نلاحظ من جهة أنّ الأنبياء يعارضون شعائر العبادة في شعب إسرائيل، والأسباب هي : نقص في استعداد المؤمنين : يعصون الله ثمّ يقرّبون له ذبائحهم (عا 3:13-14)؛ وأسبقيّة الوصايا الأخلاقيّة على وصايا العبادة : أزيلوا شرّ أعمالكم عندما تأتون إليّ (إش 1:16-17)؛ وفساد الممارسات التقويّة العائد إلى فساد المكان الذي تقام فيه : معابد الشمال الوثنيّة مرتبطة بسلطة الملك (عا 3:14)، وهي أماكن ذبائح ممقوتة (إش 1:11-15)، وموضع شرك (إر 7:16-20)، ومحل سكر وعربدة (مي 2 :11).
فلقد تشوّه الإيمان بيهوه، وأخذت ممارساتُ بني إسرائيل الكثيرَ عن ممارسات الكنعانيّين (إش 1:29). ولنا في ذلك مثل المشارف وهي المعابد القائمة على رؤوس المرتفعات : كانت في البداية معبدًا شرعيًّا، ثمّ صارت موضع التباس وشك، وأخيرًا ألغيت ولم يبقَ منها إلاّ هيكل أورشليم كمكان وحيد تقدَّم فيه الذبائح.
لا شكّ في أنّ فكرة المعابد جاءت إلى شعب إسرائيل العائش في البداوة من فينيقية وسورية. ولا ننسَ أنّ الفينيقيّين هم الذين بنوا هيكل أورشليم وصنعوا جميع آنيته (1مل 5 :22؛ 7 :45). كما بنوا مدينة السامرة بما فيها من هياكل وقصور (1مل 16 :24 ي). وهذا ما يجعلنا نفهم لماذا لم يتحمّس النبيّ ناتان (2صم 7:1-5) لفكرة داود أن يبني هيكلاً للربّ. فهذا أمر غريب عن التقليد اليهويّ (عا 5:25)، والبناء الفخم لا يتّفق وتمجيد الله (إش 66:1)، ويجعل شعائر الدين تحلّ محلّ العلاقة المباشرة بالربّ (إر 31:33-34).
ولكنّنا نلاحظ من جهة أخرى أنّ الأنبياء يولون العبادة اهتمامهم. وإن انتقدوها فهم إنّما ينتقدون لا جوهرها بل طريقة ممارستها. على هذا نقول إنّ الهيكل هو المكان الذي اختاره الأنبياء ليعلنوا فيه كلام الله (إش 6 :1 ي)، ولا سيّمَا عندما مُنعوا من مخاطبة الناس في سواه من الأماكن العامّة (إر 7:1-6)؛ ونقول إنّ الأنبياء ردّدوا ما قالته تقاليد العبادة، كما نجدها في سفر المزامير، عن قداسة الله وسلطانه الشامل؛ ونقول إنّ الأنبياء تطلّعوا إلى العبادة الحقّة فدعوا الشعب إلى التماس الرب (عا 5:4-6) والتعرّف إليه (هو 4 :1-10)؛ ونقول أخيرًا إنّ الأنبياء اشتركوا في حفلات العبادة فجاءت بعض أقوالهم شرحًا لهذه الحفلات (حب 3 :1 ي؛ نا 1:2 ي). إنّ كل ما يريده الأنبياء هو أن لا تكون ممارسات العبادة عقيمة، بل أن تبدّل حياة الناس من حال إلى حال بحسب كلام الله، فتصبح كالينبوع الجاري من الهيكل (حز 47 :1 ي) الذي يشفي ويُحيي.
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|