في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
بينما يُرينا سِفرُ عَزرا المبادِئَ التي تُساعِدُنا على التَّأكُّدِ عمَّا إذا كانَ العمَلُ الذي نعمَلُهُ هُوَ عمَلُ اللهِ، فإن سفرَ نحميا يُركِّزُ على نوعِ القائد البشري الذي ينبغي أن يجدَهُ اللهُ إذا أرادَ أن يُحقِّقَ عملَهُ من خِلالِ الناس. ولقد كانَ نَحَميا بِنَفسِهِ مِثالاً لهذا القائدِ البَشَرِيّ. عندما كانَ نحميا والياً، إحتاجَ الشعبُ إلى نهضة. ولقد كان اليهودُ قد تزوَّجوا من زَوجاتٍ وأزواجٍ وثنيين عندما كانوا في بابل وبعدَ رجُوعِهم من بابل، الأمرُ الذي شَكَّلَ إنتِهاكاً صارِخاً لنامُوسِ الله. أَصغِ إلى توبيخِ نحميا لهؤُلاء: "وعندما لاحظتُ أن بعضاً من اليهود قد تزوَّجوا بنساءٍ من أشدود، عمون، وموآب، وأن الكثير من أولادِهم تكلَّموا بلُغةِ أشدود ولم يُمكِنُهم أن يتكلَّموا بلُغةِ يهوذا، تحاججتُ مع والديهم ولعنتُهم ولكمتُهُم وضربتُهُم وشددتُ شعرَهُم. فتعهَّدوا أمامَ الله أنهم لن يدعوا أبناءَهم يتزوَّجون مع الوثنيين من الآن فصاعداً." (نحميا 13: 23- 25) يُمكِنُكَ أن ترى أن نحميا كان لديهِ أُسلوبٌ آخر في القِيادة. أنا لا أعرفُ عن قُسُوسٍ يقودونَ كَنائِسَهُم بهذه الطريقة، ولكن هذا كان أُسلوب نحميا الذي إحتاجَهُ الشَّعبُ آنذاك. بإمكانِنا القَول أن عزرا كان مُهندِسَ عملِ الله الذي إستخرجَ الخارطة من كلمةِ الله، أما نحميا فكانَ البنَّاء. لقد كان نحميا رجُل الله البراغماتي. وكانَ مُحرِّكاً ومُنجِزاً روحياً. لقد آمنَ أنهُ عليهِ أن يخرُجَ خارجاً ويجعل عملَ اللهِ يُعمَل. إن هذين الرجُلين كِلاهُما نماذج رائعة عن القِيادة، حتى ولو إختلَفَ أُسلوبُهُما. إذ نقترِبُ من سفرِ نحميا، علينا أن نبحثَ عن مبادئ القِيادة أو الصِّفات التي ينبغي أن يجدَها اللهُ في شخصٍ سَيَستَخدِمُهُ، إذا كانَ اللهُ سيعملُ عملاً عظيماً. لقد أسميتُ سفرَ نحميا "صِفاتُ القائدِ لعملِ الله." وإليكُم الصفةَ الأولى التي ينبغي أن يجدَها اللهُ في شخصٍ يُريدُه اللهُ أن يقودَ عملاً كالذي أنجزَهُ في أيَّامِ نحميا. اللهُ يبحثُ عن شخصٍ مُثقَّلٍ بعملِ الله الذي سيعملُهُ. أحدُ أول العَلامات عن كونِ الله سوفَ يعملُ عملاً ما من خِلالِك هو عندما تشعُرُ بثقلٍ كبيرٍ لهذا العمل. فإذا كان اللهُ قد أعطاكَ ثقلاً عظيماً لعملٍ ما يحتاجُ أن يُعمَل، وإن كُنتَ تُصلِّي تجاهَ هذا العمل، فاللهُ لربَّما يُريدُكَ أن تكونَ جزءاً من إستجابتِهِ لصلاتِك. وهاكُم الصفةَ الثانية التي ينبغي أن يجدَها اللهُ في شخصٍ عندما يحتاجُ إليهِ ليقودَ عملَه. فعندما يُريدُ اللهُ من شخصٍ ما أن يقودَ عملَه، ينبغي أن يكونَ هذا الشخص قد سبقَ وأخذَ كلمةً من اللهِ بخصوصِ العمل الذي يُريدُهُ اللهُ أن يعملَهُ. في نحميا 1: 9، تَذَكَّرَ نحميا كَلِمةَ اللهِ لمُوسى: "وإن رَجَعْتُم إِليَّ وحَفِظتُم وَصَاياي وعَمِلتُمُوها، إن كانَ المَنفِيُّونَ مِنكُم في أقصاءِ السَّماواتِ، فَمِن هُناكَ أجمَعُهُم وآتي بهم إلى المكان ِالذي إختَرْتُ لإسكانِ إسمِي فيهِ." هذا المكانُ كانَ أُورشَليم. ولقد أرادَ اللهُ من نحميا أن يبنِيَ السُّورَ حولَ أُورشَليم. والآن ننظرُ إلى الصفة الثالثة للشخص الذي ينبغي أن يجدَهُ اللهُ ليقودَ عملَه. فينبغي أن يجدَ اللهُ شخصاً صاحِب إلتزام تجاهَ العمَل الذي يُريد اللهُ إتمامَه. فالرجُل الذي يجدُهُ اللهُ ليقودَ عملَهُ، ينبغي أن يكونَ لديهِ ليسَ فقط ثقلٌ لعملِ الله، وأن يكونَ لديهِ كلمةٌ من الله أو رؤيا تِجاهَ عملِ الله هذا، بل وأن يكونَ لديهِ إلتزامٌ لعملِ الله عندما يُريهِ إيَّاهُ الله. يُظهِرُ نحميا إلتزامَهُ لعملِ الله عندما كان لا يزالُ ساقِياً للأمبراطور. وكانَت شريعةُ مادي وفارس تقولُ أنهُ لا يجوزُ لأحدٍ أن يكونَ حزيناً أو سلبيَّاً في حضرةِ الأمبراطور، وإلا لربَّما يُصارُ إلى إعدامِهِ. في الإصحاح الثاني من سفرِ نحميا نقرأُ أنهُ ذاتَ يومٍ نظرَ الأمبراطور إلى نحميا وسألَهُ، "ما بالُكَ كئيباً؟" قالَ نحميا، "فَخِفْتُ وَصَلَّيتُ بِصَمتٍ" وهُنا نجدُ نحميا يُظهِرُ إلتزامَهُ، "ولكنِّي أجبتُ، " لِيَحيَ المَلِكُ إلى الأبد. كيفَ لا يَكمَدُّ وجهي والمدينةُ بيتُ مقابِرِ آبائي خرابٌ وأبوابُها قد أكلتها النار." (3) لقد كانَ الربُّ مع نحميا لأنَّ الأمبراطور قال، "ماذا أنتَ طالبٌ؟" (4) وهُنا يقولُ نحميا، "فصلَّيتُ إلى إلهِ السماء. وقُلتُ للملك إذا سُرَّ الملِكُ وإذا أحسنَ عبدُكَ أمامكَ تُرسِلُني إلى يهوذا إلى مدينةِ قُبورِ آبائي لأبنيَها." (5) وحدثَ أنهُ ليسَ فقط أن الأمبراطور وافقَ على السماحِ لنحميا بالذهاب، بل زوَّدَهُ بالمواد اللازمة للعمل. لقد باركَ اللهُ نحميا بسبب إلتزامِهِ بعملِ الله. الصفة الرابعة التي ينبغي أن يجدَها اللهُ في الشخص الذي سيعملُ عملَه، هي أن تكونَ عندَهُ رُؤيا لعملِ الله. "فبدونِ رُؤيا يجمحُ الشعب." (أمثال 29:18). إن قائدَ عملِ الله يجب أن تكون عندَهُ رؤيا، وأن يُشارِكَ هذه الرؤيا. فعندما رجعَ نحميا إلى أورشليم، تفحَّصَ حالَةَ المَدينَةِ سِرَّاً، إلى أن حصلَ على المَعلُوماتِ التي كانَ يحتاجُها. ثُمَّ إلتَقَى معَ الكَهَنَة، النُّبلاء، والرَّسمِيِّين، قائِلاً لهُم، "هَلُّمُوا نَبنِي سُورَ أُورشَليم." (17) وعندما عرفَ بالتَّحديد ما أرادَ أن يعمَلَهُ، أخبَرَ الآخرين. الصفةُ الخامسة للقائد هي جعلَ الآخرين ينخرِطونَ معهُ في عملِ الله. فعندما شاركَ هذا القائدُ رُؤياهُ مع شعبِ الله، تَبِعَهُ الشعبُ. أحياناً يقضي بَعضُ القادة الروحيُّون وقتَهم في اليأسِ والنوح لأن شعبَ الله لن يتبَعَهُم. أولئكَ الذين هم مدعوون ليكونوا قادةً أو رُعاةً لشعبِ الله، عليهم أن يُدرِكوا أن النقص في الأتباع يُعطِي إنطِباعاً سَلبيَّاً عن قِيادَتِنا. لأنَّ أحد صفات القائد الذي يختارُهُ الله هو القُدرة على تحريكِ شعبِ الله لإتِّباعِه في القِيامِ بعملِ الله. صفةٌ سادسة عن القائد الحقيقيّ المَمسُوح، هو أنهُ شخصٌ يتعرَّضُ للإنتقاد عندما يقودُ عمل الله. فسُرعانَ ما يبدأُ القائدُ يعملُ شيئاً، خاصة في عملِ الله، حتَّى تبدأ المُقاومةُ والإنتقاد، حتى من المؤمنين الأتقياء أحياناً. تظهرُ هذه الصفة مع نحميا لكثرةِ مُنتقِديه. (4: 1- 3) الصفةُ السابعة التي يتَّسمُ بها القائدُ هي حياة الصلاة التي تتمحورُ حول عملِ الله. ففي سفرِ نحميا، لاحظ كم مرَّة يقولُ فيها نحميا أنهُ صلَّى. لقد صلَّى نحميا عفويَّاً عندما كان الناسُ يهزأون به (4: 4- 5). ولقد صَلَّى قبلَ أن يُكَلِّمَ المَلِك (2: 4). وهُوَ يُرينا ماذا يعني أن نُطَبِّقَ تَوصِيَةَ بُولُس الرسول الذي يَقُولُ، "صلُّوا بِلا إنقطاع." (1 تسالُونيكي 5: 17) الصفةُ الثامنة للقائد، هي أنهُ شخصٌ يكونُ مع الشعبِ عندما يقومونَ بعملِ الله. هذا ما نراهُ في نحميا الذي نجدُهُ يعملُ على السور مع الشعب الذين حضَّهم ليعملوا عملَ الله. صفةٌ تاسِعَةٌ للقائد هو أنهُ شخصٌ يستنكِرُ ببرٍّ كُلَّ مُقاومةٍ أو عائقٍ ضدَّ عملِ الله. ما هو الفرق بين الإستنكار المُقدَّس وبين الغضب؟ فإذا غضِبتَ بسبب إعتراض شيء أو أحد ما طريقَك، وإذا كُنتَ مُصمِّماً أن تُتابِعَ طريقك، فهذا الغضب هو خطيَّة. ولكن، إذا كُنتَ تعملُ عملَ الله، وكُنتَ غاضِباً على قوَّاتِ الجحيم التي تعترضُ سبيلك، فغضبُكَ هذا هو إستنكارٌ مُقدَّس. فعندما رأى يسوعُ أنَّ رجالَ الدين حوَّلوا بيتَ الله إلى سوقِ تِجارةٍ وإلى مغارة لُصوص، عبَّرَ يسوعُ عن غضبِهِ المقدَّس. (أُنظُرْ يُوحَنَّا 2: 12- 16). فقائدُ عملِ الله قد يغضبُ بشدَّةٍ بمعنى الإستنكار المُقدَّس، عندما يتعرَّضُ عملُ اللهِ للمُقاومة. بهذه الطريقة يُقدِّمُ نحميا لنا مِثالاً عنِ القائِد الذي لدَيهِ الإستنكار المُقدَّس. الصفةُ العاشِرَةُ التي ينبغي أن يتحلَّى بها الشخص الذي سيقودُ عملَ الله هي أن يكونَ ذا تكريسٍ كُلِّيٍّ لعملِ الله. أصغوا إلى هذه الأعداد من نحميا الإصحاح الرابع: "فكُنَّا نحنُ نعملُ العمل وكانَ نِصفُهُم يُمسِكُونَ الرِّماح من طُلُوعِ الفَجرِ إلى ظُهورِ النجوم. وقُلتُ في ذلكَ الوقتِ أيضاً للشعبِ لِيَبِتْ كُلُّ واحدٍ مع غُلامِهِ في وسطِ أورشليم ليكونوا لنا حُرَّاساً في الليل وللعمل في النَّهار. ولم أكُنْ أنا ولا إخوتي ولا غِلماني ولا الحُرَّاس الذين ورائي نخلعُ ثِيابَنا. كانَ كُلُّ واحدٍ يذهبُ بِسلاحِهِ إلى الماء." نحميا 4: 21- 23) إن هذا هو أفضلُ إيضاحٍ عمَّا يعنيهِ التكريس لِعَمَلِ الله. الصفة الحادية عشر لقائدِ عملِ الله هي أنهُ شخصٌ يتمتَّعُ برؤية من خِلالِ نفَق. يُمكن للرؤية من خِلالِ نفَق أن تكونَ صفةً سلبيَّةً أو إيجابيَّة. تُصبِحُ هذه الصِّفَةُ سَلبِيَّةً عندما نرفُضُ بِسَبَبها الإصغاءَ إلى أيَّةِ نصيحَة. ولكن هذه الصفة قد تكونُ إيجابيَّة عندما لا تَسمَحُ لنا بان نلتَهي عن القِيامِ بِعَمَلِ الله. لم يستطِعْ أحدٌ أن يُوقفَ نحميا عن إتمامِ بناءِ السور. كثيرونَ حاولوا بشتَّى الوسائل أن يُبطِلوا نحميا عن عملِهِ في بِناءِ السور، ولم يستطِعْ أحدٌ من هؤلاء أن ينهيَه عن عملِه، لأنَّهُ رأى هدَفَهُ من خِلالِ نفق. الصفة الثانية عشر للقائد الذي يختارُهُ الله هي أنَّهُ شخصٌ ذو قَناعاتٍ قويَّة. في الإصحاح الخامس، عندما لاحظَ نحميا أن بعضَ الأُمورِ لا تسيرُ على ما يُرام، وأن البعضَ من الشعب يسلُبون إخوتَهم بأخذِهم فائدةً مُرتَفِعَةً على دُيونِهم، ألزَمَهُم نحميا بأن يتعهَّدوا أن لا يسلبوا إخوتَهُم اليهود مُجدَّداً. (1- 13) لقد كانَ نحميا رجُلَ قناعاتٍ قوية. الصفة الثالثة عشر للقائد هي أنهُ ذلكَ الشخص صاحبُ الثقة العظيمة. فنحميا كانَ مُتيقِّناً أنهُ يعملُ عملاً عظيماً للرب، وأن اللهَ دعاهُ للقيامِ بهذا العمل. هذا أعطى نحميا ثِقَةً لا تَتَزعزَع بينما كانَ يَقُومُ بالعَمَلِ الذي إئتَمَنَهُ عليهِ الله. الصفةُ الرابعةُ عشر للقائد هي أنهُ شَخصٌ ذو شجاعةٍ لا تعرفُ الخوف. إن الشجاعةَ هي صفةٌ هامَّةٌ من صِفاتِ القائد الذي يستخدِمُهُ الله. الصفةُ الخامسةُ عشر للقائد الذي يستخدِمُهُ الله هي أنهُ شخصٌ مُثابِر. في الإصحاح الخامس من رسالة رومية، يصفُ بولس العمليَّةَ التي يستخدِمُ اللهُ فيها الألم لإعدادِ قائدٍ لعمَلِه. "عالِمينَ أنَّ الضِّيقَ يُنشِئُ صَبراً، والصَّبرُ تَزكِيَةً، والتَّزكِيَةُ رَجاءً. والرجاءُ لا يُخزي، لأن محبَّة الله قدِ انسكَبَت في قُلُوبِنا بالروحِ القُدُس المُعطَى لنا." (3- 5). إن معنى هذا العدد في اللغةِ الأصليَّة هو، "لن يهربوا، بل سيُثابِرون على عملِهِم مُتَحَمِّلِينَ الضَّغط." الصفة السادسة عشر هي أن القائد الذي يختارُهُ الله لهُ مواهب تنظيميَّة. نجدُ في كلمةِ الله نِظاماً مُتكامِلاً لعملِ اللهِ في الكنيسة. (أُنظُرْ 1كُورنثُوس 12: 28، خاصَّةً مَوهِبَة التَّدبير والإدارَة). وفي الإصحاح السابع من سفرِ نحميا، عَيَّنَ نحميا لاويين وقادَةً وحُرَّاساً. ولقد نظَّمَ سِجِلاً بِأَسماءِ الشَّعبِ بِحَسَبِ العائِلات. هذا ما هُوَ التَّنظيم. الصفةُ السابعةُ عشر للقائد الذي يستخدِمُهُ اللهُ هي أنهُ شخصٌ لهُ هدفٌ أَوَّلَوِيّ. في الإصحاح العاشر من سفرِ نحميا، والأعداد 30-37، نُلاحظُ أولويَّات نحميا. فلقد دعا نحميا الشعبَ للإجتماع بِصِفَتِهِ قائداً لهم، وجعلَهُم يتعهَّدون بأن لا يُزوِّجوا أولادهِم لأولاد الوثنيين، وبأنَّهُم لن يعملوا يومَ السبت، وأنهم لن يعمَلوا في كُلِّ سنةٍ سابعة، وأنهم سوفَ يفرضونَ على أنفُسِهِم ضريبةَ الهيكل، وأنهُم سوفَ يُعطُون باكوراتِ غلَّتِهِم لله، وكذلكَ البكرُ من أبنائهم والبِكرُ من ماشيَتِهم. ولقد وعدَ شعبُ الله نحميا بأن يُعطُوا اللهَ عُشراً من كُلِّ شيء. فنحميا يعرفُ ما هي أولويَّاتُه، ويقودُ شعبَ اللهِ للمُوافقةِ معهُ على أولويَّاتِ الله هذه. الصفة الثامنة عشر للقائد الذي يختارُهُ اللهُ ليقودَ عملَهُ، هي أنَّهُ يحملُ عصا الراعي. وكراعٍ صالح، يستخدِمُ القائدُ عصا الراعي ليقودَ وليُؤدِّبَ شعبَ الله. وكَوَالِدٍ صالِح، ينبَغي أن يُحِبَّ القائِدُ شعبَهُ كفايَةً لكي يستَطيعَ تأديبَهُم. الصفةُ التاسعةُ عشر لِلقائِد هي أنَّهُ واعٍ لَطبيعَتِهِ البَشَريَّة الضَّعيفَة. فالقائِدُ هُوَ بَشَرِيٌّ يعي كونَهُ كذلكَ. وهُوَ ليسَ فقط واعٍ لطبيعتهِ البَشَريَّة الشَّخصِيَّة، بَل وأيضاً للنَّاسِ الذي يَقُودُهم. أخيراً، يُقدِّمُ لنا نحميا الصفةَ العشرين للشخص الذي يختارُهُ الله، والتي هي إتمام العمَل الذي أعطاهُ إيَّاهُ اللهُ لتمجيدِهِ. ولقد أتمَّ نحميا بِناء السور لِمَجدِ الله. ينبغي أن لا يغيبَ خطُّ النهايةِ عن ناظِرَينا أبداً، عندما نقومُ بالعمل الذي يُريدُنا اللهُ أن نعملَه. فقائدُ عملِ الله هو شخصٌ يستطيعُ القول مع يسوع، "أنا مجَّدتُكَ على الأرض. العَمَل الذي أَعطَيتَني لأَعمَلَ قد أَكمَلتُهُ. قد أُكمِل." (يوحنا 17: 4؛ 19: 30). إنَّ مَوضُوعَ رِسالَةِ بُولُس الرسُول الأُولى إلى أهلِ تسالونيكي هُو مَجيءُ يسُوع المسيح ثانِيَةً. لقد كانَ هذا الموضُوعُ هامَّاً للمُؤمنين في تسالونيكي، لأنَّ بُولُس علَّمَهُم هذه الحقيقة، رُغمَّ أنَّهُ لم يبقَ معَهُم إلا فترَةً وَجيزَةً. في سفرِ الأعمال، هُناكَ وصفٌ جَميلٌ عن كيفَ زُرِعت الكنيسةُ في تسالونيكي (أعمال 17: 1- 15) إنَّ هذه الأعداد تُساعِدُنا أيضاً على فهمِ خدخة بُولُس غير الأعتِيادِيَّة التي قامَ بها في تِلكَ المدينة عندما تأسَّسَت هذه الكنيسة. لقد تأسَّست هذه الكنيسةُ الديناميكيَّة في غُضُونِ أقَلِّ من شَهر، لأنَّ بُولُس لم يقضِ معهُم سِوى ثلاثَة سُبُوت. فرُغمَ أنَّ بُولُس ذهبَ إلى المجمَع ووعَظَ، ولكنَّ المُهتَدينَ الأوائِل في تسالونيكي لم يكُونُوا يهُوداً، بل يُونانِيِّينَ بارِزين من رِجالٍ ونِساء. ونتيجَةً لهذا، غارَ اليهودُ كثيراً من بُولُس وحسدُوهُ. ولقد إضطَّهَدُوهُ بِقَسوَة، لدرجَةِ أنَّهُ كانَ عليهِ أن يترُكَ المدينة، وأن يذهَبَ أوَّلاً إلى بيريَّة، ومن ثَمَّ إلى أثينا وكُورنثُوس، حيثُ كتبَ رِسالتَهُ الأُولى للتَّسالُونيكيِّين. ولقد بَقِيَ تيموثاوُس وسيلا في تسالونيكي، ولِحقا ببُولُس فيما بعد. لا بُدَّ أن بُولُس كانَ قد شدَّدَ كثيراً على مجيء المسيح ثانِيَةً عندما قضى أسابِيعَهُ الثلاثة في تسالونيكي. وعندما لَحِقُ تيمُوثاوُس ببُولُس إلى كُورنثُوس، أعطاهُ تقريراً عن حالَةِ المُؤمنين الذين تركَهُم وراءَهُ في تسالونيكي. ولقد أخبَرَ تيمُوثاوُسُ بُولُسَ أنَّهُ رُغم كونِ التسالونيكيِّين أقوياءَ في الرَّب، ولكنَّ اليهُود كانُوا يضطَّهِدُونَهُم، لدرجَةِ أنَّ الكثيرينَ من المُؤمنينَ الجُدُد فقدُوا حياتَهُم. ولقد أخبَرَ تيمُوثاوُس بُولُس أنَّ التسالونِيكيِّين كانَ عندَهم الكثير من الأسئِلة عن تعليمِهِ عن مجيء المسيح ثانِيَةً. وكانُوا مُهتَمِّينَ أن يعرِفُوا مَصِيرَ أحِبَّائِهم الذين كانُوا يستَشهِدونَ وسطَ الإضطِّهاد. فهل ستفُوتُهم البَرَكاتُ عندما يرجعُ المسيحُ لأجلِ كنيستِه؟ معَ وُجهَةِ النَّظَرِ هذهِ، لنُفكِّر بهذه الكلمات لبُولُس الرسُول، التي تُركِّزُ على مجيءِ المسيح ثانِيَةً، وعلى إختِطافِ الكَنيسة. إنَّ إختِطافَ الكنيسة هُوَ التعليمُ أنَّ المُؤمنين سيُختطَفُونَ إلى السماء، قبلَ رُجُوعِ المسيح. يُرينا بُولُس قلباً مملووءاً بالمحبَّة تجاهَ التسالونيكيِّين المُضطَّهَدِين عندما يقُول: "ثُمَّ لا أُريدُ أن تَجهَلُوا أيُّها الإخوة من جِهَةِ الرَّاقِدينَ لِكَي لا تحزَنُوا كالباقِينَ الذينَ لا رجاءَ لهُم. لأنَّهُ إن كُنَّا نُؤمِنُ أنَّ يسُوعَ ماتَ وقامَ، فكذلكَ الرَّاقِدونَ بيسُوع سيُحضِرُهم اللهُ أيضاً معَهُ. فإنَّنا نقُولُ لكُم هذا بِكَلِمَةِ الرَّبّ إنَّنا نحنُ الأحياءُ الباقِين إلى مَجيءِ الرَّبّ لا نسبِقُ الرَّاقِدين. لأنَّ الرَّبَّ نفسَهُ بِهُتافٍ بِصَوتِ رئيسِ ملائكةٍ وبُوقِ الله سوفَ ينزِلُ من السماءِ والأمواتُ في المسيح سيقُومُونَ أوّلاً. ثُمَّ نحنُ الأحياء الباقِين سنُخطَفُ جميعاً معهُم في السُّحُب لمُلاقاةِ الرَّبِّ في الهواء. وهكذا نكُونُ كُلَّ حينٍ معَ الرَّب. لذلكَ عزُّوا بعضُكُم بعضاً بهذا الكلام." هذا واحِدٌ من عدَّةِ مقاطِع من كلمةِ اللهِ حولَ مجيء يسوع المسيح ثانِيةً. لاحظوا الأمُور التي كانت على قَلبِ بُولُس عندما كتبَ هذا المقطع. كمُعلِّمٍ عظيم، لم يُرِدْ بُولُس لهؤلاء المُؤمنين الجُدُد المُضطَّهَدِين في تسالونيكي، أن يكُونوا جاهِلينَ حِيالَ بعضِ نواحي مجيء يسُوع ثانِيَةً. (1تسالونيكي 4: 13) وبما أنَّ بُولُس كانَ مُرسَلاً عظيماً، لم يُرِدْ لهَؤُلاء المُؤمنين التسالونيكيِّين أن يكُونُوا بدُونِ إيمان. فلقد كتبَ ما معناهُ أنَّنا إذا آمنَّا أنَّ يسُوعَ ماتَ وقام، بإمكانِنا أن نُؤمِنَ بِقيامَةِ أحبَّائِنا من الموت (4: 14). ثُمَّ يُخبِرُهُم بالتفصيل عن إختِطافِ الكنيسة. بما أنَّ بُولُس هُوَ نَبِيٌّ عظيم، لم يُرِدْ أن يكُونَ التسالونيكيُّونَ بِدُونِ كَلِمَةٍ من الرَّبّ. كتبَ أنَّهُ يَقُولُ لهُم هذا "بكلمةِ الرَّب." (4: 15) وأخيراً، بما أنَّ بُولُس هُوَ راعٍ عظيم، لم يُرِدْ أن يكُونَ هؤُلاء الإخوة المحبُوبون بِدونِ رجاء وبدونِ عزاء. لرُبَّما كانَ هذا الدافِعُ الرئيسيّ عندَ بُولُس في مُشاركَتِهِ هذه الحقيقَة معَ التسالونيكيِّين، بسبب كونِهم مُهتَمِّينَ بأحبِّائِهم الذين كانُوا يُقتَلُونَ من أجلِ إيمانِهم. كتبَ يقُول أنَّهُ عندما سيأتي المسيحُ ثانِيَةً، "الأمواتُ في المسيح سيقُومُونَ أوَّلاً." (4: 16) إنَّ إختِطافَ الكنيسة هُوَ التعليمُ الأكثَرُ أهمِّيَّةً في هذا المقطع الدينامِيكيّ من الكتاب المقدَّس. (1كُورنثُوس 15: 51، 52) لقد علَّمَ يسُوعُ هذه الحقيقة نفسَهَا في عِظَتِهِ على جَبَلِ الزيتُون (متَّى 24: 40، 41). يُعلِّمُ بُولُس التطبيقات العمليَّة للإيمانِ برُجوعِ المسيحِ، من بدايَةِ هذه الرِّسالة إلى التسالُونيكيِّين. فلقد كتبَ في تحيَّتِهِ يقُول: "نَشكُرُ اللهَ كُلَّ حِينٍ من جِهَةِ جميعِكُم ذاكِرينَ إيَّاكُم في صَلَواتِنا. مُتَذَكِّرينَ بِلا إنقطاعٍ عَمَلَ إيمانِكُم وصبرَ محبَّتِكُم رَبَّنا يسُوع المسيح." كانَ لَدَى بُولُس سببٌ لذكرِ "عملِ إيمانِهم" و "تعبَ محبَّتِهم" عندما كتبَ لمُؤمني هذه الكنيسة. فبما أنَّ التسالونيكيِّين أساؤُوا فهمَ تعليمِهِ عن مجيءِ المسيح ثانِيَةً، يبدو أنَّ بعضَهُم تركُوا عملَهُم. لقد ظَنُّوا أنَّ مجيءَ المسيح ثانِيَةً كانَ قد صارَ وَشيكاً، فجلسُوا ينتَظِرُونَ مجيءَ الرَّب. لهذا، لمَّحَ بُولُس إلى أنَّهُم إن كانُوا يُؤمِنُونَ بمجيءَ المسيح ثانِيَةً، عليهم أن يعمَلُوا عملَ المحبَّةِ للمسيح. في 1تسالونيكي 2، نجدُ وصفاً جميلاً من قِبلِ بُولُس للمُرسَلِ النمُوذَجِيّ. لاحِظُوا شجاعَةَ بُولُس وجرأتَهُ وصُدقَهُ وإستِقامَتَهُ وأمانتَهُ للهِ ولكلمتِه. قالَ للتَّسالُونيكيِّين أنَّ هدَفَ حياتِهِ هُوَ خير التسالونيكيَّين وإزدهارهم الرُّوحي (1تس2: 1-12). في الإصحاحِ الثالِث، نجدُ وصفاً عن سببِ كِتابَةِ هذه الرسالة، حيثُ يقُولُ بُولُس: "من أجلِ هذا إذ لم أحتَمِلْ أيضاً أرسَلتُ لِكَي أعرِفَ إيمانَكُم لَعَلَّ المُجرِّبَ يكُونُ قد جَرَّبَكُم فَيَصِيرَ تعَبُنا باطِلاً. وأمَّا الآن فإذ جاءَ إلينا تِيمُوثاوُس من عِندِكُم وبَشَّرَنا بإيمانِكُم ومَحَبَّتِكُم وبأنَّ عِندَكُم ذكراً لنا حسناً كُلَّ حِينٍ وأنتُم مُشتاقُونَ أن تَرَونا كما نحنُ أيضاً أن نراكُم. فمن أجلِ هذا تعزَّينا أيُّها الإخوة من جِهَتِكُم في ضِيقَتِنا وضَرورَتِنا بإيمانِكُم. لأنَّنا الآنَ نَعيشُ إن ثَبَتُّم أنتُم في الرَّبّ." (1تسالونيكي 3: 5- 8) هذه نظرَةٌ جميلةٌ نتعرَّفُ من خِلالِها على القَلبِ العظيم لبُولُس المُرسَل، الراعي، المُعلِّم، وكاتِب نِصف العهدِ الجديد. هَل تُؤمِنُونَ بإختِطافِ كنيسةِ يسُوع المسيح؟ لقد شارَكنا بُولُس الرسُول بهذا، لأنَّهُ أرادَنا أن نتعزَّى. فلا تُفوِّتُوا على أنفُسِكُم العزاء الذي يُمكِنُ إيجادُهُ في التعليم عن إختِطافِ الكنيسة. إنَّهُ الرَّجاءُ المُبَارَك لكُلِّ من يُؤمن، والرجاءُ الوحيدُ لهذا العالم. في الإصحاحِ الرَّابِع، بالإضافَةِ إلى المقطَع الذي ركَّزنا عليهِ، يبدَأُ بُولُس بإعطاءِ بعض التطبيقات العمليَّة لهذا التعليم. فهُوَ يُخبِرُ التسالونيكيِّين المُنتَظِرينَ رُجوعَ المسيح قَريباً، بأنَّهم سيكُونُونَ شُهُوداً صالحين بحياتِهم الهادِئة وعملِهم بإجتِهاد (4: 11- 12). في الإصحاحِ الخامِس، قدَّمَ بُولُس أوَّلاً بعضَ المُلاحظاتِ عن تَوقيتِ المجيءِ الثاني، ثُمَّ ينتَقِلُ لِيُصبِحَ عمَلِيَّاً للغايَة بتشديدهِ على التطبيقات الواضِحة الأساسيَّة لهذا التعليم. كتبَ يقُول: "وأمَّا الأزمِنَة والأوقات فلا حاجَةَ لكُم أيُّها الإخوة أن أَكتُبَ إليكُم عنها. لأنَّكُم أنتُم تعلَمُونَ بالتَّحقيق أنَّ يومَ الرَّبِّ كَلِصٍّ في اللَّيل هكذا يجيء. لأنَّهُ حينما يقُولونَ سلامٌ وأمانٌ حينئذٍ يُفاجِئُهم هلاكٌ بغتَةً كالمخاضِ للحُبلى فلا ينجُون." (1- 3) في هذا المقطَع، يبدُو أنَّ بُولُس يقُولُ أنَّهُ علينا أن نعتَرِفَ بجهلِنا لتحديدِ وقتِ رُجُوعِ المسيح. ولكنَّ بُولُس يُتابِعُ بالقَول: "وأمَّا أنتُم أيُّها الإخوة فَلَستُم في ظُلمَةٍ حتَّى يُدرِكَكُم ذلكَ اليومُ كَلِصٍّ. جَميعُكُم أبناءُ نُورٍ وأبناءُ نَهار. لسنا من لَيلٍ ولا ظُلمَةٍ. فلا ننَمْ إذاً كالباقِينَ بَلْ لِنَسهَرْ ونَصحُ." (1تسالونيكي 5: 4- 6) إلى جانِبِ إختِطافِ الكنيسة، هُناكَ عِدَّةُ أحداثٍ أُخرى علينا أن نُلاحِظَها حِيالَ مجيء المسيح ثانِيَةً، مثل مُلك الألف سنة (أنظُر رُؤيا 20: 4- 6). بعضُهم يُفسِّرُ هذا المُلك حرفِيَّاً؛ وبعضُهم الآخر يُفسِّرُهُ مجازِيَّاً. فإذا كُنتَ تقُولُ أنَّ هذا المُلك هُوَ مُلكٌ رُوحِيٌّ أو مجازِيٌّ، فأنتَ تُسمَّى "لا-ألفِيّ." وإن كُنتَ تُؤمِنُ أنَّ يسُوعَ المسيح سيرجِعُ قبلَ أن يُؤسِّسَ مُلكَهُ على الأرض لألفِ سنةٍ، فأنتَ تُسمَّى "قبل-ألفِيّ." وإن كُنتَ تُؤمِنُ أنَّ الأُمُور ستَتَحسَّنُ تدريجيَّاً، وأنَّ ملكوتَ الله سيُصبِحُ حقيقَةً هُنا على الأرض، وفي تِلكَ المرحلة سوفَ يرجِعُ يسُوعُ المسيح، فأنتَ تُسمَّى "بعد-ألفِيّ." وهُناكَ أُولئكَ الذين يُسمُّونَ أنفُسَهُم "كُلّ-ألفِيِّين،" لأنَّهُم يُؤمِنُونَ بأنَّ "كُلَّ" شَيءٍ سيكُونُ على ما يُرام. ولكن، مهما كانت نظرتُكَ اللاهُوتيَّة حيالَ المجيءِ الثاني، فإنَّ المقطَعَ التطبيقي من رسالةِ بُولُس الرسُول الأُولى إلى أهلِ تسالونيكي هُوَ عمَليٌّ للغايَة، خاصَّةً في نهايَةِ الإصحاحِ الخامِس، والأعداد 12- 22. هُنا يُعطي فيضاً من التوصِيات حولَ ماذا ينبَغي أن تكُونَ مواقِفُ المُؤمن وأعمالُهُ على ضوءِ رُجوعِ المسيح ثانِيَةً. هُناكَ حقيقتانِ هامَّتانِ علينا أن نتعلَّمَهما ونُطَبِّقَهُما علىحياتِنا، من هذه الرِّسالة الأُولى إلى أهلِ تسالونيكي. أوَّلاً، أنَّ الرَّبَّ يسُوع آتٍ ثانِيَةً؛ وثانِياً، علينا أن ننخَرِطَ في عمَلِ محبَّةٍ من أجلِهِ بينما نجلِسُ وننتَظِرُ رُجُوعَهُ.
|