في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
أوَدُّ الآنَ أن أنتَقِلَ إلى دراسَةِ الوَصايا العَشر، كما نراها في خُرُوج 20: 1- 17. هذه الوَصايا العَشر تُلَخِّصُ رُوحَ المئاتِ منَ الوصايا التَّفصِيلِيَّة الأُخرى. كُتِبَتِ الوصايا العشرُ على لَوحَين. على واحِدٍ من هذينِ اللَّوحَين، كانت تُوجَدُ أربَعُ وصايا، جميعُها تُعنَى بِعلاقَتِنا معَ الله: 1-لا يَكُنْ لكَ آلِهَة أُخرى أمامي. 2-لا تَعبُد الأوثان. 3-لا تَحلِفْ بإسمِي باطِلاً. 4-أُذكُرْ يَومَ السَّبت لِتُقَدِّسَهُ. هذه الوصايا الأربَعُ ترتَبِطُ بعلاقَتِنا معَ الله. اللَّوحُ الثَّانِي كانَ يَحمِلُ سِتَّ وصايا كانت تُعنَى بِعلاقَتِنا معَ النَّاس. 5-أكرِمْ أباكَ وأُمَّك. 6-لا تَقتُلْ. 7-لا تَزنِ. 8-لا تَسرِقْ. 9-لا تَكذِبْ. 10-لا تَشتَهِ. دَعُونا ننظُرُ عن كَثَبٍ إلى هذه الوَصايا العَشر لِنَرى ماذا تَعني بالفِعل. تَقُولُ الوَصِيَّةُ الأُولى، "لا يَكُنْ لكَ آلِهَة أُخرى أمامِي." قِيلَ أنَّهُ يُمكِنُ تَصفِيَةُ الكتابِ المُقدَّسِ إلى كَلِمَتَينِ فقط: "اللهُ أوَّلاً." هذا هُوَ رُوحُ الوَصِيَّةِ الأُولى. الوَصِيَّةُ الثَّانِيَة تَمنَعُنا من صُنعِ أيَّةِ صُورَةٍ منحُوتَةٍ أو شَبَهِ لأَيِّ شَيءٍ ممَّا في السَّماءِ أو على الأرض، وأن نُسمِّيَها اللهَ. حَرفِيَّاً، تمنَعُنا هذه الوَصِيَّةُ منَ الوَثَنِيَّة، أو من عبادَةِ الأوثانِ والأصنام. إنَّ رُوحَ هذا النَّامُوس، على أيَّةِ حالٍ، هُوَ شَيءٌ كالتَّالِي: اللهُ رُوحٌ. وعلينا أن نقتَرِبَ منهُ بالإيمان. وبما أنَّ اللهَ رُوحٌ، فإنَّ مَوضُوعَ إيمانِنا سَيَكُونُ دائماً غَيرَ مَنظُورٍ. هذه هي الطريقة التي نظَّمَ بها اللهُ طريقَةَ إقتِرابِنا منهُ وعلاقَتِنا معَهُ. إنَّهُ يُريدُنا أن نأتِيَ إليهِ بالإيمان. فإذا حاوَلنا أن نصنعَ شَيئاً مادِّياً أو مَلمُوسا، وقُلنا أنَّ هذا الشَّيء يُمَثِّلُ اللهَ، نُطِيحُ بِذلكَ الحاجَةَ إلى الإيمان. الوَصِيَّةُ الثَّالِثَة كانت أن لا نحلِفَ بإسمِ اللهِ باطِلاً. رُغمَ أنَّ مُعظَمَ النَّاسِ يَعتَبِرونَ أنَّ هذا يُشيرُ إلى الحِلفانِ فقط، ولكنَّ المقصُودَ هُو أكثَر من ذلكَ. إنَّهُ يعني التَّالِي: في أيِّ وقتٍ تذكُرُونَ إسمَ الله، حتَّى في العِبادَة، عليكُم أن تتَذَكَّرُوا من هُوَ اللهُ، وأن لا تستَخدِمُوا إسمَهُ باطِلاً، أو خارِجَ إطارِ المقاصِد التي يُمَثِّلُها إسمُ الله. فلا يُمكِنُنا أن نستَخدِمَ إسمَ اللهِ بإستِهتارٍ أو بإهمالٍ أو بعَدَمِ إحترامٍ أو بإزدراء، حتَّى خلالَ عبادَتنا لهُ. الوَصِيَّةُ الرَّابِعَة تُعَلِّمُنا أن نَذكُرَ السَّبتَ لِنُقَدِّسَهُ. وكانَ لهذه الوصيَّة حرفِيَّاً الكثير من التَّطبيقاتِ في مِئاتِ الوصايا في أسفارِ النَّامُوس. الكَثيرُ منَ النَّوامِيسِ اليَهُوديَّةِ إنبَثَقَت من هذه الوَصِيَّة، ولكنَّ المبدَأَ مُشابِهٌ لِمَبدَأِ الوَصِيَّةِ الأُولى: أن تَضَعَ اللهَ أوَّلاً في حياتِكَ. خَصِّصْ وقتاً لَهُ فقط. تطبيقٌ آخر لمبدَأ السَّبت هُوَ الرَّاحَةُ الكامِلَة. تُوجَدُ عدوَى منَ الإنهياراتِ العاطِفِيَّةِ والجَسَدِيَّةِ والإرهاقِ الكامِل، بسببِ إنتِهاكِ شَعبِ اللهِ لِروحِ الوصِيَّةِ الرَّابِعة. عندما تَصِلُون إلى اللَّوحِ الثَّانِي، ستَجِدُون الوصايا التي تُعالِجُ علاقَتَكُم معَ النَّاس في حياتِكُم. الوَصِيَّةُ الأُولى، تنطَبِقُ بالطَّبعِ على والِديكم. ففي الحالاتِ الطَّبيعيَّةِ للأُمُور، الوالِدَانِ هُما أوَّلُ النَّاسِ الذين ستَتعاطُون معهم. فالوَصِيَّةُ الخامِسَة تأمُرُنا بأن نُكرِمَ أبانَا وأُمَّنا. وتُعتَبَرُ هذه الوَصِيَّة أوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعد: إذا أكرَمتُم أباكُم وأُمَّكُم، ستَطُولُ أيَّامُكُم على الأرضِ (خُروج 20: 12). ولكن لاحِظُوا أنَّ الوَصِيَّةَ هي أن تُكرِمُوا والِديكم. الوَصِيَّةُ ليسَت بالضَّرُورَةِ أن تُطيعُوهم. يُعَلِّمُ الكتابُ المُقدَّسُ بان يُطيعَ الأولادُ والِديهم. فعندما تَكُونُونَ أطفالاً، عليكُم بِطاعَةِ والدِيكُم. ولكنَّ هذه الوصيَّة مُوجَّهَةٌ للبالِغِين، وهي تأمُرُنا بأن نُكرِمَ آباءَنا وأُمَّهاتِنا. أحدُ أسبابِ أهَمِّيَّةِ هذه الوَصِيَّة، هو أنَّها تُظهِرُ لأولادِكُم كيفَ ينبَغي أن يُكرِمُوكُم. الوَصِيَّةُ التَّالِيَة تأمُرُنا بأن لا نَقتُلَ. لا تَقُولُ الوَصِيَّةُ حَصرِيَّاً، "لا تَقتُلْ"، لأنَّهُ تُوجَدُ مقاطِع أُخرى في الكتابِ المُقدَّس حيثُ أمرَ الله شَعبَهُ بأن يَقتُلُوا (أُنظُرُوا تَكوين 9، ورُومية 13، وغيرها منَ المراجِع.) إنَّ رُوحَ هذه الوَصِيَّة هُوَ أنَّ الحياةَ في يَدَي الله؛ فاللهُ يُعطِي الحياةَ وينبَغي أن يَكُونَ الخيارُ للهِ فقط بإنهاءِ الحَياة التي يُعطيها. الوَصِيَّةُ السَّابِعة تأمُرُنا بأن لا نقتَرِفَ خَطِيَّةَ الزِّنى. أعتَقِدُ أنَّ رُوحَ هذه الوَصِيَّة هي ما يُمكِنُ أن نُسَمِّيَهُ "حُقُوق الأطفال." إنَّها خُطَّةُ اللهِ، كما نقرأُ في تكوين 2، أن يأخُذَ أشخاصاً ويعمَلَ منهُم شُركاءَ، ليُصبِحُوا والِدين ويُنجِبُوا أشخاصاً يُصبِحُونَ بِدَورهِم شُركاءَ ووالِدين. فالزَّواجُ هُوَ الإطارُ الأمين الذي فيهِ يُريدُ اللهُ أن يتربَّى الأولادُ ويُعَدُّوا لمُواجَهَةِ الحياة. فأمانُ الأطفالِ يَعتَمِدُ على الإلتِزامِ أو أمانَةِ الشَّريكَينِ الزَّوجِيَّين. أعتَقِدُ أنَّ هذه هي الحقيقَةُ التي تَكمُنُ في قَلبِ هذه الوَصِيَّة. فاللهُ يُفَكِّرُ بالعائِلاتِ والأطفالِ عندما يأمُرُ بالقَول: "لا تَزنِ." الوَصِيَّةُ الثَّامِنَة هي، "لا تَسرِقْ." إنَّ رُوحَ هذه الوَصِيَّة هي أنَّ اللهَ هُوَ إلهُ ترتيب. فبِناءً على نِعمَتِهِ وعلى زَرعِنا وحِصادِنا، نكنُزُ لأنفُسنا بعضَ المُدَّخَراتِ في الحياة. فعِندَما تَسرُقُ، تنتَهِكُ التَّرتيب الذي وضعَهُ اللهُ. هذا النِّظامُ الذي وضعَهُ اللهُ هُوَ رُوحُ الوصِيَّة. الوَصِيَّةُ التَّاسِعَةُ هي، "لا تَشهَدْ بالزُّور." هذه وَصِيَّةٌ أعتَقِدُ أنَّ مُعظَمَ النَّاسِ لم ينظُرُوا إليها عن كَثَب بِشكلٍ كافٍ. لدينا مَيلٌ للإعتِقادِ بما يُسمَّى الكَذِباتُ الكَبيرة والكذبات الصَّغيرة، أو السَّوداء والبَيضاء. إحدى أذكَى الطُّرُق للكَذِب هي بِقَولِ الحَقيقَةِ ولكن خارِجَ إطارِها، أو بِقَولِ جُزءٍ فقط منَ الحقيقة. يُصبِحُ النَّاسُ خُبَراءَ في هذا المَجال عندما ينوُونَ أن يُدَمِّرُوا شَخصِيَّةً ما. ولكنَّ الوَصِيَّةَ تقطَعُ الطَّريقَ على هكذا سُلوكِ، بِقَولِها بِبساطَةٍ، "لا تَشهَدْ بالزُّور." فلا يَهُمُّ كم تستطيعُ أن تتحاذَقَ بِقِيامِكَ بذلكَ. فإذا أعطَيتَ إنطِباعاً خاطِئاً، كَبيراً أم صَغيراً، بالإقترافِ أو الإمتِناع، تَكُونُ قدِ إنتَهَكتَ الوَصِيَّةَ التَّاسِعة. إنَّ رُوحَ الوَصِيَّةِ التَّاسِعة هي أن تُوصِلَ الحقيقَةَ بالكلامِ والحَركاتِ وغَيرِها. الوَصِيَّةُ الأخيرة تَأمُرُنا بأن لا نَشتَهِي. إنَّ رُوحَ هذه الوَصيَّة مُشابِهٌ لِرُوحِ الوصيَّةِ الثَّامِنَة، "لا تَسرِقْ." فاللهُ لدَيهِ إرادَةٌ تجاهَ ما نملِكُهُ، سواءٌ أكانَ زوجَةً، أم عائِلَةً، أم منزِلاً، أم وظيفَةً، أم مكانَةً في الحياة. اللهُ لدَيهِ مَشيئَةٌ تجاهَ كُلِّ هذه الأُمُور. بِحَسَبِ الكتابِ المُقدَّس، لا يُفتَرَضُ بنا أن نُقارِنَ أنفُسَنا بالآخرين. فنَحنُ جَميعاً أشخاصٌ فَريدُون. وعندما صنعكَ اللهُ وصنَعني، صنعنا وكَسَرَ القالِبَ الذي صنعنا بهِ، أي خلَقَنا فَريدين. وهُوَ لا يُريدُنا أن نَكُونَ مثلَ أيِّ شَخصٍ آخر. ولا يُريدُ لأيِّ شخصٍ آخر أن يَكُونَ مِثلنا تماماً. إن كانَ هذا صَحيحاً، فعلَينا أن لا نُقارِنَ أنفُسَنا بالآخرين، وعلينا أن لا نَحسُدَ ولا نَشتَهِيَ ما يَملِكُهُ الآخرون. فالحَسَدُ والشَّهوَةُ يُظهِرانِ أنَّنا غير مُكتَفِينَ بمَشيئَةِ اللهِ لِحياتِنا. أعتَقِدُ أنَّ هذه هي رُوحُ الوَصِيَّةِ العاشِرَة. "يا لَعُمقِ غِنَى اللهِ وحِكمَتِهِ وعِلمِهِ. ما أبعَدَ أحكامَهُ عنِ الفَحص وطُرُقَهُ عن الإستِقصاء. لأنْ من عرفَ فِكرَ الرَّبِّ أو من صارَ لهُ مُشيراً. أو من سبقَ فأعطاهُ فيُكافَأ. لأنَّ منهُ وبِهِ ولهُ كُلَّ الأشياء. لهُ المجدُ إلى الأبد. آمِين. (رومية 11: 33- 36) هذه هي بركةُ التمجيد التي بها يختُمُ بُولُس هذا المقطَع التعليمي اللاهُوتِيّ المجيد. في مقطَعِ التمجيدِ هذا، يُعلِنُ بُولُس أنَّ اللهَ هُوَ مصدَرُ كُلِّ الأَشياء، والقُوَّة الكامِنة وراءَ كُلِّ الأشياء، وأنَّ مجدَهُ هُوَ القصدُ من كُلِّ الأشياء. إنَّهُ يَستَخدِمُ هاتَين الكَلِمَتَين "كُلّ الأشياء" غالِباً معاً، ولكنَّهُ لا يستخدِمُها أبداً بِخِفَّة (رُومية 8: 28؛ 2كُورنثُوس 9: 8). فإلامَ يُشيرُ بُولُس بالتحديد عندما يضَعُ هاتَين الكلمتَين معاً في هذا مقطَعِ التمجيدِ هذا. لقد سبقَ وإقتَرَحتُ عليكُم أن تقسُمُوا إصحاحات هذه الرسالة الستة عشر إلى أربَعةِ أقسام، بينما تُحاوِلُونَ برُوحِ الصلاة أن تُمَيِّزُوا حُجَّةَ هذه الرِّسالة. أمَّا الآن فأطلُبُ منكُم أن تنسُوا قضِيَّة الإصحاحات والأعداد، وأن تُحاوِلُوا أن تفهَمُوا حُجَّةَ بُولُس الرسُول الأساسيَّة في هذه الرسالة. فالإصحاحاتُ والأعداد لم يتمّ إضافتُها إلى الأسفارِ المقدَّسة حتَى القَرن الثالِث عشر. أحياناً، قد تُشَوِّشُنا تقسيماتُ السفر إلى إصحاحات عن إدراكِ المنطِق المُوحى في سفرٍ مُعَيَّن من أسفارِ الكتابِ المقدَّس. بدأَ بُولُس بالتحضِير لإستِخدامِهِ للكلمتَين "كُلّ الأشياء" في مقطَعِ التمجِيد هذا، عندما إنتَهى من إخبارِنا عن هذه المَبادِئ الرُّوحِيَّة الأربَعة (8: 13). ثُمَّ أعطى لَمحَةً عن كيفَ يَصِلُ بنا اللهُ إلى الخلاص. إنَّ النقطة التي شدَّدَ عليها هُنا هِي أنَّ اللهَ هُوَ المُحرِّك الأوَّل خلفَ كُلِّ الأشياء التي تحدُثُ لنا خِلالَ عمليَّةِ الخلاص. كتبَ يقُول: "لأنَّ الذين سبقَ فعرَفَهُم سبقَ فَعَيَّنَهُم ليَكُونُوا مُشابِهِين صُورَةَ إبنِهِ ليكُونَ هُوَ بِكراً بينَ إخوةٍ كَثيرين. والذي سبقَ فعَيَّنَهُم فهؤُلاء دعاهُم أيضاً. والذين دعاهُم فهؤُلاء برَّرَهُم أيضاً. والذين برَّرَهُم فهؤُلاء مجَّدَهُم أيضاً." (رُومية 8: 29، 30). ثُمَّ يَصِلُ بنا هذا المقطَعُ إلى تمجيدٍ عظيم للهِ نفسِه. أعلنَ بُولُس الرسُول أنَّ اللهَ هُوَ في أولئكَ الذينَ قبِلُوهُ. واللهُ هُوَ معَ أولئكَ الذين يمشُونَ في الطاعَةِ، واللهُ هُوَ لأجلِ أولئِكَ المدعُوِّينَ بحَسَبِ خُطَّتِهِ. وإن كانَ اللهُ فينا، معنا، ولَنا، فمن علينا، ومن سيفصِلُنا عن محبَّتِهِ؟ ثُمَّ يختُمُ بُولُس هذا الإصحاحِ الثامِن بمقطَعِ التمجيد الذي يُجيبُ على هذه الأسئِلة. أُنقُلوا هذه الأفكار المُوحاة والمُلهِمة معَكُم إلى الإصحاحِ التاسِع، حيثُ سيُوسِّعُ بُولُس كلمةً إستَخدَمها في المقطَعِ الذي إستشهَدنا بهِ أعلاهُ. هذه الكلمة هي، "مُعَيَّنِينَ سابِقاً". إنَّ توسيعَ بُولُس لهذا المفهوم الذي يُسمَّى "الإختِيار" يجعَلُ من هذا الإصحاح أحدَ أصعَبِ وأغنى إصحاحات الكتاب المقدَّس. لقد كانَ الإيضاحُ الذي إستَخدَمَهُ بُولُس هُوَ التوأمَان – عيسُو ويعقُوب – في رَحِمِ أُمِّهِما. فقبلَ أن يفعَلَ أيُّ طفلٍ منهُما خيراً أم شرَّاً، قالَ اللهُ، "أحببتُ يعقُوب وأبغضتُ عيسُو،" "والكَبيرُ يُستَعبَدُ للصغير." (رومية 9: 12، 13). لقد كانَ لدى الله خُطَّة ومَصيرٌ لكُلٍّ منهُما قبلَ أن يُولَدا. لقد إقتَرحَ أحدُ أفضَلِ المُفسِّرين بأنَّ هذا التعليم ينبَغي أن يُحفَظَ كَسِرِّ عائِلة بينَ المُؤمنين. فعلينا أن لا نتوقَّعَ من أُولئكَ الذي لم يأتُوا بعد إلى الإيمان ولم يقبَلوا الرُّوحَ القدُس أن يفهَمُوا ويقبَلوا هذا التعليم. لا بَل إنَّ هذا التعليم صعبٌ على الكثير من المُؤمنين، لأنَّهُ يجعَلُ اللهَ يبدُو وكأنَّهُ غير عادِل، خاصَّةً بالنسبَةِ لِغَيرِ المُختارين. عندما يكتَشِفُ الكثيرُ من المُؤمنِين هذا التعليم أوَّلاً في كلمةِ الله، غالِباً ما تكُونُ ردَّةُ فعلِهم الأساسيَّة أنَّهُ لا يُمكِنُ أن يكُونَ هذا صحيحاً. إن جوابَ الرسُول على هذا النوع من التفكير هو أنَّهُ يضعُ أمامنا التحدِّي لنقرَأَ العهدَ القديم. أحد أقصَرِ الأشعار التي سبقَ لي وقرأتُها هُو: "ما أغرَبَ أن يختارَ اللهُ اليهود." بمعنىً ما، يُعتَبَرُ العهدُ القديمُ بأكمَلِهِ إيضاحاً عن هذا التعليم عن الإختِيار. فمِن بَينِ كُلِّ أُمَمِ التاريخِ القديم، إختارَ اللهُ آنذاكَ بني إسرائيل. وكما أشرتُ سابِقاً، فإنَّ هذه الإصحاحات الثلاثة (9- 11) تُشيرُ أيضاً إلى نقيضِ الإختِيار، لأنَّ شعبَ إسرائيل إختارَ في الماضي، ولا يزالُ يختارُ اليوم، أن لا يكُونَ مُختاراً بل مرفُوضاً، وذلكَ لرفضِهِ المسيح. يُخبِرنا اللهُ من خِلالِ النبيّ إشعياء أنَّهُ علينا أن لا نُحاوِلَ أن نفهَمَ أفكارَهُ وطُرُقَهُ. فهُوَ يُنَبِّهُنا أنَّ طريقَةَ تفكيرِهِ وعملِهِ مُختَلِفَةٌ تماماً عن طَرِيقَةِ تفكرينا وعمَلِنا، كما ترتَفِعُ السماواتُ عنِ الأرض. (إشعياء 55: 8، 9). وبينما يُقدِّمُ بُولُس هذا التعليم، يتحدَّانا ببِضعَةِ أسئِلة مثل: "بَل من أنتَ أيُّها الإنسانُ الذي [تسألُ الله لماذا خَلَقَ من نفسِ جبلَةِ الطين مُوسى وفِرعون]؟ ألعلَّ الجبلَةَ تقُولُ لجابِلِها لماذا صنعتَني هكذا؟" (رومية 9: 20، 21). إنَّهُ يُقدِّمُ أيضاً التفسير أنَّ الإختِيار ليسَ القضيَّةَ الأساسيَّة. فإن كُنَّا مُختارينَ للخلاص، فالقَضِيَّةُ الحقيقيَّة هي أنَّنا مُخَلَّصينَ بالنِّعمَة، وليسَ لأيِّ إنجازٍ حقَّقناهُ نتيجةً لِمجهُوداتِنا (رومية 9: 11). إنَّ مقطَعَ التمجيد الذي بدأتُ معَهُ هذا الفصل، والذي بهِ يختُمُ بُولُس تصريحَهُ العقائِديّ لهذه التحفة اللاهُوتيَّة، هو الطريقة الوحيدة التي بها نستطيعُ أن نتجاوَبَ معَ كُلِّ ما شاركنا بهِ بُولُس، بما في ذلكَ تعلمي الإختِيار. يُذكِّرُنا بُولُس هُنا في هذا المقطع التمجيديّ أنَّ اللهَ لم يحتَجْ أحداً منَّا ليكُونَ لهُ مُشيراً، عندما قرَّرَ كيفَ سيعمَلُ كُلَّ ما قصدَهُ بُولُس عندما كانَ يُخبِرُنا عن كونِ اللهِ مصدَر كُلِّ شيء، والقُوَّة الكامِنة وراءَ كُلِّ شيء، والهدف المقصُود من كُلِّ شيء.
|