في ظِلالِ الكلمة
رسالة كورنثوس الثانية 11

أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن

نص : ALB - INJEEL   |   صوت : MISLR - ABAUD - FOCHT   |   فيديو : BIB

أدوات الدراسة : البوليسية - الكتاب المقدس - ترجمة كتاب الحياة - الترجمة المشتركة - القاموس اليوناني - في ظِلالِ الكلمة - الخزانة من الكتاب المقدس


المبدَأُ الخَامِسُ الذي تأمَّلنا بهِ في سِفرِ عَزرا كانَ التَّالي: عندما نُصَمِّمُ أن نعمَلَ عملَ اللهِ، سوفَ تُقاوِمُنا سُلطَةُ الشَّرِّ في هذا العالم. نحتاجُ أن ندرُسَ ستراتيجيَّات إبليس بأكثَرِ عُمقٍ، لِكَي نفهَمَ ماذا كانَ على عزرا وبَاقي اليَهُود أن يُواجِهُوهُ بعدَ عودَتِهِم.

يحضُّنا الرسول بولس على فهمِ مكائدِ الشيطان. (أُنظُرْ 2 كُورنثُوس 2: 11؛ 10: 3- 5؛ 11: 13- 15) فالشَّيطانُ مُخادِعٌ، وهو يُحبُّ أن يُقلِّدَ وأن يغش. وهُوَ يَعرِفُ أنَّ أعظمَ عدو للأحسن هو الحسن. عندما يعملُ اللهُ من خِلالِكَ، سوفَ تختبر أحسن ما عند الله. أما الشيطان فلا يُريدُكَ أن تختبرَ أحسن ما عند الله. بما أن الشيطانَ خارقُ الذكاء، فهو يعرفُ أنهُ لن ينجحَ في إلهائِكَ عن عملِ الله بأن يجعلَكَ تسرق المصارف. ولكن ما سيفعلُهُ هو أن يُجرِّبَكَ أن تعملَ شيئاً آخر غير عمل الله، والذي يكونُ أيضاً حسناً. فإذا أرادَكَ اللهُ أن تكونَ طبيباً مُرسَلاً، وإذا كانت هذه خطة الله الأحسن لحياتِك، سوفَ يُجرِّبُكَ الشيطان بأن تكونَ طبيباً حسناً في بلادِكَ. وسوفَ يُكَلِّمُكَ الشيطانُ من خِلالِ أفضلِ أصدقائكَ عندما يقولون، "نحتاجُ إلى أطبَّاءَ جيِّدين هُنا. فلماذا تُريدُ أن تذهبَ إلى بَلَدٍ فَقيرٍ جِدَّاً لتُمارسَ الطب؟" وسوفَ يكُونُ هذا هدفاً حَسَناً في حياتِكَ، ولكنَّهُ لن يكُونَ الأحسن الذي يُريدُهُ لكَ اللهُ، ألا وهُوَ أن تَكُونَ مُرسَلاً طَبيباً في بَلدٍ فقيرٍ تصعُبُ فيهِ الخدمَة ُالإرساليَّة.

المبدأُ النموذجي السادسُ الذي يُبرِزُهُ لنا عزرا مُرتبِطٌ بشكلٍ وثيق بالمبدأ الخامس الذي سبقَ ودرسناه: دائماً توقَّع مُقاومة عندما تُحاول أن تعملَ عملَ الله. أحياناً عندما يُصمِّمُ الناسُ على أن يعملوا عملَ الله، فسُرعان ما يُواجهون المقاومة، حتى يتساءلون، "هل أسأتُ فهمَ إرشادِ الله؟ هل أخذتُ منهُ الوُجهةَ الصحيحة؟ ما الخطأُ في عملي؟" هذه الأسئلة تُشيرُ وكأننا لا ينبغي أن نواجهَ أيَّةَ مُقاومة عندما نعملُ عملَ الله. وهذا غيرُ صحيح. فاللهُ يعملُ من خلالِ أُناسٍ، والشيطانُ يعملُ من خِلالِ أُناسٍ آخرين. وبما أن الشيطان يُقاومُ كُلَّ ما يعملُهُ وما يُريدُ أن يعملَهُ يسوع المسيح، ينبغي أن نتوقَّعَ مُقاومةً عندما يعملُ المسيحُ من خِلالِنا. أحياناً عندما يُقاوِمُكَ الناسُ، لا ينتبِهون أنهم بمُقاومتهم إياكَ يكونون سُفراء الشيطان.(مَرقُس 8: 27- 33)

يُخبِرُنا سفرُ عزرا أن هذه المُقاومة سوفَ تأتي من إتِّجاهين. أولاً، وكما تتوقَّع، ستجدُ المُقاومةَ الواضحة من الخارج. سوفَ يكُونُ هُناكَ الكَثيرُ منَ النَّاسِ على الأرض، الذين لن يُريدُوا لنا الخَير عندَما نُصَمِّمُ أن نعمَلَ عملَ الله. مثلاً، عندما عادَ أهلُ السبي إلى أورشليم ليُعيدوا بِناءَ الهيكل، قامَ السُكَّانُ المحلِّيون بإحباطِ عزيمتِهم وبترويعِهِم. وأرسلوا رسائلَ إلى الملك أرتَحْشَشْتا مملوءةً بالأكاذيب. فأضطُّرَّ شَعبُ اللهِ على إيقافِ عمليَّةِ إعادَةِ بناءِ الهَيكَل.(عزرا 4) وكذلكَ يَقُولُ سفرُ نحميا أنهم عندما كانوا يبنون السور، كانوا يحمِلونَ عدَّةَ البناء بيدٍ، وباليَدِ الأُخرَى سيوفاً. (نحميا 4: 17) فبطريقةٍ ما، من الأسهل التعامل مع المقاومة من الخارج لأنها واضحةٌ ومُتوقَّعة. وبالتالي يُمكِنُ تطويرُ إستراتيجيَّة لمُكافَحتِها.

أما النوعُ الثاني من المقاومة فيأتي من الداخل. عندما رجعَ المَسبيون لإعادةِ بِناء الهيكل، إقتربَ الوثنيون الذي كانوا يعيشون في أورشليم واليهوديَّة، إقتربوا من زَرُبَّابِل الوالي ومن يهوشع الكاهن، اللذين قادا الحملة الأولى للعودة. وقالَ هؤلاء الوثنيون، "دعونَا نعملُ معكُم، لأننا مُهتمُّون بعملِ الله مثلكُم تماماً. ولقد قدَّمنا ذبائحَ للهِ مُنذُ أن أتى بِنا أسرحَدُّون ملكُ أشور إلى هُنا." (عزرا 4: 2) فأجابَ زربَّابِل ويهوشع قائلَين، "كلا، ليسَ لكُم نصيبٌ في هذا العمل. فهيكلُ الله يبنيهِ شعبُ الله، تماماً كما أمرَ الملك كوروش." (عزرا 4: 3) وبهذا رسمَ زربَّابِل مبدأً نموذجيَّاً لعملِ الله. شعبُ الله هو الذي ينبغي أن يعملَ عملَ الله. بإمكانِنا أن نُعَبِّرَ عن هذا المبدأ كالتَّالي:

إنَّها خطةُ الله،

أن يستخدِمَ قوةَ الله،

في شعبِ الله،

لإتمامِ مقاصِدِ الله،

بحسبِ خطةِ الله.

فعملُ الله الحقيقي ينبغي أن يقومَ بهِ مُؤمِنون حقيقيون يتبعون يسوع المسيح. وليسَ لغيرِ المؤمنين أيُّ دَخلٍ في عمل الله الحقيقي. هذا أحدُ أسباب ضعف الكنيسة اليوم، أنها تحتوي على خليطٍ من الجمهور منَ المُؤمنينَ وغيرِ المُؤمنين. وكثيرٌ من الكنائس لا تُعلِّمُ بوضوح أن عُضويَّةَ الكنيسة هي للمُؤمنين فقط. فعندما تَخرُجُ الكنائسُ إلى المُجتمع، تُحاولُ أن تصلَ إلى قادتِهِ، وإلى الأشخاص المَنظورين فيه، والأثرياء، وذوي الشُّهرة. وتُحاولُ بعضُ الكنائس أن تجعلَ من هؤلاء قادةً فيها، سواءٌ أكانوا مُؤمِنين أم لا. إن الكنيسةَ تُفوِّتُ فُرصةً كبيرةً عندما تمنحُ صفةَ الإيمان بالمسيح لأشخاصٍ ينضمُّون إليها، دون أن تسألَهُم، "هل تُؤمِنون حقاً بيسوع المسيح؟ هل آمنتُم بيسوع المسيح كمُخلِّص وكربٍّ على حياتِكُم؟" تصوَّر إنساناً يعملُ في مهنةٍ تتطلَّبُ التعرُّفَ على الكثير من الناس، كطبيب يُقوِّمُ الأسنان مثلاً، ولكنَّهُ لا يُؤمِنُ بالمسيح، ولكنَّهُ يُريدُ أن يلتقي مع عائلاتٍ فيها أولاد. فقد يرغبُ هكذا شخصٌ في أن يُصبِحَ مُديراً لمدرسةِ الأحد في كنيسةٍ كبيرةٍ بقُربِ مركزِ عملِهِ، لكي يتسنَّى لهُ الإلتقاء بالعائلات. وهذا سوفَ يكونُ من أسهلِ ما يكونُ لأن مُعظمَ الكنائس سوفَ يكونُ من دواعي سُرورِها أن تضُمَّ شخصاً مثلَ مُقوِّم الأسنان. ولكنَّ هذا سيكونُ انتهاكاً لأحدِ المبادئ النموذجيَّة التي شاركها معنا عزرا.

المبدأُ النموذجيُّ السابع هو: إن اللهَ الذي هو المُحرِّك الأوَّل، والذي يمنحُ الإرشاد، ويوفِّرُ كُل ما يلزم لإتمام عمله، سوفَ ينتصرُ على كُلِّ مُقاومةٍ ضدَّ عملِه. إن هذا المبدأ النموذجي الجميل ينبغي أن يُشجِّعَ ويزرعَ الرجاء في خُدامِ الربِّ حولَ العالم الذين يُصارِعون بأمانةٍ ضد المقاومة لعملِ الله الذي يقومون به.

فَإلهُ عزرا ونحميا هو نَفسُهُ قادرٌ اليوم أن ينتصرَ ويتغلَّبَ على مُقاومةِ عملِهِ، تماماً كما كان في أيامِ عزرا ونحميا. (أُنظرْ عزرا 6: 6- 8) فلقد تمَّ إرسالُ رسالةٍ إلى الأمبراطور أرتَحشَشْتا، تقولُ أن اليهودَ كانوا شعباً مُتمرِّداً، ولديهم تاريخٌ في التمرُّد، ونصحت الرسالة كوروش بأن لا يسمحَ لليهود بإعادةِ بِناءِ هيكلِهم. (عزرا 4: 11- 16) ولكن عندما فتَّشَ مَلِكٌ بابِليٌّ لاحِق، وهُوَ داريُوس، في سجلاتِ تاريخِهم، وجدوا أن كوروش أصدرَ قراراً بتوفيرِ المؤونة اللازمة لإعادةِ بِناءِ الهيكل. فكانَ الجوابُ على الرسالة كالتالي، "لا تُزعِجوا إعادةَ بِناءِ الهيكل، بل دعوهُ يُتمَّم. لا تُزعِجوا هذا الشعب."

وعلاوةً على ذلك، قالَ الأمبراطور للشعوب المُقاوِمة، "قرَّرتُ أن تدفعوا كامِلَ كِلفة إعادةِ بِناءِ الهيكل من صندوقِ الضرائب الذي تجمعونَهُ في منطقتِكُم." (عزرا 6: 7- 8)

لقد تغلَّبَ اللهُ على تِلكَ المُقاومة. وهكذا عُمِلَت إرادَتُهُ وأُكمِلَ عمَلُهُ.

مبدأٌ نموذجي ثامِن في سفرِ عزرا هو التالي: بينما يقومُ اللهُ بعملِهِ من خِلالِ شعبِه، سوفَ يخلُصُ أولئكَ الوثنيُّون الذين يُراقِبون كيفيَّةَ عملِ الله. عندما يرى الناسُ اللهَ يعملُ من خِلالِنا، ويعلَمونَ أنَّنا لسنا سوى آنية خزفيَّة، وأن هذا العمل الذي يُعمَل لم يكُن ممكنا لنا أن نعملَهُ لوحدِنا، عندها يبدأونَ يُلاحِظونَ أن هذا هو عملُ الله. ويبدأون بالتفكير والفهمِ لما قصدَهُ بولس عندما قالَ أن اللهَ هو المُحرِّك الأول ومصدر كُل شيء والقوة الكامِنة وراء كُل شيء يقومُ بهِ شعبُه.

بهذهِ الطريقة يخلُصُ الذين ينظُرون إلى الله يعمل. في عزرا 6: 21-22 نقرأُ أن البعض من الشعوب الوثنية الذين نُقِلوا إلى يهوذا، رجعوا عن طُرُقِهم الرديَّة وإنضمُّوا لبني إسرائيل في عبادةِ الربِّ الإله، عندما تناولَ اليهودُ مائدةَ الفصح. وهذا يختلفُ عن غيرَ مُؤمِنين يأتونَ ويُعَبِّرُونَ عن رَغبَتِهِم بأن ينخرِطُوا في عملِ الله، ولكن بِدُونِ أن يختَبِروا الولادَةَ الثَّانِيَة. فعندما يخلُصُ الوثنيون، وعندما يختبِرون ما يُسمِّيهِ العهدُ الجديدُ "الولادة الجديدة،" يُصبِحون ينتمون إلى شعبِ الله. ويُصبِحون ذلكَ الشعب الذي من خِلالِهِ يُريدُ اللهُ أن يعملَ عملَهُ في العالم.

نصلُ الآن إلى المبدأ التاسع: إن جميعَ الذين ينخرِطون في عمل الله القِيادي، سوفَ يجدون أن عملَ الله مُوضَّحٌ في كلمةِ الله. هُنا يُصبِحُ عزرا لنا مِثالاً. فلقد وضعَ عزرا في قلبِهِ أن يدرُسَ كلمةَ الله وأن يُطيعَها وأن يُعلِّمَ أحكامَها لبني إسرائيل. ولقد عرفَ عزرا عملَ اللهِ بِحَقٍّ، لانَّهُ عرفَ كَلِمَةَ اللهِ بِحَقٍّ. وكانَ عملُ اللهِ الذي أعدَّهُ ليعمَلَهُ عزرا هو أن يُؤَسِّسَ خِدمَةَ تعليمٍ ديناميكيٍّ في الهَيكَلِ المُرَمَّم.

المبدأُ النموذجي العاشِر من سفرِ عزرا فيما يتعلَّقُ بكلمةِ الله هو مبدأٌ واقعي جدَّاً: فعندما يُكمَلُ عملُ الله، يسمحُ اللهُ بفشلِ خُدَّامِه من البَشَر، لكي يكونَ واضحاً للجميع أن عظمةَ العمل وروعتَهُ لم تكُن بقوةِ الناس بل بقوةِ الله. سوفَ تُلاحِظون في سفرَي عزرا ونحميا أن الشعبَ سيسقُطُ مُجدَّداً، حتى بعدَ إتمامِ عملِ الله. سقطَ شعبُ الله في فخِّ الإنجراف وراءَ العادات الوثنية للشعوب المُجاورة. يبدو وكأنَّ هذه الظاهِرة هي مبدأٌ نموذجيٌّ آخر نجدُهُ يحدثُ مع الكثيرين من رجالاتِ الله الذين أنجزوا أعمالاً عظيمةً لله. لربَّما يُريدُ اللهُ أن يُريَنا أنهُ هو كان مصدرُ القوةِ لهذا العمل، وليسَ هذه الآنية الخزفيَّة.

ولكن هُناكَ سببٌ آخر لحدوثِ هذا الأمر، وهو الشيطان. فالمبدأُ الحادِي عشر عن عملِ الله في سفرِ عزرا هو التالي: عندما يكونُ اللهُ قد حقَّقَ عملاً عظيماً على الأرض من خلالِ إنسان، يُحبُّ الشيطانُ أن يُحطِّمَ أداةَ هذا العمل.

هذه بعضُ المبادئ النموذجيَّة عن عملِ الله، التي نتعلَّمُها من سفرِ عزرا. وبالإختصار، ما كان عزرا يقولُهُ لنا هو التالي: إنَّها خطةُ الله أن يستخدِمَ قوةَ الله، من خِلالِ شعبِ الله، لإتمامِ قصدَ الله، بحسب خطةِ الله.

فهل أنتَ واحدٌ من شعبِ الله؟ وهل تعلمُ أنكَ أداةٌ لقوة الله؟ وهل تعلمُ أن قصد قوةِ اللهِ فيكَ هو أن يتحقَّقَ عملُ اللهِ من خلالِكَ بحسبِ خطته؟

الصفحة 1 من 4

هُناكَ تعليمٌ آخر لبُولُس في هذه الرسالة الثانِيَة إلى أهلِ كُورنثُوس، والذي ينبَغي أن نُركِّزَ عليهِ بينما نختِمُ دراستنا لهذه الرسالة العميقة. قبلَ أن يتجدَّدَ بُولُس ويقبَلَ الإيمان المسيحيّ، كانَ فرِّيسيَّاً غيُوراً مُكَرَّساً للمُحافَظة على الإيمان اليَهُودِيّ المُستَقيم. بما أنَّهُ كانَ يرفُضُ المسيح وكانَ يرى في أتباعِ المسيح مصدَرَ تهديد للإيمانِ اليَهُودِيّ، فأضطهَدَ بِقَسوَة جميعَ اليهود الذي أصبحَوا تلاميذَ ليسُوع المسيح. وبعدَ توبَتِهِ وإيمانِهِ بالمسيح، سبَّبتُ لهُ ذاكِرتُهُ للعديدِ من المُؤمنين أمثال إستفانُوس، الذي ساقَهم إلى السجنِ والموت، سبَّبَت لهُ الكثيرَ من الشعُورِ بالذنب. إنَّ تلاميذَ يسُوع اليَهُود أنفُسَهم، في أُورشَليم واليَهُودِيَّة، كانُوا يُعانُونَ من الإضطِّهادِ والجُوعِ الشدِيدَين. وكما تعلَّمنا من الإصحاحِ الأخير من رسالتِهِ الأُولى إلى أهلِ كُورنثُوس، إمتَلأَ بُولُس بالعطفِ على هُؤلاء اليهود الذين آمنُوا بالمسيح، وكانَ يجمَعُ لهُم تقدِماتِ ومُساعداتِ محبَّةٍ من كنائِسهِ الأُمَمِيَّة لمُساعدَةِ المُؤمنينَ من أصلٍ يهُودِي. إن مُجرَّدَ قِيامِ هذا المُضطَّهِد السابِق لليهودِ الذي آمنُوا بالمسيح، إنَّ مُجرَّدَ قيامِهِ بجمِع التبرُّعاتٍ بعطفٍ لمُساعدَةِ هؤلاء المُؤمنينَ من أصلٍ يهُودِيّ، هُوَ شهادَةٌ على مُعجزَةِ نعمَةِ اللهِ في تغييرِ القُلُوب.

كتبَ بُولُس للكُورنثُوسيِّين عن تقدِمَةِ المحبَّةِ هذه في 2كُورنثُوس 8- 9، طالِباً منهُم أن يُساهِمُوا في هذه التقدمة، إنطِلاقاً من محبَّةٍ قَلبِيَّة لإخوتِهِم المُضطَّهَدِين. وأخبَرَهم عن مُمارَسَةِ الفِيلبِّيِّين للعطاء، من حيثُ كانَ يكتُبُ هذه الرسالة للكُورنثِيِّين، لأنَّهم كانُوا مِثالاً رائعاً عن الكرمِ والأمانَةِ في الوكالة. إنَّ رحلات بُولُس الإرسالِيَّة كانت مدعُومَةً من المُؤمنينَ في فِيلبِّي، الذين كانُوا ناضِجينَ بشكلٍ كافٍ، جعلَ بُولُس يعرِفُ أنَّهُم يُعطُونَ بدوافعَ مُستَقيمة، وأنَّهُم كانُوا يفهَمُونَ ماذا تعني الأمانَةُ في الوَكالة. لقد أعطى الفِيلبِّيُّونَ أيضاً مالاً لدعمِ آلامِ القِدِّيسين في أُورشليم، كما كتبَ بُولُس في هذه الرسالة للكُورنثِيِّين:

"ثُمَّ نُعرِّفُكُم أيُّها الإخوة نِعمَةَ الله المُعطاة في كَنائس مكدُونِيَّة. أنَّهُ في إختِبارِ ضيقةٍ شديدة فاضَ وُفُورُ فَرَحِهم وفقرِهم العميق لِغِنَى سخائِهم. لأنَّهُم أعطَوا حسبَ الطاقَة أنا أشهَدُ وفوقَ الطاقَة من تِلقاءِ أنفُسِهم. مُلتَمِسينَ منَّا بِطِلبَةٍ كَثيرَة أن نقبَلَ النِّعمة وشَرِكة الخدمة التي للقِدِّيسين. وليسَ كما رَجونا بل أعطَوا أنفُسَهم أوَّلاً للرَّبِّ ولنا بِمَشيئَةِ الله. حتَّى إنَّنا طَلَبنا من تِيطُس أنَّهُ كما سبقَ فابتدَأَ كذلكَ يُتَمِّمُ لكُم هذه النِّعمَة أيضاً.

"لكن كما تزدادُونَ في كُلِّ شَيءٍ في الإيمانِ والكَلامِ والعِلم وكُلِّ إجتِهادٍ ومحبَّتكم لنا ليتَكُم تزدادُونَ في هذه النِّعمَة أيضاً." (2كُورنثُوس 8: 1- 7)

لقد أبرَز بُولُس أمانَةَ الفِيلبِّيِّين في الوكالَة كنمُوذَجٍ للكُورنثِيِّين. كانَ الفِيلبِّيُّونَ الكنيسةَ المُفضَّلَةَ عند بُولُس، وكانت كنيسةُ كُورنثُوس الكنيسة الأصعَب لديه. وإذ يُبرِزُ بُولُس وكالَةَ الفِيلبِّيين الأمينة أمامَ الكُورنثُوسيِّين، يُعطينا تُحفَةً فنِّيَّةً لاهُوتِيَّة حولَ موضُوع الوكالَة الأمينة. هُنا نَجِدُ تلخيصاً مُوجَزاً عن نماذِجِ وكالَةِ كنيسةِ فيلبِّي، التي جعلَ منها بُولُس نمُوذَجاً لوكالَةِ العَطاء الأمينة في رسالتِهِ الثانِيَة إلى أهلِ كُورنثُوس.



تابِع بَنْد - بشارة بَيَان

God Rules.NET
Search 100+ volumes of books at one time.