نبي من تشبه في جلعاد. عُرف في التوراة أنه المدافع العنيد عن الديانة اليهوية في أيام الملك * أخاب (القسم الأوّل من القرن التاسع) وامرأته * ايزابل التي ساعدت عبادة بعل. لقد خلص الديانة اليهوية من الضياع في مملكة الشمال. وكان شعبيًا بحيث إنّ سيرة حياته اتخذت شكل رؤية مدهشة : دورة من الأخبار عن شخصه وعجائبه دخلت في كتاب الملوك (1مل 17 :1 19 :21؛ 21 :17-28؛ 2مل 1 :2-2 :12). وذكر العهد الجديد أربعا من عجائبه : الجفاف (1مل 17 :1؛ رج لو 4 :25؛ يع 5 :17، رؤ 11 :6)، مهمّته عند امرأة صرفة صيدا (1مل17 :9؛ رج لو 4 :25)، هرب ايليا (1مل 19 :1-18؛ رج رو 11 :2-5)، دينونة الله التي أخضع ايليا أعداءه لها (2مل 1 :10-12؛ رج لو 9 :54).
يذكر 2أخ 21:12-15 رسالة من ايليا وصلت الى الملك يوارم بعد موت النبي. لا نستطيع أن نُعيد بناء خبر نشاط ايليا الخيّر، لاسيّمَا وأن دورة أخبار اليشع تورد أحداثًا مشابهة. وبسبب صعوده السري (2مل 2 :11؛ سي 48 :9، 12) والتنبوء بمجيئه (ملا 3 :1،4 : الملاك أو الرسول هو ايليا : 3 :23-24)، تركت حياته ذكرا دائما في شعبه (سي 48:1-12). وانتظار ومجيء ايليا كما يشهد بذلك سي 48:10-12، كان متوقعًا لدى اليهود في زمن العهد الجديد (مت 16:14؛ 17 :10-13؛ 27 :47-49؛ لو 9 :8؛ 48 :10-12؛ يو 1:21-25). وقد رأوا فيه صورة مسيحانية مهمتها أن تتمّ عملَ عبد الربّ (رج إش 49:6 وسي 48 :10)، كسابق لله الآتي ليدين، أو كسابق للمسيح. بالنسبة الى مر 9:13 وز؛ مت 11:10، 14 وز؛ 17 :12؛ لو 7 :27؛ مر 1:2؛ لو 1 :16-17، إن نبوءة ملا تمّت في شخص يوحنا المعمدان. في مر 9:34 (تث 17:3، لو 9 :30)، ايليا هو مع موسى الشاهد لتجلي يسوع.
والعالم اليهودي قد توسّع في أخبار عجائب ايليا وناقش أصله وصعوده واعتبره انه كان بلا خطيئة. حُسِب من الملائكة واعتُبر كمساعد للمؤمن في الشدّة (مت 27:47، 49؛ مر 15:35-36 حين صرخ يسوع "إيلي" اعتبره الحاضرون أنه يدعو إيليا) ورئيس الكهنة في نهاية الأزمنة. وهكذا نفهم أن يحتفظ التقليد بثلاث رؤى منسوبة الى ايليا : رؤيا سابقة لبولس الرسول. استقى منها بولس كلمته الواردة في 1كور 2 :9. رؤيا تعود الى القرن الثالث ب.م. رؤيا من أصل يهودي أعادت كتاباتها يدٌ مسيحية في القرن الرابع، وحُفظت لنا في اللغة القبطية.
نودّ هنا أن نسوق ملاحظتين. الأولى تتعلّق بلفظة "ع ر ب ي م" في 1مل 17 :6. قد تعني العرب في صيغة الجمع، كما تعني الغربان (جمع غراب). في اليونانيّة نقرأ "كوراكس"، التي تدلّ على الغراب. ولكن لا ننسَ البحث عن المدهش في الترجمة اليونانيّة السبعينيّة. أما نحن فاقترحنا أن يكون العرب هم الذين يقدّمون الطعام لإيليا عند نهر كريت. هم الذين اعتادوا أن يأكلوا الألبان والأجبان، ذبحوا لإيليا ليكرموه كما يكرَّم الضيوف الكبار. وهكذا سوف تكرّمه أيضًا أرملة صرفة صيدا على فقرها، فتحرم نفسها وابنها من بعض طحين تبقّى لهما، وتخبزه. فإيليا الذي رفضه قومه قد استقبله أحسن استقبال الوثنيّون في الشرق والغرب. وهذا هو المعنى الذي يشدّد عليه يسوع حين يذكر إيليا وأليشع في مجمع الناصرة : أوصلا بركة الله إلى الوثنيّين لأنّ اليهود لم يستحقّوها (لو 4 :24-27). وهذا ما سوف يفعله يسوع.
والملاحظة الثانية تتعلّق "بصعود" إيليا إلى السماء. حين نقرأ النصّ العبري في 2مل 2 :11 يبدو المعنى واضحًا : "وفيما كان إيليا وأليشع سائرين، وهما يتحادثان، إذا مركبة ناريّة وخيل ناريّة قد فصلت بينهما" (2مل 2 :11). فالنار تدلّ على حضور الله. وهو الذي جاء وأخذ إيليا، بمعنى أنه "جعله يموت". فالنصّ العبريّ الأصليّ لا يقول إنّ إيليا صعد في المركبة الناريّة، في مركبة النار الخاصة بالله الذي هو نار لا تُدنى منه. بل هو دخل في العاصفة. هنا نجد معنيين لفعل "ي ع ل" العبري. فقد يعني "صعد". ولكن إن عدنا إلى اللغات السامية مثل السريانيّة نعرف أن "ع ل، ن ع و ل" يعني دخل وفي العربيّة نجد "غلّ" أي دخل في العمق. أما ارتفع فيقابل "ع ل ا" في السريانيّة وعلا في العربيّة. وهكذا نقول إن عاصفة رمليّة أخذت إيليا ودفنته في الصحراء، فمات كما يموت جميع الناس. ولكن للعاصفة معنًى دينيًّا. هي تدلّ على عمل الله. إذن، مات إيليا لمّا دخل في العاصفة، كما يموت جميع الناس، ولكن الله أخذه إليه كما أخذ جميع الأبرار منذ نوح وابراهيم، بل هابيل وشيت وأنوش واخنوخ…
ولكن، من أين جاء الصعود في المركبة كما نراه في الايقونوغرافيا؟ فالنصّ اليونانيّ يتبع العبري "عاصفة السماء"، ولكنّه يجعل الفعل في صيغة المجهول ليدلّ على أنّ الله رفعه. ويوضح : "رُفع إيليا في العاصفة كما إلى السماء". يبقى أن الصعود في المركبة لا يفسّره إلاّ التقليد اليهوديّ الذي نجد أثره في سي 48 :9 : "أُخذ في عاصفة من نار وفي مركبة خيل ناريّة". إذا كان جميع البشر ماتوا، إذا كان يسوع نفسه قد مات، فإيليا مات هو أيضاً. ولكن قد يكون حدث له ما حدث لموسى : دُفن في البرية لئلاّ يعرف أحد أين دفن، فيصبح مدفنه موضع إكرام. وهذا ما يتنافى مع وصيّة الله الأساسيّة. راجع ما قيل عن موسى في تث 34:5 : دُفن في الوادي، في أرض موآب. فلا تبحثوا عنه. ولكن جاء من قال : الرب دفنه. ومهما يكن من أمر، فلا يتعلّق المؤمن بموسى ولا بإيليّا بل بالرب الإله.`
الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية
|