارة الملوك المجوس لهيرودس، ونتائجه بالنسبة إلى الطفل الذي هو ضحيّة الحسد (2 :1-23). هذا الخبر الملتصق بالأخبار المدراشية و * الترجوم، يستعيد موضوع معارضة فرعون لموسى الشاب (خر 1-2). وتتبعه ثلاث حواش قصيرة تشير إلى هرب العائلة المقدّسة إلى مصر (2 :13-15)، إلى مقتل الأطفال (2 :16-18)، إلى الإقامة في الناصرة (2 :19-23).
كلّ من الأحداث الخمسة التي تكوّن المجموعتين الأخيرتين تتوزّعه عبارة التتمّة (ليتمّ) التي تورد كلمة نبويّة تعلن من هو يسوع بألقاب تدلّ على رسالته : هو * عمانوئيل (1 :23إش 7 :14؛ ويعود في مت 28 :20). هو الرئيس الراعي (2 :6مي 5 :12صم 5 :2؛ رج مت 9:36؛ 14 :15-21). هو * ابن الله (2 :15هو 11 :1؛ رج (مت 3:17؛ مت 16:16؛ 17 :5؛ 27 :54). هو اسرائيل التامّ (2 :18إر 31 :15؛ رج (مت 5:17؛ مت 6:8؛ 10 :21-22؛ 21 :39). هو الناصريّ (2 :23إش 11 :1؛ رج 21:11؛ 26 :71).
إنّ المنهج المدراشي في مت 1-2 يكشف عن الفقاهة في بداية الكنيسة : فيسوع الطفل الذي لا يستطيع بعد أن يعبّر عن نفسه، قد دلّ عليه * الأنبياء على أنّه * المسيح المتألّم والقائم من الموت، الذي يُتمّ مهمّة موسى الذي هدِّد منذ ولادته فخلَّصه الله لكي يجمع شعباً بعطيّة * الشريعة. ويوسف الأب الذي تبنّى يسوع، يذكّرنا بابن يعقوب، * يوسف (تك 37-50) الذي اختاره الله ليحمي شعبه، وليعدّ له تحريرًا بواسطة موسى، ساعة يظهر عداء فرعون (خر 1:8).
3) خبر لوقا. إنّ وظيفة خبر لوقا تشبه وظيفة خبر متّى : فهو قد توخّى أن يبيّن أن رسالة يسوع ومصيره يجدان تسبيقًا لهما منذ دخوله في العالم : هو ابن الله الحقّ، الذي تجسّد فتضامن مع البشريّة التي يخلّصها. استفاد الإنجيليّ من أسلوب السبعينيّة، فبيّن التجذّر البيبليّ للوحي الذي يشهد له. وقدّم موازاة بين يوحنا المعمدان "نبيّ العليّ" (1 :76؛ رج 1:17) الذي فيه تتركّز نبوءة اسرائيل، وبين "ابن الله العليّ" (1 :32) الذي تجسّد في مريم. فبعد * البشارة الأولى إلى زكريا (1 :5-25) والبشارة الثانية إلى مريم (1 :26-38)، وبعد زيارة إليصابات لمريم أو لقاء الأُمّين مع * نشيد التعظيم الذي أطلقته مريم (1 :39-56)، روى لوقا ولادتين : ولادة يوحنا التي رافقها * نشيد الإطلاق : * تطلق الآن عبدك بسلام (1 :57-79) مع الحاشية التي تتكرّر حول النموّ (1 :80). وولادة يسوع الذي حيّاه نشيد الملائكة : * المجد لله في العلى (2 :1-21) مع الحاشية التي تتحدّث عن التذكّر والتأمّل (2 :19). إنّ زيارة الجيران و * الختان يدلاّن في كلّ مرّة على دخول الحدث في تاريخ اسرائيل والعالم. ويُضاف إلى هذا خبرٌ عن تقدمة يسوع إلى الهيكل (2 :22-40)، ووجوده وسط العلماء وهو ابن اثني عشر عامًا (2 :41-52) مع الحاشية التي تتحدّث عن التذكّر والتأمّل (2 :51). هذان الحدثان اللذان تتوزّعهما حاشية النموّ (2 :40، 52) التي تتكرّر، يصوّران مسبقًا الطريقة التي بها يصير يسوع "نور الأمم ومجد اسرائيل" (2 :32) : إنّ * سمعان الشيخ أعلن موت يسوع وقيامته، مع آلام أمّه. وعلّم يسوعُ أمَّه التي وجدته في الهيكل، معنى خروجه إلى أورشليم : "أن يكون لدى أبيه" (2 :49). هي الكلمة الأولى التي تلفّظ بها يسوع في لو، وهي تتجاوب مع الكلمة الأخيرة : "يا أبي، في يديك استودع روحي" (23 :46). يلاحظ لو تتمّة النبوءات مستعملاً الفنّ المدائحي : أربعة أناشيد تستقبل يسوع الآتي. وكتب الإنجيليّ بشكل نمطيّ فبيّن أنّ يسوع يحقّق أنماط (أو صور) العهد القديم : زكريا، الكاهن الأعظم سمعان (سي 50) ودانيال (دا 8-9). يوحنا المعمدان، شمشون (قض 13 :14، 25) وإيليا (1مل 17 :1؛ ملا 3 :1، 24). وتحيلنا إليصابات إلى سارة (تك 18 :11، 14). وتذكّرنا مريم بحنة أم صموئيل (1صم 3:19)، وبابنة صهيون (صف 3 :14؛ زك 2 :10؛ 9 :9). ويشير يسوع إلى ابراهيم (تك 12 :3؛ 22 :16-18) واسحق (تك 18 :14) وموسى (خر 2:10) وجدعون (قض 6 :12-14) وصموئيل (1صم 2:1-10) وداود (1صم 16:1-13؛ 2صم 7:14) ونسله (إش 7:14).
4) المراجع. لا نستطيع اليوم أن نوضح المراجع التي استقى منها مت ولو. فعند مت، تناوبُ أحلام يوسف وتدخّلات هيرودس، جعل الشرّاح يستنتجون أننا أمام تقليدين دمجهما المدوّن الأخير. ولكننا لا نستطيع أن نقدّم البرهان على ذلك على مستوى المراجع المكتوبة. أما كلام لو فواضح : يربط تقاليد حول يوحنا مع تقاليد حول يسوع، ليعطي النبيّ اليهوديّ مكانته الحقة، ويبرز رسالة ابن الله في الكون. ودلّ لوقا وهو المؤرّخ المؤمن (لو 1 :1-4) على عمل روح القائم من الموت في كنيسة عصره. لا شكّ بأنّه قام بالاستقصاءات في أورشليم، وربّما مع النسوة اللواتي تبعن يسوع. فهو يحدّد موقع الأحداث التي يوردها في إطار كرونولوجيّ دقيق.
أمّا تقاليد المدارش لدى الرابينيّين، ونمطيّة الاستعارة لدى الكتّاب اليهود، ومواضيع الولادات العجائبيّة (في البتوليّة) كما في العالم اليهوديّ والهلينيّ، فكل هذا يبقى من العناصر الهامّة التي أثّرت على تدوين هذين الإنجيلين. وقد استقت الأناجيل المنحولة (ولاسيّمَا انجيل يعقوب) من هذه العناصر وتوسّعت فيها.
5) القيمة التاريخيّة. في الماضي لم تطرح مسألة القيمة التاريخيّة لإنجيل الطفولة، أقلّه بالنسبة إلى لوقا بسبب شهرته كمؤرّخ. كان النقّاد يكتفون بمناقشة مسألة إحصاء كيرينيوس، ونجم المجوس، ومقتل أطفال بيت لحم. أمّا اليوم، فأخذوا يستبعدون التنسيق بين الخبرين. فالنقد النصوصيّ ومعرفة أساليب التأليف في العالم اليهوديّ، فرضت على الباحثين توضيح فكرتهم حول التاريخ. لهذا، تركوا نقيضين. الأول يعتبر الجماعة المسيحيّة وكأنّها خلقت تصوّراتها، فيقوم بنزع السطر من الأخبار. عند ذاك ندمّر التجذّر الملموس لهذه الأخبار. الثاني يمارس التدقيق التاريخيّ فيبرهن أنّ كل تفصيل في النصّ هو حقيقيّ، أو هو يبحث عن دقّة الوقائع فيفصلها عن تفسيرها اللاحق.
بعد هذا، يُفرض علينا تحليلٌ مثلّث للنصوص. (1) هي تدلّ على عقليّة ومرمى فقاهي. وهذا ما يجعلنا أمام شهادة تاريخيّة لفهم الكنيسة ليسوع في إطار التاريخ. (2) نستعيد تاريخ التدوين، والتقليد الذي حمل هذه الأخبار حسب صور التعبير لدى الجماعة التي حملت هذا التعليم. (3) إنّ شهادة هذه الأخبار تحيلنا إلى التاريخ والأحداث التي تؤسّس التقليد : هي عناصر ذات واقع تاريخيّ ولكننا لا نستطيع أن نتحقّق من كل تفاصيلها. هي تفسّر الفكر اللاهوتيّ والمواضيع التي بها عبّر هذا الفكر عن نفسه. فالتشابهات بين مت وبين لو تحيلنا إلى النقاط الأساسيّة : سلالة يسوع الداوديّة. زواج مريم ويوسف. الحبل البتوليّ بيسوع. الناصرة كموضع الحياة الخفيّة ليسوع.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|