في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
الصفحة 1 من 4 تُعتَبَرُ الأسفارُ النبويَّة جوهرَ العهدَ العهدِ القديم، خاصَّةً من وُجهَةِ نظرِ العهدِ الجديد. ففي العهدِ الجديد، يُشيرُ يسوعُ إلى العهدِ القديم "بالنامُوسِ والأنبِياء" (متى 7: 12؛ 22: 40). فالنامُوسُ هو الأسفارُ الخمسةُ الأُولى في الكتابِ المُقدَّس – تكوين، خُروج، لاوِيِّين، عدد، وتثنيَة. أما أسفارُ الأنبِياء، فتبدأُ معَ إشعياءَ وتنتَهي بِملاخي. هُناكَ وُجهَةُ نظرٍ حولَ الأنبِياء، عبَّرَ عنها الرسولُ بُولُس عندما كانَ يُرافِعُ عن نفسِهِ أمامَ أحدِ المُلوك. ولقد كانَ الرسولُ مُكبَّلاً بالأغلال، وأعلَنَ الإنجيل بجرأةٍ وإقناع، لدرجةِ أنَّ الملك علَّقَ بالقولِ أن بُولُس تقريباً أقنعَهُ بأن يصيرَ مسيحيَّاً. والجزءُ الأكثر دراماتيكيَّةً في شهادةِ بُولُس هو عندما طرحَ السؤال، "أيُّها الملِكُ أغريباس، هل تُؤمِنُ بالأنبِياء؟ أنا أعرِفُ أنَّكَ تُؤمِنُ بالأنبِياء." إن سُؤالَ بُولُس غالِباً ما كانَ يُطرَحُ عنِ الأنبِياء. فلقد كانت كِرازتُهُم وكتاباتُهم ممسوحَةً وخارِقة للطبيعة، لِدرجةِ أن طريقةً من طُرُقِ إكتِشافِ ما إذا كانَ رجُلُ أو إمرأةٌ يتحلُّونَ بالإيمان، هُو بالسؤال، "هل تُؤمِنُ بالأنبِياء؟" عندما يُشيرُ العهدُ الجديدُ إلى الأنبِياء، فهو عادةً يُشيرُ إلى الأنبِياء الذينَ كتبوا أسفاراً، أي الأسفار النبويَّة. هُناكَ سبعةَ عشر سفراً نبويَّاً، كَتَبَها ستّةَ عشرَ نبيَّاً، (لأنَّ إرميا كتبَ اثنين من هذه الأسفار النبويَّة – إرميا ومراثي إرميا.) قبلَ أن نبدأَ دِراستَنا للأسفارِ النَّبَويَّة، أَوَدُّ أن أُجيبَ على السؤالِ التالي، "من كانَ الأنبِياءُ بالتحديد؟" أبدأُ جوابي على هذا السؤال بمُقارَنَةِ النبيّ بالكاهِن. عندما كُتِبَت أسفارُ الأنبِياء، كانَ الكاهِنُ هُوَ القائِدُ الروحيُّ المُهِم. لقد كانَ للكهنةِ دورٌ هامٌّ كونَهم يتوسَّطونَ ويتشفَّعونَ أمامَ اللهِ بالشعبِ الخاطئ. وكانت أهمِّيَّةُ دورِ الكهنة أيضاً تنبَعُ من كونِهم يُفسِّرونَ ويُعلِّمونَ كَلِمَةَ اللهِ لِشعبِ الله. ولقد أجابَ الكهنةُ على أسئلتِهم حولَ الوحي والذبائح والطقوس في خيمةِ الاجتماعِ في البريَّة، وفيما بعد في هيكلِ سُليمان. ولقد وُلِدَ الكاهِنُ كاهِناً، لأنَّهُ من سِبطِ هارون أو لاوي. ولِسُوءِ الحَظِّ، غالِباً ما أصبَحَ الكَهَنَةُ فاسِدين وخُطاة. ولقد صاغَ هُوشَع العِبارة القائلة، "كما الكهنةُ كذلكَ الشعب." وغالِباً، عندما أصبحَ الشعبُ مُرتَدَّاً وخاطِئاً، كانَ الكهنةُ هم السبَّاقون في قِيادةِ الشعبِ نحو الفساد. فعندما أصبَحَ الكهنةُ فاسِدِين وخاطِئين، أرسَلَ اللهُ الأنبِياء. الأنبِياءُ لم يُولدوا أنبِياء، بل دُعُوا ليكونوا أنبِياء من شتَّى طُرُقِ ومِهَنِ الحياة. اثنانِ أو ثلاثة من الأنبياء كانوا كهنةً عندما دُعُوا ليكونوا أنبِياء، ولكنَّ هؤلاء كانوا استثناءً نادِراً. بعضُ الأنبياء كانوا ينتَمونَ إلى طبقةِ الأشراف من العِبرانِيين عندما دُعُوا ليكونوا أنبِياء. وبعضُ هؤلاء الأنبِياء دُعُوا من بينَ عامَّةِ الشعب، مثل عامُوس الذي كانَ جَانِي جُمَّيز وراعِي غنم عندما دُعِيَ ليكونَ نبِيَّاً. بشكلٍ أساسي، كان الكاهِنُ هو الشخص الذي يذهبُ إلى حضرةِ الله ويتشفَّعُ أمامَهُ عن الشعب. أمَّا النبيُّ فكانَ ذلكَ الشخص الذي يأتِي من حضرةِ الله إلى أمامِ الشعب حامِلاً لهم رسالة الله. إنَّ كُلَّ الأنبِياء الذين كتبوا أسفاراً عاشوا في مرحلةِ حوالي أربعمائة سنة، أي منذُ حوالي 800 ق.م. إلى حوالي 400 ق.م. خلالَ هذه المرحلة، كانَ الشعبُ خاطِئاً جدَّاً، ولقد وقعوا بشكلٍ خاص في خطيَّةِ عِبادة الأوثان. ولأنَّهم عبدوا آلِهةً أُخرى، فدينونةُ اللهِ جاءت عليهِم بشكلِ اجتياحٍ أشورِيّ وسبي المملكة الشماليَّة. وتبِعَ هذا بعدَ حوالي المائة سنة إجتياحٌ بابِليٌّ وسبي المملكة الجنوبية. مُعظَمُ الأنبِياء الذينَ كتبوا أسفاراً، عاشوا إما قُبَيلَ السبي الأشوري والبابِلي، أو خدموا ووعظوا خلالَ حُدوثِ هاتَين النكبَتَين، أو عاشُوا وكرزوا في فترةِ العودَةِ من أحداثِ السبي المأساويَّة. ومن بينِ الأنبِياء الستة عشر، ثلاثةٌ منهم خدموا ووعظُوا بعدَ حُدوثِ السبي، ولهذا يتكلَّمونَ عن العودةِ وإعادةِ البِناء التي تَبِعَت رجوعَ شعبِ اللهِ من السبي البابِلي. ولكنَّ مُعظَمَ الأنبِياء سبَقُوا الاجتياحَ والسبي الأشوري والبابِلي أو خدموا خلالَ حُدوثِهما. الأنبِياءُ الذي سبقوا السبي الأشوري للملكة الشماليَّة والسبي البابِلي للملكة الجنوبيَّة، وعظوا بالإجمال الرسالةَ التالية: "إذا حدثَ بينَكُم نهضةٌ روحيَّة، إذا تُبتُم بِصِدقٍ عن خطيِّةِ عبادتِكُم للأوثان، فهذا الاجتياح والسبي الأشوريُّ أو البابِليُّ لن يحدُث." لقد دعا هؤلاء الأنبِياءُ إلى التوبةِ والنهضةِ الروحِيَّة. ولكن في مُعظَم الأحيان، وقعت رسائلُ هؤلاء الأنبياء على آذانٍ صمَّاء. فتجاهلَ الناسُ وعظَ الأنبياء وسدُّوا آذانَهم عن سماعِه. وهكذا سخِروا بالأنبِياءِ واستهزأوا بهم، وأحياناً قتلوهم وجعلوا منهم شُهداء. وماتَ كثير من الأنبياء بسبب عدم رغبةِ أَحَدٍ بسماعِ رسالتِهِم. عندما لاحظَ الأنبِياءُ أنَّ الشعبَ لم يتجاوبوا معَ رسالتِهم، وعظوا قائلين، "أنَّ الاجتياحَ والسبيَ قادِمَين، وعندما سيحدُثُ هذا، سيكونُ بمثابةِ دينونةِ اللهِ القدير عليكُم لأنَّكُم لم تتوبُوا عن عبادتِكُم للأوثان." ولقد كانُوا على حَقّ. فعندما احتلَ الأشوريُّونَ المملكة الشمالية، أُخِذَت هذه المملكة الشمالِيَّة إلى السبي، وانقطَعَ ذِكرُها منذُ ذلكَ الحين. وبعدَ حوالي مائة سنة، إحتلَّ البابِليونَ المملكة الجنوبيَّة. ثُمَّ وعظَ الأنبِياءُ رسالةَ رجاء مُتعلِّقة بذلكَ الاجتياحِ والسبي. لقد أخَذُوا إعلاناً نبويَّاً، فقالوا، "بعدَ سبعينَ سنةً من الآن سوفَ ترجِعونَ من السبي." لقد رأوا الرجوعَ من السبي البابِليّ كتعبِيرٍ عن رحمةِ ونعمةِ الله. وعلى أيَّةِ حال، فإن مُعظَمَ الأنبِياء الذي تنبَّأوا بالرجوع لم يعيشوا ليشهَدوا حُدوثَه. الصفحة 1 من 3 رُغمَ أنَّ شخصيَّةَ يُوحنَّا المعمدان هي ذات دلالة بالِغة الأهمِّيَّة، ولكن لم يُخصَّصْ لهُ إلى فسحة قليلة في الأناجيل. قالَ يسوعُ أنَّ هذا الرَّجُل كانَ أعظَمَ رجُلٍ وأعظَمَ نَبِيٍّ ولدتْهُ امرأَة (متَّى 11: 11؛ لُوقا 7: 28). وُصِفَت حياةُ يُوحنَّا المعمدان بإيجاز في الأناجيل الأربَعة. فما هي الدلالَةُ من حياتِه؟ أوَّلاً، لم يكُنْ فقط أعظَمَ الأنبِياء، بل وكانَ آخِرَ الأنبِياء. لقد كرزَ الأنبِياءُ بالأخبارِ السارَّة أنَّ المسيَّا آتٍ. أمَّا هذا النَّبِيُّ فأشارَ إلى رجُلٍ يسيرُ على طريقِ الجَليل وقالَ لتلاميذِهِ، "هُوَّذا حَمَلُ الله الذي يرفَعُ خطِيَّةَ العالَم." (يُوحنَّا 1: 29). لقد كانَ يُوحنَّا المعمدان آخِرَ الأنبِياء المَسياوِيِّين، وكانَ الشخص الذي عرَّفَ شعبَ الله على المسيَّا.
|