مكتبة الأخوة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
اَلأَصْحَاحُ التَّاسِعُ عَشَرَ
جئنا الآن، إلى هذا الفصل التاريخي، الذي يتقدم بنا إلى قدمي الصليب وأن فصلاً كهذا، ينبغي أن ندرسه ونحن على ركبنا جاثين خاشعين. "هو أعلى من السموات فماذا عساك أن تفعل. أعمق من الهاوية فماذا تدري. أول من الأرض طوله، وأعرض من البحر." – هذا هو الصليب بل هذا هو المسيح المرفوع على الصليب. إننا واقفون الآن على أرض مقدسة، فيها أنوار، وفيها ظلال. وعلى قدر ما يكون النور ساطعاً، يكون ظلال الأشباح الساقط عليها هذا النور قاتماً. اعتاد المصورون قديماً، أن يرسموا وجه المسيح الطهور، وحوله هالة من النور. وسواء أكان هذا النور منظوراً للعيان أم غير منظور، فهو نور فاحص انعكس على قلوب كثيرة فكشف خباياها وخفاياها. فكل شخص اشترك في الحكم على المسيح وصلبه، قد حكم على نفسه، وصلب نفسه، وهو لا يدري. وفي مقدمة هؤلاء: بيلاطس الذي سمح بصلب المسيح، حرصاً منه على مركزه السياسي. ولفرط خيبته، خسر هذا المركز الذي قدم المسيح ثمناً للحرص عليه. وما أغلى هذا الثمن ! فقد حكم عليه الإمبراطور الروماني بالطرد من كرسي الولاية. ولشدة يأسه مضى وانتحر. لعند الآن إلى درس تتمة محاكمة المسيح السياسية: 1فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. 2وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوانٍ المرحلة الرابعة في المحاكمة السياسية – داخل دار الولاية – الجلد والسخرية (19: 1 – 3). لما فشلت الوسيلة الثانية، التي تذرع بها بيلاطس للخروج من المأزق الحرج الذي أوجده فيه وقوف المسيح أمامه، التجأ إلى وسيلة ثالثة. فاقترح على اليهود، أن يجلد المسيح ويطلقه: "ها لاشيء يستحق الموت صنع منه. فأنا أودبه وأطلقه" (لو 23: 16). إن قول بيلاطس هذا، بمثابة القول عن الشيء الواحد: إنه أبيض وأسود في آن واحد. لأن الجلد يفترض ثبوت الجريمة. وهو أول جرع في كأس الصليب. ولكن قولا كهذا خليق بأمثال بيلاطس الجبان والمتغطرس في آن واحد. وفعلاً نفذ قوله هذا. "فأخذ يسوع وجلده" – على الطريقة الرومانية التي هي أقسى بكثير من الطريقة اليهودية (يو 19: 1). لأن العدد الجلدات عند اليهود كان محدوداً – فلا يزيد عن الأربعين. وأما الرومان، فكانوا يجلدون مجرميهم جلدات بلا عدد، وبكل عنف، حتى أن كثيرين كانوا يموتون تحت الجلد. ثم أسلم بيلاطس يسوع على العسكر "فضفر هؤلاء إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه. وألبسوه ثوب ارجوان" –على مثال الثوب الذي كان يلبسه رؤساء الجيش. وقد البسوا يسوع إياه، تحقيراً منهم له، لأنه قال عن نفسه: "إنه ملك ". وهكذا تضحك الأقدار من الناس ، فإن هؤلاء الجنود العميان، كانوا أحكم من أنفسهم. فما صنعوه بالمسيح تحقيراً وازدراء، أمرت به العناية تعظيماً وإكباراً. فقد ألبس الثوب الأرجواني – باعتبار كونه غالباً. 3وَكَانُوا يَقُولُونَ: «ﭐلسّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ». وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ. 4فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضاً خَارِجاً وَقَالَ لَهُمْ وكلل بالشوك – على اعتبار أنه ملك العالم. بل ملك آلام العالم وآماله. ويقول متى البشير "أنهم وضعوا قصبة في يمينه" (متى 27: 29) – لأنه في الواقع قابض على صولجان الملك، فهو"ملك الملوك ورب الأرباب". ولكي يكملوا معيار آثامهم، كانوا يقولون "السلام يا ملك اليهود. وكانوا يلطمونه" . هل كان الجنود الرومان، بقولهم هذا، يسخرون من الشعب اليهودي، أم كانوا يسخرون من أنفسهم، أم كانت العناية هازئة باليهود و الرومان معاً ؟ . المرحلة الخامسة في المحاكمة السياسية: خارج دار الولاية : بيلاطس يعترف ببراءة المسيح، للمرتين الثانية والثالثة: "هوذا الإنسان" ! (19: 4-7) . تمنى بيلاطس أن يتأثر اليهود من رؤيتهم المسيح المتألم، فيظهروا عطفهم عليه، ويسمحوا باطلاقه. لكن تمنيه قد خاب. ويظهر أن الشعب اليهودي، كان يرى في كل اقتراح جديد يقدمه بيلاطس، انهزاماً جديداً منه أمامهم، فاستسلموا للعناد، كحيوان جموح استهوته الرياح. لكن بيلاطس لم ييأس من التوسل إليهم – كدت أقول التسول منهم – أن يسمحوا بإطلاق سراح المسيح. لذلك شرع يناشدهم ببراءة المسيح، وبرارته، وضعفه الإنساني عله يحول حقدهم عليه إلى حنو، وقسوتهم إلى عطف. عدد 4. (4) بيلاطس يجاهد ببراءة المسيح للمرة الثانية: "فخرج بيلاطس أيضاً خارجاً وقال لهم ها أنا أخرجه إليكم لتعلموا إني لست أجد فيه هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً». 5فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ». 6فَلَمَّا رَآهُ علة واحدة" . بهذه الكلمات الأخيرة، ناشدهم بيلاطس الإنسانية والعدالة. ولكن لا حياة لمن تنادي. عدد 5 . (2) . المسيح خارج حاملاً إكليله: "فخرج يسوع خارجاً" – وراء بيلاطس – ولا بس – "ثوب الإرجوان" . إرجع في تفسير هذا العدد إلى ما اسلفناه في عدد 2. (3) بيلاطس يستدر عطف اليهود: "هوذا الإنسان" ! فاه بيلاطس بهاتين الكلمتين الأخيرتين، بغمة استعطاف واسترحام. وكأني به يقول لهم: "أعلى هذا لإنسان البائس المتألم تحقدون يا أيها اليهود. ؟ ومثله تحسدون ؟" هذه نغمة بيلاطس . أما العناية الإلهية نغمة، فقد سترت تحت بيلاطس، نغمة أخرى أثبت منها على ممر الأيام – هي نغمة الإعجاب بهذا الذي اجتمعت فيه كل كمالات البشرية، والتقت فيه كل آمال الناس في كل أدوار التاريخ، فهو منتهى آمال اليهود وهو "مشتهى الأمم". ولقد فات بيلاطس أن يعرف أنه بنطقه بهاتين الكلمتين، كان مقدماً أبلغ جواب على سؤاله الذي لفظه منذ مدة وجيزة: "ما هو الحق" (18: 38) ؟. عدد 6. (4) رؤساء الكهنة والخدام يطلبون صلب المسيح. حالما رأى رؤساء الكهنة والخدام، دماء المسيح التي أسالتها الجلدات من جسمه رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا: «ﭐصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ الطهور، وأراقها إكليل الشوك على جبينه الوضاء، استساغوا واستعذبوا طعمها ، فطلبوا منها المزيد. وصمموا على أن يرووا غلهم منها حتى آخر قطرة، فصرخوا قائلين: "أصلبه أصلبه" – وفي الأصل "أصلب أصلب" ! هذه أول مرة عينوا فيها نوع الموت الذي سيذوقه المسيح – الصلب. هل كان بين هذا الشعب، بعض من أولئك الذين هتفوا للمسيح يوم دخوله أورشليم : "أوصنا .أوصنا" ؟ أم كان ذاك شعب الجليل، وهذا شعب أورشليم ؟ أو ليست كل الشعوب من طينة واحدة ؟ غير أن اللوم في هذا، لا يقع عليهم وحدهم، بل على بيلاطس أيضاً. لأنه هو الذي اقترح عليهم "الجلد" الذي هو مقدمة للصلب عادة. فهل يعابون هم، إذا اختاروا الخاتمة الملائمة لتلك المقدمة ؟ هذه هاوية سحيقة هوى إليها بيلاطس أمام الشعب اليهودي. بل هذا أحط درك هبط إليه اليهود، إذ طلبوا إلى الحاكم الروماني أن يصلب "ملكهم". لأن الرومان لم يصدروا مثل هذا الحكم إلا على عبيدهم وإمائهم. (5) . بيلاطس يجاهد ببراءة المسيح للمرة الثالثة. الآن أخذ الضجر من بيلاطس كل مأخذ، وكأنه عول على أن لا يكون فيما بعد لعبة في أيدي اليهود، لذلك أراد أن يلقي عليهم وحدهم كل التبعة في صلب المسيح: فقال لهم "خذوه أنتم واصلبوه لأني لست أجد فيه علة". هذه هي المرة الثالثة التي أقر فيها بيلاطس ببراءة المسيح، بل هذه هي اللطمة الثالثة التي لطمهم بها. لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً». 7أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَنَا نَامُوسٌ وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللَّهِ». 8فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هَذَا إن هذه الكلمات مفرغة في قالب تهكمي لاذع، لأن بيلاطس كان يعلم أنهم لا يستطيعون أن يصلبوا المسيح، بعد أن سلبت منهم القوة الرومانية هذا الحق. فكأنه في هذه الكلمة قد ذكرهم: بظلمهم – لأنهم طلبوا أن يصلبوا شخصاً بريئاً، وبعجزهم – لأن القوة السياسية شلت أيديهم. عدد 7. (6) اليهود يصارحون بيلاطس بتهمة المسيح المخبوءة في قلوبهم: أمام هذه اللطمة القوية، اهتزت قلوب اليهود وارتجفت، وأسقط في أيديهم، ولم يتمالكوا أنفسهم من أن يبوحوا لبيلاطس بالعلة الأساسية التي كانوا إلى الآن يضمرونها في أحشائهم، مخافة أن يسخر منهم بيلاطس . فأجابوه: "لنا ناموس. وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله". عدد 8. (7) التأثير الذي تركه تصريحهم هذا في نفس بيلاطس . عجيب إن اليهود يحتكمون في مسائلهم اللاهوتية إلى وال وثني. وكأنهم ظنوا أن إفضاءهم إليه بهذه العلة الدفينة، يحمله على صلب المسيح. ولكن خاب فألهم، وفشل انتظارهم، فإن هذا التصريح الأخير الذي أفضوا به إلى بيلاطس، قد أثر فيه تأثيراً على عكس ما كانوا ينتظرون. لأنه بعد أن سمع هذا القول "ازداد خوفاً". والسبب في ذلك، أن أفكاراً وخواطر كانت تجيش وقتئذ في نفس بيلاطس من جهة هذا الشخص "العجيب"، وأثر الرسالة التي بعثت الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفاً. 9فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟» بها زوجته إليه لم يبرح من باله بعد. فكان يقول في نفسه: "يا ترى من هو هذا الشخص العجيب الممتاز، الذي صمدت براءته أمام كل هجمات اليهود" ؟ فلما سمع منهم أن المسيح "جعل نفسه ابن الله" استرجع إلى ذاكرته بعض ما كان يطالعه من أساطير اليونان عن ظهور الآلهة في شكل بشر، فثارت في نفسه غريزة الاستقصاء والبحث، يحدوها شئ غير قليل من الوجل والتهيب والفزع من صوت الضمير المبكت. المرحلة السادسة في المحاكمة السياسية – داخل دار الولاية – المسيح الصامت – المسؤولية العظمى (19: 9 – 11). عدد 9. (1). بيلاطس يخلو إلى المسيح ويستجوبه عن مصدره. تأثر بيلاطس تأثراً عميقاً من علمه بأن المسيح يقول عن نفسه أنه ابن الله. فأدخل يسوع معه إلى دار الولاية، واستجوبه عن مصدره، بنغمة يمتزج فيها التهيب بحب الاستطلاع: "من أين أنت" ؟ ولعله قصد، أن يفوز من المسيح بجواب يروح به عن نفسه، في وسط هذه المسالك الخشنة، التي أدخل نفسه فيها باستضعافه أمام اليهود، وأن يتحرر من الارتباك، الذي أوقعته فيه رسالة زوجته. (2) الفادي الصامت: "أما يسوع فلم يعطه جواباً". إننا نلمح في سكوت مخلصنا، ذات الحكمة التي نراها في كلامه، فهو عظيم في صمته، عظيم أيضاً في كلامه. ذات الحكمة التي نراها في كلامه، فهو عظيم في صمته، عظيم أيضاً في كلامه. فلقد كان في صمته هذا ، مقدماً أبلغ جواب على سؤال بيلاطس ومعترفاً بالتهمة التي ألصقها به اليهود،بل مرحباً بها،فهو ؟» وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَاباً. 10فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ ابن الله بالحقيقة. ولكن أليس بغريب أن يصمت المسيح أمام بيلاطس، وهو عالم أن في امكانه أن يطلقه ؟ كلا . كنا نحسب صمته عجيباً، لو كنا نعلم أنه يريد أن يطلق سراحه لينجو من موت الصليب، أما وقد جاء ليصلب، فلا مفر من صمته حتى يتم القضاء المبرم. وهل كان بيلاطس في حاجة إلى مزيد من النور، ليتساعد به على إطلاق سراح المزيد ؟ كلا. لأنه لم يعمل بالنور الذي عنده، بعد أن أقر ثلاث مرات، أن المسيح بار . فزيادة النور في هذه الحال، تكون بمثابة وضع جمر نار على رأسه. ويقول بعض المفسرين: إن المسيح صمت أمام بيلاطس، لأنه لم يرد أن يفهمه أنه ابن الله بالمعنى الخرافي الناقص الذي كان يفهمه بيلاطس من أساطير اليونان. أو لم يصمت المسيح فداءً عنا، نحن المقضي علينا بأن تستد أفواهنا أمام دينونة الله العادلة ؟ (رو 3: 19). إذاً لقد صمت "الكلمة" المتجسد، لكي نتكلم نحن الخطاة. فجاء صمته هذا، متمماً لنبوة قديمة: "فلم يفتح فاه" (إش 53:11). ورد ذكر سكوت المسيح أربع مرات في قصة الآلام – مرة أمام قيافا (مت 26:23)، ومرتين أمام بيلاطس (مت 27: 21ويو 19: 9)، ومرة أمام هيرودس (لو 23: 9). عدد 10. (3). بيلاطس يدعي لنفسه سلطان لا يملكه: "فقال له بيلاطس أما تكلمني ؟ ألست تعلم أن لي سلطاناً أن أصلبك وسلطانا ًأن أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَاناً أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَاناً أَنْ أُطْلِقَكَ؟» 11أَجَابَ يَسُوعُ: « لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. أطلقك " ؟ مسكين بيلاطس ! لأته بمحاولته أن يدعي لنفسه سلطاناً مطلقاً، أوقع نفسه في مسؤولية عظمى وهو لا يدري ؟فإذا كان يملك سلطان إطلاق المسيح فماذا منعه من إطلاقه، بعد أن اعترف ثلاثاً بأنه برئ ؟ ولماذا إذاً غسل يديه على تلك الصورة التمثيلية الجوفاء إيهاماً للناس بأن لا يد له في صلبه ؟ وهكذا يحاول المرء أن يدعي لنفسه حقاً لا يملكه، فيخسر حقاً يملكه. عدد 11. (4). السلطان والمسؤولية: "أجاب يسوع....". في هذه المرة، تكلم يسوع بعد أن صمت في المرة الأولى (عدد 9). وفي كلامه استرد سلطانه الذاتي، واتخذ موقف قاضي القضاة، فحكم على بيلاطس وعلى السنهدريم، مقدماً في حكمه أربع حقائق رئيسية: كل حقيقة منها أساس لما قبلها، ونتيجة لما بعدها. الحقيقة الأولى: أن السلطان الذي يدعيه بيلاطس لنفسه على المسيح، ليس له، ولا هو منه، ولكنه معطى إياه من الله " لم يكن لك على بيلاطس البتة لو لم تكن قد أعطيت من فوق". الحقيقة الثانية: أن بيلاطس القاضي الزمني، ليس سوى أداة في يد القضاء الأزلي. الحقيقة الثالثة: أن مسؤولية بيلاطس محدودة في هذا الباب، باعتبار كونه وثنياً جاهلاً المقاصد الإلهية، وغافلاً عن حقيقة المسيح ومصدره (عدد 9). الحقيقة الرابعة: أن قيافا "رئيس الكهنة"، ورئيس السنهدريم، وممثل السلطة اليهودية، الذي أسلم المسيح إلى بيلاطس، عليه مسؤولية أعظم لِذَلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ». 12مِنْ هَذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ وَلَكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: «إِنْ باعتبار كونه "رئيس الكهنة في تلك السنة، الذي سبق فتنبأ" بالمقاصد الإلهية (يو11: 50 و51)، فكان متقلداً بنفسه سلطاناً خاصاً، وبه أسلم المسيح إلى بيلاطس . إن نصيب بيلاطس في صلب المسيح هو نصيب المستضعف. لكن نصيب قيافا "رئيس الكهنة"، هو نصيب المدبر المستبد. فإذا كنا نرى المسيح في كلامه هذا، ملتمساً بعض العذر لبيلاطس في جريمته، فما ذلك إلا من قبيل طلبه المغفرة لقاتليه: "يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 34). المرحلة السابعة والأخيرة في المحاكمة السياسية – خارج دار الولاية – في "البلاط" – رؤساء اليهود يتنازلون عن حقهم في الملك – الوالي المستضعف يستسلم لعنادهم (19: 12 – 16). عدد 12. (1) آخر سهم في كنانة اليهود: "من هذا الوقت كان "بيلاطس يطلب" – بكل وسيلة ممكنة – "أن يطلقه" – بعد أن سمع من فم المسيح تلك الكلمات الهادئة (عدد11)، التي زادت مخاوفه واضطرابه (عدد8). ولكن اليهود كانوا يصرخون قائلين: "إن أطلقت هذا فلست محباً لقيصر، كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر". هذا هو السهم الأخير الذي احتفظ به اليهود في كنانتهم، فلم يصوبوه إلى صدر بيلاطس، إلا بعد أن أعيتهم كل الحيل. وهنا في هذه المرة فقط صدق ظنهم في بيلاطس . لأن أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ». 13فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هَذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ وَجَلَسَ عَلَى هذا السهم الأخير أصاب من بيلاطس مقتلا. وهذا ما كان يخشاه على الدوام – أن يدس له اليهود عند رئيسه الإمبراطور طيباريوس قيصر، الذي كان بلاطه مرتعاً للدسائس، وكان هو لمزيد الأسف كثير الوساوس، يرحب بكل وشاية تصله عن أي واحد من مرؤوسيه. ولقد كان تهاون أحد مرؤوسيه في المحافظة على عرشه، كانت تكفي لأن تطوح بهذا المرؤوس، إلى مهاوي التهلكة، من غير تحقيق، وتقذف به إلى طبقة "المنبوذين". كما أن أقل إشارة كانت تتصل به عن حرص احد مرؤوسيه على تثبيت عرشه، كانت تكفي لرفع ذلك المرؤوس إلى أعلى مستوى، وتغدق له لقب: "محب قيصر". ويحدثنا فيلو المؤرخ: أن تهديداً من هذا النوع، كان قد وجه إلى بيلاطس في مناسبة سابقة. يضاف إلى هذا، إن حياة بيلاطس الشخصية كانت ملوثة. فهذا الوالي الذي سكن بيتاً من زجاج، كان يخشى رجم اليهود إياه بالأحجار. وهكذا يصيرنا الضمير جبناء. فلا شئ يشل يد الجبان عن عمل ما يراه خيراً، نظير فزعه من خطاياه السالفة. عدد 13. (2) بيلاطس يشعر بطعنتهم فيخرج ويجلس على كرسي الولاية: "فلما سمع بيلاطس هذا القول أخرج يسوع وجلس على كرسي الولاية في موضع يقال له البلاط، وبالعبرانية: جبانة". كانت طعنة نجلاء، تلك التي صوبها اليهود أخيراً إلى قلب بيلاطس . لأنه كان مستعداً أن كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ «ﭐلْبلاَطُ» وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا». 14وَكَانَ يضحي بكل شيء،وبكل شخص، إسترضاء لرئيسه طيباريوس. وها نحن نرى من الوالي المبتئس، الذي حاول منذ البداءة أن يترضى الشعب اليهودي باطلاقه المسيح، والكهنة والشيوخ بتأديب الفادي، ونفسه بانقاذه إياه من الموت، قد أدرك في النهاية، أنه لم يرض أحداً. لأنه جعل نصب عينيه إرضاء الناس لا إرضاء الله. فقد وقع لبيلاطس عند نهاية حياته ما كان يخشاه الآن. ويقول يوسيفوس المؤرخ اليهودي: إن وشاية قوية بلغت طيباريوس عنه، فعزله من الولاية في ذات السنة التي عزل فيها قيافا من الكهنوت، بعد موت مخلصنا بثلاث سنين. ومن فرط يأسه مضى وانتحر. لما سمع بيلاطس قول اليهود الأخير، بلغ الخوف منه شده، "فأخرج يسوع" إذ كان وقتئذ داخل دار الولاية . كانت الشريعة الرومانية تقضي على الحاكم بأن لا يحكم على المتهم، إلا وهو ماثل أمامه، لذلك "جلس بيلاطس على كرسي الولاية" – والظاهر أن هذا الكرسي كان كمنبر قليل الارتفاع. ومن المرجح أنه كان مصنوعاً من المرمر، ليكون لائقاً لجلوس الحاكم عليه أثناء المحاكمة. وكان موضعه في الباحة الفسيحة الواقعة قدام قدر الولاية "في موضع يقال له البلاط" - ولعله سمي كذلك، لأن أرضه كانت مرصوفة بالبلاط المرمر المعروف "بالموزايكو" – وبالعبرانية "جباثة" أي أكمة مرتفعة. عدد 14 . (3) آخر سهم في كنانة بيلاطس - بيلاطس يحاربهم بسلاح التهكم: "وكان استعداد الفصح" – أي اليوم الذي يهيئ فيه اليهود ما اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. يلزمهم للفصح، وعند غروب شمسه يأكلون الفصح . هذا يؤيد النظرة القائلة بأن المسيح فصحنا الجديد قد رفع على الصليب في الوقت الذي قدم فيه حمل الفصح على مذبح الهيكل (أنظر كو 5: 7) . "نحو الساعة السادسة" – أي في الصباح، لأن يوحنا جرى غالباً على التوقيت الروماني - الغربي[1] الذي كان سارياً في آسيا الصغرى، لدى أواخر القرن الأول للميلاد. وبه يحسب اليوم من نصف الليل إلى نصف الليل، بخلاف البشيرين الأولين، الذين حسبوا الساعات طبق الوقت اليهودي الشرقي، الذي به يبدأ اليوم ن الصباح إلى الصبح. وفي هذا تتفق رواية يوحنا ورواية مرقس فإن مرقس يقول: إن الصلب "بدئ به في الساعة الثالثة" (مر 5:25) – أي نحو الساعة السادسة صباحاً" – وهذا تم فبل الصلب بوقت ما. فقول يوحنا : "نحو الساعة السادسة" ، يفسح المجال للاعتقاد بأن هذه الخطوة الممهدة للصلب، حدثت بعد الساعة السادسة وقبل التاسعة، وربها حوالي 8 صباحاً. ويظن بعض المفسرين أن يوحنا استعمل التوقيت اليهودي الشرقي، كسائر البشريين. وعلى هذا الاعتبار، يوفق هؤلاء المفسرين بين رواية يوحنا ورواية البشيرين الأولين، بقولهم: لأولين، بقولهم: أولاً – إن يوحنا ميز بين وقت جلد بيلاطس ليسوع، ووقت صلبه، بأن ذكر كل حادث منهما :انه مستقل فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ». 15فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ عن الآخر أما متى ومرقس، فذكرا الحادثين كأنهما واحد. ولذلك حسبا وقت الجلد مع وقت الصلب. فإذا كان الجلد في الساعة الثالثة، كما قال مرقس، فمن المحتمل، أن يكون الصلب قد بقي إلى نحو الساعة التاسعة. ثانياً – أن يوحنا لم يعين وقت الصلب أنه كان الساعة السادسة، بل قال إنه "نحوها". ثالثاً – أن اليهود قسموا الوقت إلى هزع – كل هزيع ثلاث ساعات – ولم يذكروا سوى الساعة الثالثة، والسادسة، والتاسعة (متى 20: 3و5)، وضموا ما بين كل من تلك الساعات – إما إلى ما قبلها، وإما إلى ما بعدها. وأن الصلب حدث ما بين الساعة السادسة والتاسعة، فنسبه إلى ما بعدها. وأن الصلب حدث ما بين الساعة السادسة والتاسعة، فنسبه متى ومرقس إلى الوقت الأول منهما، ونسبه يوحنا إلى الوقت الثاني. عدد 15. (4) اليهود يحكمون على أنفسهم بالإعدام كأمة "فصرخوا خذه، خذه، أصلبه". إن اليهود بتسليمهم ملكهم الشرعي، "ومسيحهم المنتظر"، إلى يد الحاكم الوثني، بهذه النغمة الجافة المزرية، يعتبر بمثابة كتابتهم بأصابعهم، صك إعدامهم كأمة. إنهم بعملهم هذا، قد تركوا لأنفسهم، ولأولادهم، تركة مخضبة بدماء هذا البار – تركة ما أثقلها ! إن حمل الجبال أخف منها وأسهل. (5) بيلاطس يعيد الكرة ويناشدهم الوطنية: "قال لهم بيلاطس أأصلب ملككم ؟". قال بيلاطس هذه الكلمات، بنغمة تهكمية، تمازجها بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرُ». 16فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ مرارة لاذعة مما يدلنا على أن العقيدة التي سادت عليه، منذ بدء هذه المحاكمة (8: 33)، حتى ختامها (19: 15)، هي: ملك المسيح. (6) رؤساء الكهنة يتطوعون لأعناقهم، وأعناق أمتهم، بالنير الروماني "أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك إلا قيصر". يا للعار ! أهكذا تفعل الضغينة في القلوب، فتعمي بصائر هؤلاء القادة عن عهودهم، ومواعيدهم القديمة، حتى يحولوا وجوههم عن الرجاء المبارك، الذي كانوا ينتظرون به مسيحاً ملكاً يكسر نير الرومان ؟ ! هذا هو الانتحار الأدبي، والديني، والسياسي والأبدي. ومن دواعي نكد تلك الأمة اليهودية، أن رؤساء كهنتها الذين كان عليهم أن يقدموا الذبائح الدينية، فدية عن خطايا أمتهم، قدموا أمتهم ذبيحة على مذبح مآربهم الذاتية. عدد 16 (أ) – (7) انهزام بيلاطس أمامهم على طول الخط "فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب". هذه هي النقطة الفاصلة في تاريخ الأمة اليهودية، وفي تاريخ العالم أجمع. بل هذه جمرة نار محرقة، وقعت على بيلاطس وعلى رؤساء اليهود، وعلى رأس الأمة اليهودية. لكنها في الوقت نفسه، أضحت للمؤمنين من اليهود والأمم، منبت أنوار ساطعة ومطلع حكمة . ومن الملاحظ أن بيلاطس كان عادلا لدرجة أنه لم يصدر على المسيح حكماً إيجابياً، وفي الوقت نفسه كان جباناً لدرجة أنه لم يستطع إطلاق سراحه. فما أضعفه وما أقدره. ما أعدله وما أكفره. ولعله قصد أن يريح ضميره أمام جمهورهم، إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. وأمام نفسه، حين غسل يديه – وهيهات أن تبيض يداه. أنه لم يكن في عمله هذا إلا ممثلا هزلياً ومبكياً في آن واحد – وشر البلية ما يضحك. رابعاً: الصلب (19: 16 (ب) – 42). لقد أرغمنا بيلاطس على أن نطيل الوقوف بالمراحل السبع التي قطعتها محاكمة المسيح السياسية. وها نحن أولا، نتقدم سائرين وراء المسيح، في طريق الآلام، مخففين الوطء، لأن الطريق وعر، وحمل الصليب ثقيل. ولكن لنا العزاء، في أن المسيح يحمل الجانب الأثقل من هذا الصليب، بل يحمل الصليب كله، لا بل حمل الصليب وإيانا. بكلمات قليلة، سجل يوحنا البشير حادثة الصلب، لأن البشيرين الأولين سبقوه إلى الكتابة بإضافة في هذا الموضوع. وربما لم يرغب يوحنا الحبيب في إطالة الكلام عن وصف آلام المسيح الجسدية، لأن هذه مهمة شاقة على قلب الحبيب. مثله في هذا، مثل مصور مبدع، أراد أن يرسم صورة عزيز له وهو في غمرة الألم، فما كان منه إلا أن رسم وجه ذلك الحبيب، وغطاه بحجاب كثيف، تعبيراً عن "الآلام الغير المدركة" التي عجزت ريشته المبدعة عن تصويرها. ينقسم هذا الفصل إلى سبعة أقسام رئيسية: (1) الصلب (19: 16 ب – 18) (2) عنوان الصليب (19: 19 – 22). (3) أربعة رجال من صفوف المعادين للمسيح (19: 23 و24). (4) أربع نساء من فَأَخَذُوا يَسُوعَ صفوف الموالين للمسيح، ووصيته بأمه (19: 25 – 27) . (5) اثنتان من الكلمات التي فاه بها المسيح، وبعدها أسلم الروح (19: 28 – 30) . (6) المسيح فصحنا الأكمل (19: 31 – 37). (7) الدفن (19: 38 – 42). (1) الصلب (19: 16 ب – 18) : "فأخذوا يسوع ومضوا به !" – بهذه الكلمات، استهل يوحنا حادث الصلب الرهيب، فما كان أجزل سرورهم، حين ظفروا من بيلاطس بهذه "الهبة" المجانية، وما كان أكثر جهلهم إذ غفلوا عن قيمة هذه "العطية العظمى، التي لا يعبر عنها" (2 كو 9: 15). "فأخذوا يسوع" – وردت كلمة "أخذ" – في الأصل – ثلاث مرات في هذه البشارة. في المرة الأولى (1: 11)، نرى الابن الأزلي، مقدماً من الآب إلى خاصته، وأما خاصته فلم تقبله. وفي المرة الثانية (14: 3)، نعاين الابن الممجد، آتياً ثانية إلى شعبه ليأخذهم إلى نفسه. وفي المرة الثالثة (19: 16 ب) نشاهد الابن المتجسد، وقد أسلمه بيلاطس إلى خاصته فأخذته خاصته وقبلته – ولكن لتصلبه. "ومضوا به" – جاء في كتاب "المنشا" اليهودي – تعليقاً على ما ورد في اللاويين 24: 14، وعدد 15: 35 "إن الصلب ينبغي أن يتم خارج المدينة"، لذلك عمل اليهود بأحكام شريعتهم (1مل 21: 13 وأع 7: 58) "فمضوا بالمسيح" من أورشليم إلى مكان خارج عنها – وفي هذا يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "فإن الذبائح التي يدخل بدمها عن الخطية، إلى الأقداس، بيد رئيس الكهنة، وَمَضَوْا بِهِ. 17فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ «جُلْجُثَةُ» 18حَيْثُ صَلَبُوهُ تحرق أجسامها خارج المحلة، لذلك يسوع أيضاً لكي يقدس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب. فلنخرج إذاً إليه خارج المحلة حاملين عاره" (عب 13: 13 و14). يقول بلوطارخوس – حجة التاريخ الروماني القديم: "كانت قوانين الرومان تفرض على المحكوم عليه بالصلب، أن يحمل صليبه بنفسه، مسوقاً بأربعة حراس". وكذلك "خرج المسيح وهو حامل صليبه" بنفسه. غير أن الآلام النفسية والجسدية التي تكبدها منذ القبض عليه، حتى أدوار المحاكمة الدينية، ومراحل المحاكمة السياسية، قد أنهكت جسمه الرقيق، وأضعفته حتى رزح تحت الصليب. وكان من الضروري أن لا يسند لاهوته ناسوته في الآلام، لكي يتجرع غصص الصليب بكامل مرارتها, من غير تلطيف ولا تخفيف. ويقول لوقا البشير، أنهم "أمسكوا سمعان رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل، فوضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع" (لو 23: 26و 27). "ولما مضوا به إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة" – وهو تل مرتفع، مستدير الرأس، يرى من بعيد، كأنه جمجمة بشرية – "ويقال له بالعبرانية: جلجثة" – وهي من أصل آرامي "جلجلة"، ومعناها: "رأس ". ويعتقد بعض المحققين، أن هذا المكان هو الأكمة الصخرية الواقعة عند "باب دمشق"، على بعد نحو مائتي ياردة عن السور وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ. 19وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَاناً القديم المعروف ب"سور أغريباس". هناك "صلبوا المسيح، وصلبوا اثنين آخرين معهن من هنا ومن هناك، ويسوع في الوسط". "ويسوع في الوسط" – حتى في الآلام يسوع في الوسط ! فهل أعطى الرومان هذا المكان ليسوع، على سبيل الإكرام التهكمي – باعتبار كونه ملكاً – كما قضت العوائد القديمة بأن يكون الملك محاطاً دائماً بواحد عن يمينه وآخر عن يساره، وهو في الوسط ؟ أم هذا مكان وضعته فيه العناية، إتماماً لنبوة قديمة. وأحصى مع أثمة ؟" (إش 53:13) – هذا هو الرأي الأصح. (2) عنوان الصليب (19: 19 – 22). عدد 19. – أ – كلمات العنوان – قضت عادات الرومان، بأن يكتبوا عنواناً على الصليب الذي يحمله المحكوم عليه، إشهاراً للذنب الذي سيصلب من اجله، ثم يرفعون الصليب، ويحملون المجرم ويسمرونه عليه – وكانوا أحياناً يسمرون المحكوم عليه، والصليب ملقي على الأرض. غير أن الطريقة الأولى كانت أكثر شيوعاً. فكانوا أولاً يمدون يدي المذنب، ويسمرونهما على الخشبة الأفقية. وأما الجسم فيرتكز على خشبة ناتئة لئلا تتمزق الكفان من ثقل الجسم، فيقع المصلوب على الأرض. وكانوا يسمرون القدمين أيضاً كاليدين، كما فعلوا بمخلصنا (لو 24: 39). وكان المصلوب يوضع على كيفية، بحيث أن أدنى حركة تسبب له آلاماً مبرحة. لأن المسامير كانت وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوباً: «يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ». 20فَقَرَأَ هَذَا الْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيباً مِنَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوباً بِالْعِبْرَانِيَّةِ تسبب ألماً متزايداً في كل الجسم، وكذلك الدم الذي يتجمع في الرئتين ويضغط على القلب، كان يضيف عطشاً إلى تلك الآلام المبرحة. على أن جميع آلام الصليب الجسدية، لا تقاس بالنسبة إلى آلام المسيح النفسية، التي عاناها وهو معلق على الخشبة الملعونة – هذه هي الآلام الغير المعروفة. يقول يوحنا : إن "بيلاطس كتب عنواناً" – سواء بخط يده أو بأمر منه – "ووضعه على الصليب". فكانت هذه آخر طعنة منه في صميم الأمة اليهودية. وكان مكتوباً على ذلك العنوان: "يسوع الناصري ملك اليهود". وبما أن هذا العنوان قد كتب بثلاث لغات – "العبرانية، واليونانية، واللاتينية"، فمن المحتمل جداً أن متى أورد العنوان كما هو باللغة العبرانية، ويوحنا باليونانية، ومرقس باللاتينية. وغلى هذا يعزى ما يرى من فرق طفيف. عدد 20 – ب – شهادة لغات الأرض للصليب: "فقرأ هذا العنوان كثيرون من اليهود، لأن المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريباً من المدينة". إلى يوحنا وحده يعزى هذا التعيين الجغرافي لمكان الصليب، بالنسبة إلى أورشليم . "وكان مكتوباً بالعبرانية، واليونانية، واللاتينية" – هذه هي اللغات الثلاث الرئيسية في ذلك العصر. فالعبرانية لغة الدين، واللاتينية لغة السياسة، واليونانية لغة العلوم والآداب والفلسفة. فلغة الدين شهدتن من وَالْيُونَانِيَّةِ وَاللَّاتِينِيَّةِ. 21فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ الْيَهُودِ لِبِيلاَطُسَ: «لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ». 22أَجَابَ بِيلاَطُسُ: «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ». غير قصد منها، بأن يسوع المصلوب هو المسيح الموعود، ابن داود، وابن الله. ولغة السياسة شهدت بأن يسوع المصلوب، هو المسيح ملك اسرائيل، وملك المؤمنين، بل ملك الملوك (رؤ 19:12). ولغة العلوم والفلسفة والآداب، شهدت بأن يسوع المصلوب هو المسيح كنز الحكمة، ورب الحق (كو 2: 3). هذه نبوءة غير مقصودة من هذه اللغات، بأن الممالك الممثلة فيها، ستخر ساجدة عند قدمي المسيح على ممر الأجيال. عدد 21 . (ج) اعتراض اليهود على كلمات العنوان. "....رؤساء كهنة اليهود" – هذه هي المرة الوحيدة، التي وردت فيها هذه الثلاث الكلمات مرتبطة معاً في العهد الجديد. ولعلها ذكرت هنا مقابل العبارة: "يسوع الناصري ملك اليهود". أن بيلاطس، إذ كتب كلمة : "ملك اليهود" على الصليب، قصد أن يعرض باليهود ويسخر منهم كأمة، لذلك احتجوا لديه قائلين: "لا تكتب ملك اليهود. بل أن ذاك قال إنه ملك اليهود". عدد 22. (د) عناد بيلاطس : "أجاب بيلاطس " ما كتبت قد كتبت". هنا ظهرت شخصية بيلاطس، كما وصفها المؤرخ فيلو: "أن بيلاطس رجل صلب، لا تلين قناته". لكن عيبه أنه لان حين وجبت الشدة (19: 16) وتشدد حين كان يغني اللين. 23ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. 24فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لاَ نَشُقُّهُ بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ». لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: (3) أربعة رجال من صفوف المعادين للمسيح (19: 23 و 24) – بعد أن أتم الجنود الرومان عملهم الوحشي، انصرفوا إلى تقسيم "الغنيمة" التي ظفروا بها من هذا المصلوب: "فأخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام لكل عسكري قسماً، وأخذوا القميص أيضاً. وكان القميص بغير خياطة منسوجاً كله من فوق. فقال بعضهم لبعض: لا نشقه، بل نقترع عليه لمن يكون" – وهكذا عميت بصائر أولئك الجنود المساكين عن كنز الخلاص الثمين، المذخر في المسيح المصلوب، لأنهم لم ينظروا إلى المسيح ببصائرهم بل بأبصارهم، فغاب عنهم صوابهم، وقنعوا بثوبه الزائل عن ثوابه الأزلي، ورضوا بقميصه المادي عن رداء بره. أنهم عينة لكثيرين من المسيحيين بالاسم، الذين لا يصيبهم من المسيح وكنيسته إلا المظاهر الخارجية والأنصبة الذاهبة. أما قميص المسيح الذي "كان منسوجاً كله بغير خياطة"، فقد قر قرار الجنود على أن "يقترعوا عليه لمن يكون" – حسماً للنزاع، وهكذا بلغت بهم قسوة القلب، إلى هذا الحد الذي صارت تحلو لهم فيه المقامرة في ظل الصليب. هذا سهم آخر من الآلام النفسية، كان يخترق قلب المسيح على الصليب، وهو يعامل هذه المعاملة الصارمة من البشرية التي لأجلها وبسببها يتألم ! : «ﭐقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً». هَذَا فَعَلَهُ الْعَسْكَرُ. 25وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ أُمُّهُ وَأُخْتُ أُمِّهِ يقول يوسيفوس حجة التاريخ اليهودي: " إن القميص المنسوج كله بغير خياطة" لم يحل لبسه إلا لرؤساء الكهنة فقط، وبذا شهد هذا المؤرخ اليهودي، على غير قصد منه، لكهنوت المسيح المصلوب، مثلما شهد قبله بيلاطس الوثني، لملك المسيح (عدد 19) – والفضل ما شهدت به الأعداء. وكذلك شهد الجنود الرومان لصدق الكتاب، باقتراعهم على ثوب المسيح. لأنهم بعملهم هذا، تمموا تلك النبوة القديمة القائلة: "اقتسموا ثيابي بينهم. وعلى لباسي ألقوا قرعة" (مز 22:19). (4) أربع نساء مواليات للمسيح. ووصيته بأمه (19: 25 – 27) عدد 25. (أ) أربع نساء مواليات للمسيح. عودنا يوحنا فيما سلف من بشارته، أن يرسم صورتين متقابلتين – إحداهما: لأعداء المسيح، والثانية : للموالين له. ولقد مررنا بالصورة الأولى في العددين السابقين (عدد 33و 24) وها نحن الآن أمام الصورة الثانية، وفيها نرى أربع نساء من صفوف الموالين . أين أنت يا بطرس ؟ بل أين عهودك الجبارة، حتى تترك مكانك، عند صليب سيدك، لأربع نساء ضعيفات ؟ هذا دليل على أمانة المرأة، التي كانت آخر من ودع المسيح عند صليبه، وأول من رحب به بعد قيامته (20: 1) . فليس في الدنيا ما يوازي شجاعة المرأة، متى امتلأ قلبها الضعيف من العزيمة. أما النساء اللواتي وقفن عند صليب المسيح، فهن: (1) مريم أم مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. 26فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً قَالَ لِأُمِّهِ المسيح. (2) أخت أمه التي هي في الغالب سالومة – أم يعقوب ويوحنا إبني زبدى (متى 27: 56) ، وقد تحاشى يوحنا ابنها، ذكر اسمها، تواضعاً منه، مثلما تحاشى ذكر اسمه هو. (3)[2] مريم زوجة كلوبا – ويسمى أيضاً زوجها: "حلفا" (مت 10:3) . (4) مريم المجدلية – هذه أول من رحب بالمسيح المقام. عدد 26 . (ب) كلمة المسيح لأمه . فهمنا من العدد السابق، إن أم يعقوب ويوحنا، هي أخت أم المسيح. فمن هذا يتبين لنا، أن يوحنا كان مرتبط بيسوع بصلة قرابة جسدية، فهو أبن خالته حسب الجسد. وبما أن المسيح، قد جرد من كل شيء حتى ثيابه، ولم يبق له شيء مادي يتركه لأمه، كان من الطبيعي أن يستودع أمه ليوحنا ابن أختها. هذا هو " التلميذ الذي إن يسوع يحبه " (انظر المقدمة العامة في صدر هذا الكتاب) . كان فادينا وقتئذٍ مغموراً بلجة من الآلام ، لكنه نسي نفسه ليفكر في غيره، فأوصى لمعذبيه بالغفران، (لوقا 23: 34) وللص تائب بالفردوس «يَا امْرَأَةُ هُوَذَا ابْنُكِ». 27ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ. (لو 23: 42) ، ولأمه برعاية يوحنا، فألقى عليها من عرش صليبه نظرة كلها حنو، وقال لها، موجهاً نظرها إلى يوحنا : "يا امرأة هو ذا ابنك" . ليس في كلمة "يا امرأة" – كما وردت في الأصل – ما يفيد عدم الاحترام ، لأن معناها الحرفي: "يا سيدة " . (راجع تفسير 2: 4) . والظاهر أن المسيح لم يخاطبها بقوله: "يا أمي" لأنه أراد أن يوجه نظرها، إلى أن صلته بها كمخلص، أرفع من صلتها به كأم. وهي بسبب هاتين الصلتين، كانت تختبر قوة تلك الكلمات التي سبق فأنباها عنها سمعان الشيخ: "وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيف" (لو 2: 45) . عدد 27 . (ج) كلمة المسيح ليوحنا: "ثم قال للتلميذ" – الذي هو يوحنا الحبيب – كاتب هذه البشارة – "هو ذا أمك" . أكان المسيح بهذه الكلمة، موصياً أمه بيوحنا، ام كان موصياً يوحنا بأمه ؟ لأنه إذا كان يوحنا قدم فيما بعد، خدمة مادية لأم المسيح، فإن الخدمات الروحية التي قدمتها أم المسيح ليوحنا، أثمن وأوفر. لأن يوحنا مدين لها بشيء غير قليل من المعلومات التي أفضت بها إليه عن ابنها العجيب . "من تلك الساعة" – أي من ذلك الوقت إلى يوم وفاتها – "أخذها التلميذ إلى خاصته" – أي إلى بيته. ويظهر مما جاء في عدد 15، ومن مرقس 1: 20، أن أسباب المعيشة كانت متوفرة لدى يوحنا . بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ (4) اثنتان من كلمات المسيح على الصليب، وتسليمه الروح (19: 28 – 30) عدد 28. (أ) آلام الصليب الجسدية: "أنا عطشان"[3]. "بعد هذا " – أي بعد ثلاث ساعات الظلمة، وقد فرغ المسيح من اتمام وصيته بشأن أمه، رأى أنه أكمل كل ما كان عليه أن يعمل، فلم يبقى أمامه إلا أن يتجرع كأس الموت. وهنا تنسم نسيم الرضا نتيجة شعوره باتمام كل ما كان عليه أن يعمل. وفي هذه الأثناء، سمح لنفسه بأن ينتبه لحظة إلى آلامه الجسدية، التي كان قد أنساه إياها اهتمامه بغيره، فقال: "أنا عطشان" ؟ فجاء قوله هذا، موافقاً لما ورد عنه في الكتاب (مز 69:21). فهو لم يقل "أنا عطشان" بقصد أن يتم الكتاب، بل لأنه كان عطشاناً فعلاً. لأن آلام قَالَ: «أَنَا عَطْشَانُ». 29وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُوّاً خَلاًّ فَمَلَأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الْخَلِّ وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ. الصليب المحرقة، كانت على جسمه الرقيق أحر من الجمر، فيبست لسانه من فرط العطش، لأن أربع ساعات مضت مذ أن علقوه على الصليب. ويهمنا أن نذكر أنه بين السبع الكلمات، التي نطق بها المسيح على الصليب، لم يفه إلا بهذه الكلمة الواحدة عن آلامه الجسدية. هذا عطش فدائي اختبره المسيح، ليرفع به عن المؤمنين، ذلك العطش المحرق، الذي كان عليهم أن يختبروه في لهيب الجحيم الأبدي (لو 16: 24). قال المسيح المصلوب: "أنا عطشان" ليستطيع المسيح الحي أن يقول بحق: "إن عطش أحد فليقبل إلي ويشرب" (يو 7: 37). عدد 29 – (ب) الخل المقدم له على زوفا: "وكان إناء موضوعاً مملواً خلاً. فملأوا اسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا" – أي على ساق نبات من الزوفا، في شكل قصبة. من أجل ذلك سماها كل من متى ومرقس "قصبة" – "وقدموها إلى فمه". والأرجح أن ذلك الإناء، كان ملكاً للعسكر. في هذه المرة، لم يرفض المسيح أن يشرب من هذا الخل، مع أنه في آونة سابقة، رفض ذلك الخل الذي قدم إليه في بدء الصلب (متى 27: 34) لأن ذاك كان ممزوجاً بمرارة وكان يستعمل عادة كمخدر لتسكين الألم، لذلك رفض المسيح أن يشرب منه، لكي يكون على أشد ما يمكن من التنبه، فيتجرع كأس الألم حتى آخر قطرة. فهو عدو المخدرات حتى الممات. 30فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ الْخَلَّ قَالَ: «قَدْ أُكْمِلَ». وَنَكَّسَ رَأْسَهُ عدد 30 – (ج) الكلمة السادسة التي فاه بها المسيح على الصليب – "فلما أخذ يسوع الخل قال قد أكمل". كما أن عطش المسيح كان موجوداً قبل أن يعبر عنه، كذلك كان عمله قد أكمل". (عدد 28)، قبل أن يعبر عن اكتماله بهذا الكلام. فكل النبوات القديمة، الخاصة بالمسيا المنتظر، قد أكملت (أع 13:29). وكل الآلام التي كان على المسيح أن يتحملها نتيجة خطايا البشر، قد أكملت. وكل حرف في وصية الآب للمسيح، قد أكمل. وكل رمز في العهد القديم قد أكمل. وكل ما كلفته به محبته للبشر، قد أكمل. وكل انتظارات البشر فيه قد أكملت. وكل البرنامج الذي وضع أمامه قد أكمل. إن قول الفادي، بعد اتمام الفداء: "قد أكمل"، يذكرنا بما رآه الخالق، بعد اتمام الخلق: "إن كل ما عمله حسن جداً" (تك 1: 31). بين قول المسيح هنا "قد أكمل" وبين قول ملاك الرؤيا "قد تم" (رؤ 21:6)، تمتد أجيال طويلة. فعلى المؤمنين أن يملأوها بخدمات التضحية، وتضحيات الخدمة، "ليتم" اختبارياً، هذا البرنامج الذي "أكمله" المسيح على الصليب شرعاً وحقاً. (د) المسيح يسلم الروح: "ونكس رأسه وأسلم الروح" – هذه هي المرة الوحيدة التي نقرأ فيها أن المسيح نكس رأسه – ولكن أمام إرادته هو لا أمام الموت. فلم يكن في موته مجبراً، بل طائعاً مختاراً، لذلك "اسلم" روحه إلى الآب، كمن يسلم وديعة وعلى فمه ابتسامة الرضى. كان المسيح قبل أن وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. 31ثُمَّ إِذْ كَانَ اسْتِعْدَادٌ فَلِكَيْ لاَ تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ لأَنَّ يَوْمَ ذَلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيماً سَأَلَ الْيَهُودُ ينكس رأسه، وسط لج الموت واقفاً بثبات عجيب، فلما رأى أن كل شئ قد كمل، أحنى رأسه باختياره، وسمح لأمواج الموت أن تعج فوق رأسه – ولكن إلى حين. فقد مات البار وفي قلب موته وعد بقيامته، إذ ليس للموت سلطان عليه. هنا تمت كلمته الخالدة، التي فاه بها في مناسبة سابقة: "لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً. ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي" (10: 17 و18). (6) المسيح فصحنا الأكمل (19: 31 – 37) . نحن مدينون ليوحنا البشير بملاحظاته الدقيقة، التي أراق بها نوراً ساطعاً على حوادث الصلب، التي مر بها البشيرون الأولون مر الكرام، فأقام منها هو حججاً دامغة، على أن يسوع المتألم هو المسيح الذي تمت فيه نبوات العهد القديم. عدد 31. (أ). طلب حافظي شريعة الطقوس، وكاسري شريعة الحق والرحمة: "ثم إذ كان استعداد، فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت، لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً، سأل اليهود بيلاطس أن تكسر سيقانهم ويرفعوا". قضت عادة الرومان قديماً بأن يتركوا المصلوبين معلقين على الصليب، ليموتوا على مهل، فتنتن جثثهم، وتصير مطعماً لطيور السماء، ووحوش البر. لكن الشريعة اليهودية، قضت من جانبها، بأن ترفع أجساد المصلوبين عن الصليب، قبل حلول السبت "المقدس"، لكي لا تحل بأرضهم بِيلاَطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ وَيُرْفَعُوا. 32فَأَتَى الْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا "المقدسة" لعنة الجثث المصلوبة، متى بقيت على الصليب إلى السبت (تث 21: 3 ويشوع 8: 29 و 10: 26). كذلك أيضاً، يقول يوسيفوس المؤرخ اليهودي. وما كان للرومان أن يبالوا كثيراً أو قليلاً بتنفيذ أحكام الشريعة اليهودية، لولا أن اليهود ألحوا على بيلاطس في الطلب، بأن تكسر سيقان المصلوبين، لكي يعجلوا بمماتهم، ويجعلوا موتهم محقق الوقوع، فترفع أجسادهم عن الصليب حالاً، لأن شمس يوم الجمعة قد آذنت بالغروب، فصاروا على أبواب السبت: "وكان يوم ذلك السبت عظيماً" – أي أنه كان سبتاً مضاعفاً. لأنه فضلاً عن كونه سبتاً أسبوعياً، فقد كان أيضاً أول يوم في الفصح الواقع في 15 نيسان. فهو بذلك يوم سبت، أي يوم "راحة" مقدسة. وبما أن حمل الفصح، كان يقدم على مذبح الهيكل عند غروب شمس الجمعة، ليؤكل بين العشاءين، ومن حيث أن المسيح مات على الصليب عند هذا الوقت عينه[4]، فإن في هذا حجة وثيقة على أن المسيح هو "فصحنا الجديد الذي قد ذبح لأجلنا" (1 كو 5: 7). عدد 32 ز (ب) . بيلاطس يجيبهم إلى طلبهم، فيأمر العسكر بكسر ساق الأول والآخر: "فأتى العسكر وكسروا ساقي الأول والآخر المصلوب معه". سَاقَيِ الأَوَّلِ وَالآخَرِ الْمَصْلُوبَيْنِ مَعَهُ. 33وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. 34لَكِنَّ وَاحِداً مِنَ إن بيلاطس الذي سبق فأجاب اليهود إلى طلبتهم العظمى، وأسلم المسيح إليهم (عدد 16)، لم يجد بداً من إجابتهم إلى ملتمسهم الهين في نظره. وهكذا كان اليهود يدوسون ناموس الرحمة، ويقدسون ناموس الطقوس عدد 33 و34 . (ج) الطعنة النجلاء: "وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه. لأنهم رأوه قد مات. لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دم وماء". إن خروج الدم والماء، من جنب المسيح بعد موته، يحسب ظاهرة غريبة. لكنها حقيقة واقعة على الرغم من ذلك. لأن المسيح "عجيب". فلا عجيب إذا كان موته كذلك عجيباً. وها نحن أولاء نورد تعليلاً طبياً، دبجته براعة الدكتور درموندروبنسون[5]، أحدا الأطباء الذين يشار إليهم بالبنان في عالم الطب في وقتنا الحاضر: "يموت المصلوب عادة في مدة تتراوح بين 24 – 28 ساعة. لكن موت المسيح كان غير اعتيادي، لأنه أسلم الروح بعد أن قضى ست ساعات على الصليب – من الساعة 9 صباحاً إلى 3 بعد الظهر. ومن المعلوم، أن المصلوبين يموتون عادة نتيجة هبوط تدريجي في الجسم، لكن موت المسيح لم يكن كذلك. لأن فادينا "نادي بصوت عظيم" قبيل تسليمه الروح (لو 23: 46). فمن المحقق إذاً، أنه مات الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ. 35وَﭐلَّذِي عَايَنَ شَهِدَ وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ متأثراً بانفجار فجائي في جدران القلب، نتيجة ضغط الآلام النفسية عليه. هذا مصدق لما جاء عنه في النبوة: "العار كسر قلبي" (مزمور 69: 20). ومن المسلم به طبياً، إنه عندما تنفجر جدران القلب، ينساب الدم من تجويف القلب إلى غاشيته المحيطة به، المعروفة في عالم التشريح ب"التامور"، فينتج عن هذا عادة، سكتة قلبية، تنتهي بالموت العاجل. من ثم ينفصل هذا الدم المنساب، إلى قسمين: أولهما – مكون من خثارة حمراء دموية. والثاني: عبارة عن مصل مائي. هذان هما "الدم والماء"[6]اللذان خرجا من جنب المسيح، حالما طعنه الجندي، تلك الطعنة القاسية، التي فتحت في جنبه ثغرة واسعة تكفي لوضع الكف البشرية فيها (20: 27) ". يقول الكتاب: "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ". ولا مشاحة في أن الذي يسفك من يدي المصلوب ورجليه، لا يقاس بالنسبة إلى الدم الذي يسفك نتيجة حدوث انفجار في جدران القلب. لذلك، قال يوحنا : "هذا هو الذي أتى بماء ودم. يسوع المسيح. لا بالماء فقط بل بالماء والدم" (1 يو 5: 6) يعتقد بلومر – من غير أن يذكر أساساً قوياً لاعتقاده – أن الدم والماء، يرمز إلى فريضتي العشاء الرباني، والمعمودية !. عدد 35. (د) يوحنا البشير يختم روايته العيانية بختم شهادته: "والذي عاين" – أي يوحنا نفسه كاتب هذه البشارة – "شهد وشهادته حق". وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ. 36لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ». 37وَأَيْضاً يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: لم يكتف البشير بأن يقول إن شهادته حقيقية، بل قال إنها "حق". فهي إذاً شهادة شافية، ومعتمدة، وكافية. "وهو يعلم" – علم اليقين – "إنه يقول الحق، لتؤمنوا أنتم" (1: 19 و32 و34 و8: 13 و14 و12: 7). لقد وضع يوحنا ختم شهادته على هذه الرواية: (1) لكي يقرر، أنه و إن يكن خروج الدم من الجسم بعد الموت أمراً غريباً، إلا أنه على رغم ذلك، قد وقع بالفعل. (2) ليدحض الافتراءات اليهودية – وما إليها – التي حاولت أن تلقي سحابة من الشك على موت المسيح وقيامته (متى 28: 13 – 15). (3) لكي يؤيد حقيقة لاهوت المسيح، وحقيقة ناسوته – بخلاف ما نادى به الابيونيون والغنوسسيون. (4) لكي يقرر من غير ما لبس ولا ابهام، أن يسوع المصلوب، هو "مسيا" المنتظر، الذي تمت فيه نبوات العهد القديم. عدد 36 . (ه) المسيح فصحنا الأكمل: "لأن هذا كان ، ليتم الكتاب القائل: "عظم لا يكسر منه" – الإشارة هنا، إلى ما جاء في خروج 12: 46 وعدد 9: 12. هذه هي الحقيقة التي نادى بها بولس الرسول أيضاً: "لأن فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا" (1 كو 5: 7). لذلك كان من المحتم، أن عظام المسيح الكامل، "تحفظ جميعها، وإن واحداً منها لا ينكسر" (مزمور 34: 20). عدد 37. (و) المسيح المصلوب هو مسيا رجاء اليهود، ومشتهى الأمم "وأيضاً يقول كتاب آخر: سينتظرون إلى الذي طعنوه". وردت هذه النبوة «سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ». 38ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ في زكريا 12: 10، لتصف آلام المسيح قبل مجيئه الأول. وقد عرفنا يوحنا البشير، في سفر الرؤيا (رؤ 1:7)، إنها تنطبق أيضاً على المسيح في مجيئه الثاني. فهي إذاً منطبقة على المسيح رجاء اليهود، ومشتهى الأمم. (7) الدفن – ظهور التلميذين اللذين طالت مدة تخفيهما (19: 38 – 42) إنسانان ممتازان، ظلا مدة غير قصيرة من الزمان، تلميذين للمسيح أثناء وجوده بالجسد على الأرض. لكنهما كانا تلميذين متخفيين، لسبب الخوف من اليهود. فلا شك أنهما كانا يحرصان على عضويتهما في مجمع السنهدريم، وكانا يخشيان من أن يفقدا مكانتهما الاجتماعية بين قومهما. ومن المحقق، أنهما كانا يضنان بأموالهما الطائلة من أن تعبث بها عواصف الاضطهادات الدينية. لذلك ظلا متخفيين طوال هذه المدة. ولعلهما كانا يطمعان في تتاح لهما فرصة، أن يخدمان سيدهما مدة تخفيهما. وفعلا استطاع أحدهما – نيقوديموس – أن يدافع عن المسيح في احدى جلسات السنهدريم – دفاعاً ما أضعفه (7: 50) !. لكن بعد أن صلب المسيح، صهرت نيران صليبه ذلك الخوف، الذي كان مستولياً على نفسيهما، وأحرقت الربط الاجتماعية التي كانت تغل أيديهما وأرجلهما، وسلطت عليهما قوة المصلوب، فاجتذبتهما وانتزعتهما من مخبئيها وصبت في دمائهما ناراً وحديداً. وها نحن نراهما الآن على أحسن ما يكون عليه المرء من شجاعة، وبطولة، وولاء. عدد 38 . (أ) ولاء أولهما – يوسف الرامي: "ثم إن يوسف، الذي من الرامة – ومعناها "المرتفعة" أو "الصعيد" – "وهو تلميذ يسوع الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ وَلَكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ سَأَلَ بِيلاَطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ فَأَذِنَ بِيلاَطُسُ. فَجَاءَ وَأَخَذَ جَسَدَ يَسُوعَ. 39وَجَاءَ أَيْضاً نِيقُودِيمُوسُ الَّذِي أَتَى أَوَّلاً ولكن خفية لسبب الخوف من اليهود، سأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع". شتان بين هذا الطلب الذي تقدم به هذا التلميذ الأمين إلى بيلاطس، وبين ذاك الذي سأله اليهود من بيلاطس عينه. هذا طلب جسد يسوع، ليقدم له كل إكرام. وأولئك سألوا بيلاطس أن تكسر سيقان المصلوبين الثلاثة، تقديساً لطقوسهم النافلة، وتدنيساً لقلوبهم، بإضافة آلام جديدة على آلام المصلوبين. أما بيلاطس، ذلك القوي الجبان، والعنيد المطواع، فقد أجاب طلب رؤساء اليهود، مثلما أجاب ملتمس يوسف الرامي: "فأذن. فجاء وأخذ جسد يسوع". ولا يفوتنا أن نذكر الشجاعة العظمى، التي تسلح بها يوسف الرامي، قبل أن يذهب إلى بيلاطس، ليطلب منه جسد يسوع. لأن مثل هذا الطلب يحمل معه تهديداً لمركزه الاجتماعي والديني بين اليهود، وينطوي على تعريض ضمني بسمعته الأدبية، في نظر بيلاطس نفسه عدد 39. (ب) ولاء ثانيهما – نيقوديموس : "وجاء أيضاً نيقوديموس، الذي أتى أولاً إلى يسوع ليلاً، وهو حامل مزيج مر وعود، نحو مئة منا". إن هذا اللقب: "الذي أتى إلى يسوع ليلاً"، لم يفارق نيقوديموس مطلقاً (3: 1 و 7: 49 و19ك 39). فقد يشفى المرء من ضعفاته الأدبية والروحية، ولكن أثرها يظل عالقاً به. كمريض يشفى من مرض الجدري مثلا، لكن آثار إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَناً. 40فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ هذا المرض الخبيث، لا تبرح جسمه مهما طال المدى. على أن الرحمة الله، غافرة ومغيرة، ومجددة وممجدة. فهي تخلق من ضعفاتنا قوة (2كو 12: 10) يستفاد من قول البشير: "وجاء أيضاٍ نيقوديموس " ، ن ليوسف الرامي فضل الأسبقية على نيقوديموس ، فربما كان ذهابه إلى بيلاطس، خير مشجع لنيقوديموس. لكن هذا الأخير، استطاع أن يعوض عن بعض تقصيراته، بسخاء تقدماته: "فجاء حامل مزيج مر وعود نحو مئة منا" – والمنا نصف كيلو، فالمئة منا، تسوي قنطار. هذا يدل على أن نيقوديموس كان غنياً جداً، ولعله بالغ في هذه التقدمات، لكي يغمر بها جسد ذاك، الذي سبق فغمره من على الصليب بفيض غفرانه. وجدير بالذكر، إن مثل هذه التقدمات، لا تقدم إلا للملوك ! هذه شهادة ضمنية لماك المسيح. مسكين أنت يانيقوديموس! فلو كنت قد قدمت بعض هذه التقدمات للمسيح، وهو حي بجسده على الأرض، لتمتعت بابتسامة الرضى من شفتيه الطاهرتين. لكن عزاءك الآن، هو أن المسيح حي لن يموت، وهو لن ينسى "تعب محبتك، وصبر رجائك" (1 تس 1: 3) . عدد 40. (ج)ولاؤهما المشترك: "فأخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا" – على خلاف عادة المصريين في مَعَ الأَطْيَابِ كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا. 41وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. 42فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ اسْتِعْدَادِ الْيَهُودِ لأَنَّ الْقَبْرَ كَانَ قَرِيباً. تكفين أجساد موتاهم، إذ كانوا ينزعون الأمعاء من الجسد قبل تنيطه على ما عرفنا هيرودت المؤرخ الشهير، وكما نشاهد في المتحف المصري العظيم. عدد 41 . (د) وصف موضع القبر: "وكان في الموضع الذي صلب فيه بستان. وفي البستان قبر جديد " – لكي "لا يرى" جسد المسيح الطهور أي فساد – حتى فساد – حتى فساد عظم القبور – "فهناك وضعاً" – جسد – "يسوع". يفهم مما جاء في أعمال 13: 29 ، أن اليهود اشتركوا مع نيقوديموس ويوسف الرامي، في دفن جسد يسوع. أما اليهود، فعن حسد، وحقد، وبغضاء. وأما نيقوديموس ويوسف الرامي، فعن محبة وولاء. عدد 42. (د) وضع الجثمان في القبر: كان اليهود آنئذ يستعدون لذبح حمل الفصح، بعد أن فرغوا من ذبح حمل الله. من أجل ذلك، أجريت عملية الدفن بسرعة، أن القبر "قريباً من أورشليم " . غاباً جداً، كان هذا البستان والقبر، ملكاً ليسف الرامي . لكن لا فضل ليوسف في تقديمه بستانه للمسيح لأن المسيح سبق فجاد على يوسف وأمثله، بفردوس الخلود (رؤيا 2: 7). ولا فضل للرامي في تقديم قبره ليسوع، لأن المسيح سبق فاعد له أن "يجلس معه في عرشه" (رؤ 3:21). ([1] ) مما يدل على أن جهات آسيا الصغرى، كانت تسير على التوقيت الروماني الغربي وقتئذ، ما يقوله المؤرخ فيلو: إن بوليكاربوس أعدم في الساعة الثامنة، وبايونيوس ، في الساعة العاشرة. وكلاهما أعدم في أزمير. ولا مشاحة في أن المقصود بهاتين الساعتين هو: الساعة الثامنة، والساعة العاشرة صباحاً – على الترتيب. (6) في النسخة السريانية المعروفة ب"البشتو" و الفارسية والحبشية ورد حرف "الواو" قبل قوله: "مريم زوجة كلوبا؛ " . ومن هذا يتبين أن مريم زوجة كلوبا ليست هي أخت أم المسيح، لأنه من الصعب أن نعتقد أن ااختين سميتا باسم واحد: "مريم" . ويتجلى لنا نفس هذا المعنى متى فرضنا أن البشير ذكر أسماء النساء – ااسمين اسمين مع وقف في الوسط: "أمه أخت أمه. مريم زوجة كلوبا ومريم المجديلة " . كقول لوقا في ذكر أسماء التلاميذ: "بطرس وأندراوس أخاه . يعقوب ويوحنا. فيلبس وبرثولماوس" (لو 6: 14) . (7) هذه هي الكلمة الختامية في ترتيب الكلمات التي فاه بها المسيح على الصليب. وفي الغالب جداً قيلت هذه الكلمات على النسق الآتي: أ - قبل الظلمة: (1) طلبة المسيح لأجل أعدائه: "يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 23: 24) – هذا هو غفران المصلوب. (2) قول المسيح للص: "الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس (لوقا23: 43) – هذا هو وعد المصلوب. (3) قول المسيح لأمه: "يا امرأة هو ذا ابنك" – ثم ليوحنا: " هي ذي أمك" (يو 19: 26) – هذه هي وصية المصلوب. ب – أثناء الظلمة: (4) صرخة المسيح إلى الآب: "إلهي إلهي لماذا تركتني" (متى 27: 46 ومز 15: 34) – هذه هي وحشة المصلوب. ج – بعد الظلمة: (5) قوله: "أنا عطشان" (يو 19: 28) – هذا هو شوق المصلوب. (6) قوله: "قد أكمل" (يو 19: 30) – هذا هو اطمئنان المصلوب. (7) قوله: "في يديك أستودع روحي" (لوقا 23: 46) – هذا هو الموت الاختياري الذي ذاقه المصلوب.
(8) اطلب شرح بشارة لوقا للمؤلف صفحة 553، يتضح لك أن رواية يوحنا تتفق ورواية البشيرين الأولين في أن المسيح صلب يوم الجمعة في الوقت الذي كان فيه حمل الفصح مقدماً على المذبح في الهيكل. (9) G.H. Drummond Robinson M.D.F.R.C.P. – See the "DAWN" – May 16, 1927.
|