في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
الصفحة 1 من 3 "أما شاوُل فكانَ لم يزَلْ ينفُثُ تهدُّداً وقتلاً على تلاميذِ الربِّ. فتقدَّمَ إلى رئيسِ الكهنة وطلبَ منهُ رسائِلَ إلى دِمشق إلى الجماعات حتَّى إذا وجدَ أُناساً من الطريق رجالاً أو نِساءً يسوقُهم مُوثَقِينَ إلى أورشليم. "وفي ذهابِهِ حدث أنَّهُ اقتَرَبَ إلى دِمشق فبغتَةً أبرَقَ حولَهُ نُورٌ من السماء. فسقطَ على الأرضِ وسمِعَ صوتاً قائِلاً لهُ شاوُل شاوُل لماذا تضطَّهِدُني؟ فقالَ من أنتَ يا سيِّد؟ فقالَ الربُّ أنا يسوع الناصِري الذي أنتَ تضطهِدُهُ. صَعبٌ عليكَ أن ترفُسَ مناخِس. "فقالَ وهُوَ مُرتَعِدٌ ومُتَحيِّر يا رَبُّ ماذا تُريدُ أن أفعَل؟ فقالَ لهُ الربُّ قُم وادخُل المدينَة فيُقالَ لكَ ماذا ينبَغي أن تفعَلَ." (أعمال 9: 1- 6). إن هذه الكلمات المألُوفَة في الإصحاحِ التاسِع من سفرِ الأعمال تصِفُ لنا تجدُّدَ شاوُل الطرسوسي، أو إختِبارَهُ على طريقِ دمشق. ليسَ بالإمكان تفسير شخصيَّة هذا الرجُل بمَعزَلٍ عن عِبارَة "إختِبار." وكما رَأَينا سابِقاً، عندما نَلتَقي بهِ، نجِدُ فيهِ عدُوَّاً لَدُوداً للمسيح، ولكنَّ هذا الإختِبار على طريقِ دِمشق هوَ الأوَّل بينَ بِضعَةِ إختِبارات جعلَت منهُ أعظَمَ رَسُولٍ (أو مُرسَل) في تاريخِ كنيسةِ يسُوع المسيح. هُناكَ عدَّةُ أماكِن في سفرِ الأعمال حيثُ سيُخبِرنا بُولُس عن إختِبارِهِ الأوَّل هذا. فأمامَ الجُموع الغاضِبة، وأمامَ الولاة الرُّومان، وأمامَ مَلِكٍ ومَلِكَة، وفي المحاكِمِ الدِّينيَّة، وفي رسائلِهِ المُوحاة، يُخبِرُنا بُولُس بإستِمرار عن الإختِبار الذي إجتازَهُ. يُخبِرُنا بُولُس عن ثلاثَةِ إختِباراتٍ جعلتهُ الرسُول الأكثر إثماراً في تاريخِ الكنيسة. إختِبارُهُ الأوَّل كانَ تجدِيدُهُ على طريقِ دِمشق. ثُمَّ إجتازَ في إختِبارِ الصحراء العربيَّة، الأمرُ الذي يُفسِّرُهُ بحيويَّة في رسالتِهِ إلى أهلِ غلاطية (1: 11- 2: 10). ولقد إجتازَ أيضاً في إختِبارٍ سَمَاوِيّ أثَّرَ على حياتِهِ بعُمق. ولقد شارَكَ هذا الإختِبار معَ الكُورنثُوسيِّين ومعنا (2كُورنثُوس 12: 1-4). لرُبَّما حدَثَ هذا عندما رُجِمَ في لِسترة (14: 19- 20). ولقد إقتَنَعَ بُولُس من إختِبارِهِ السماوِيّ أنَّهُ لا يتوجَّبُ علينا أن ننتَظِرَ حتَّى نَمُوت لكي نعيشَ في السماء. فمَوضُوعُ رسالتِهِ إلى أهلِ أفسُس هُوَ، "في السماوِيَّات"، أي أنَّهُ بإمكانِنا أن نعيشَ في المجالِ السماوِيّ بينَما نَعيشُ حياتَنا هُنا على الأرض (أفسُس 1: 3). ليسَ بِوُسعِنا أن نفهَمَ هذا الرسُول الغريب بمعزَلٍ عن إختِباراتِه. هُناكَ بعضُ الأُمور التي ينبَغي الإشارَة إليها عندما ننظُرُ إلى هذا الإختِبارِ الذي يتكلَّمُ عن تجديدِ هذا العَدُوّ اللَّدُود للمسيح. أولاً، سمِعَ بُولُس هذا الصوت يُنادِيهِ بإسمِهِ سائلاً إيَّاهُ، "لماذا تضطَّهِدُني؟" هُنا أيضاً نجدُ أنَّ المسيحَ المُقام هُوَ مُتَّحدٌ بشكلٍ لا يَنفَصِم عن كنيستِه. لقد كانَ شاوُل يضطَّهِدُ الكنيسة. أمَّا إتِّهامُ المسيح المُقام لهُ فكان، "لماذا تضطَّهِدُني؟" كانت الرسالَةُ المُوجَّهَةُ بِوُضُوح من يسُوع إلى شاُول هي التالية: "عندما تضطَّهِدُ هذه الكنيسة أنت تضطهِدُني أنا شخصيَّاً." فأجابَ شاوُل الطرسوسي بالسؤال، "من أنت يا رَبّ؟" فهوَ لم يكُن يعرِف حتَّى معَ من يتكلَّم، ولكنَّهُ عرفَ أنَّ الذي يُكلِّمُهُ هو رَبُّهُ، فسألَ. في حادِثةِ توبَةِ بُولُس الرسول العظيمة، نجدُ إيضاحاً رائعاً يُساعِدُنا على فهمِ مفهوم الوداعَة. فمن خِلالِ هذا القصَّة نفهَمُ أنَّ الوداعة تعني أن يكونَ الإنسانُ مُروَّضاً. فعندما يكونُ هُناكَ حصانٌ بَرِّيٌّ، لم يسبِق لأحدٍ أن وضعَ رسغاً في فمِهِ، ولِجاماً على رأسِهِ، وسرجاً على ظهرِهِ، ينبَغي أن يتمَّ ترويضُ هذا الحصان. وعندما يتمُّ ترويضُهُ، وعندما يصِلُ إلى مرحَلَةٍ يكُفُّ معها عن مُقاومة الرسغِ واللجام، بل يمشي بموجَبِ توجيهاتِهما، لا يُصبِحُ هذا الحصانُ ضعيفاً، بل وديعاً. فالحَيوانُ المُرَوَّض هو حيوانٌ وَديع. عندما قالَ المسيحُ المُقام لِشاوُل الطرسوسي: "صَعبٌ عليكَ أن ترفُس مناخِس،" قصدَ بِقَولِهِ هذا، "لماذا تُقاوِمُ الرسغ؟ فسوفَ يُمزِّقُ فمَكَ. إنَّ هذا قاسٍ جدَّاً عليكَ." تُشيرُ هذه الصورَةُ المجازيَّةُ إلى أنَّه قبلَ إختِبار طريقِ دمشق، كانَ الروحُ القُدُس يتعامَلُ معَ شاوُل الطرسوسي، مُتكلَّماً إليهِ من خِلالِ شهادَةِ إستفانُوس والمُؤمِنينَ الآخرينَ الذي إضطَّهَدَهُم شاوُل. ويُظهِرُ لنا شاوُل أنَّهُ قبِلَ وضعَ الرَّسغِ وَالرَّسن وأصبحَ وديعاً، بمُجرَّدِ سؤالِهِ، "يا رب، ماذا تُريد منِّي أن أفعَل؟" (العدد 6). عندما كتبَ بُولُس هذه الرسائل، أخبَرَنا بُولُس أكثرَ من كُلِّ الآخرين ما عمِلَهُ اللهُ لمنحِنا الخلاص من خلالِ المسيح. ولكن، عندما إلتَقى بيسوع، لم يكُنْ سُؤالُهُ، "ماذا ستعمَلُ من أجلي يا رب؟" بل كانَ سُؤالُهُ، "يا رب، ماذا تُريدُ منِّي أن أفعَل من أجلِكَ؟" عندما تجدَّدَ شاول الطرسُوسي على طريقِ دمشق، تغَيَّرَتْ نظرَةُ بُولُس للحَياة ب لرُبَّما كانَ الدافِعُ وراءَ هذا الأمر أنَّهُ كُلِّفَ بالوُصُولِ إلى المُؤمنين من غيرِ اليَهُود عبرَ الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانية. وبما أنَّهُ وُلِدَ كمُواطِنٍ رُومانيّ وأرادَ أن يكُونَ للكُلِّ كُلَّ شَيءٍ، لَرُبَّما كانَ قرارُهُ بإستِخدامِ إسمهِ الرُّوماني ستراتيجيَّاً. ولكن ليسَ بإمكانِنا تَجَاهُلَ كون إسم شاوُل يعني الجَبَّار أو العظيم، وبُولُس يعني "الصغير أو اللاأحد." عندما تجدَّدَ شاوُل وأصبَحَ بُولُس، إختَبَرَ بِوُضُوح ما تعنيهِ عِبارَة "مِسكين بالرُّوح." (متَّى 5: 3). فيما بعد، كتبَ بُولُس للفِيليبِّيين، "كانت لديَّ أُمورٌ أسعَى وراءَها، لأنَّها كانت تعني لي الكثير. ولكن عندما إلتَقيتُ بيَسُوع، أصبَحَتْ هذه الأُمُورُ لا تَعني شيئاً بالنسبَةِ لي. بالحقيقة، إعتَبَرتُ هذه الأُمور نِفايَةً بالمُقارَنة معَ الأُمُور التي لم تكُن تعني لي شيئاُ قبلَ أن ألتَقيَ بالمَسيح على طريقِ دِمشق – مثل أن أعرِفَهُ وأكتَشِفَ ماذا يُريدُ منِّي أن أفعَل – هذه الأُمور الجديدة أصبَحَت شُغلي الشَّاغِل." (فيلبِّي 3: 1- 11). المُهمُّ فيما يتعلَّقُ بالإختِبار هو ليسَ تفاصيل إختِبارِنا، بَل نتائج إختبارنا. فالإختِبارُ ليسَ غايَةً بحدِّ ذاتِها، بل وَسيلَةٌ تُؤدِّي إلى غايَة. الإختِبارُ هُوَ بِبَساطَة بابٌ نجتازُهُ لنُصبِحَ خُدَّاماً أفضل للمسيح. في سفرِ الأعمال، يُخبِرُ بُولُس بتفاصيلِ إختبارِهِ على طريقِ دِمشق بضعَ مرَّاتٍ. وما يكتُبُهُ للفِيلبِّيِّين يُشدِّدُ على نتائج إختِبارِهِ على طريقِ دِمشق. بعضُ المُؤمنين هُم كما أُسمِّيهم أنا، مُؤمنون نَّفعِيُّون. فالمنفَعة هي شيءُ نستَخدِمُه. والمُؤمنونَ قد يستَخدِمُونَ الله كما نستَخِدُم نحنُ أحياناً الماء، الشمعة، الكهرباء، الدرَّاجة، أو الباصّ في المدينة. فمن حَيثُ لا ندري، قد نُصبِحُ أتباعاً للمسيح لأنَّنا نعتَقِدُ أنَّهُ سوفَ يجِدُ حَلاً لمشاكِلنا. بالطبع، عندما نتبَعُ المسيح، سوفَ يجدُ حُلولاً لمشاكِلِنا الأكثَر صُعُوبَةً. ولكن دَعُوني أَسأَلَكُم سُؤالاً: إذ تَتبَعُونَ المسيح، هل أنتُم تسأَلُونَهُ ماذا سيفعَلُ من أجلِكُم، أم أنَّكُم مثل بُولُس تَسألُونَ ربَّكُم ومُخَلِّصَكُم ماذا بإمكانِكُم أن تعمَلُوا من أجلِه؟ بعدَ قِصَّةِ تجديد بُولُس، نقرَأُ عمَّا يُمكِن أن نُسمِّيَهُ "مُتابَعة" تجديده. ذهبَ الربُّ إلى تلميذٍ إسمُهُ حنانِيَّا، وطلبَ منهُ أن يُعمِّدَ شاوُل الطرسوسي. لقد دَبَّ الرُّعبُ في قَلبِ هذا الرجُلِ الشيخ عندما سمِعَ إسم شاوُل الطرسُوسي. فأجاب، "يا رَبّ، قَد سَمِعتُ من كَثيرين عن هذا الرَّجُل كم من الشُّرُور فعلَ بِقِدِّيسيك في أُورشَليم. وههُنا لهُ سُلطانٌ من قِبَلِ رُؤساء الكهنة أن يُوثِقَ جَميعَ الذي يَدعُونَ باسمِكَ. فقالَ لهُ الربُّ اذهَبْ. لأنَّ هذا لي إناءٌ مُختارٌ ليَحمِلَ إسمي أمامَ أُمَمٍ ومُلوكٍ وبَني إسرائيل." (أعمال 9: 13- 15). إذا تكلَّمنا مَجازِيَّاً نقُول أنَّ اللهَ فتحَ دَرْجَاً وأظهَرَ لحَنانِيَّا خُطَّتَهُ لِحَياةِ شاوُل الطرسُوسيّ. لاحِظوا أنَّ اللهَ لم يفعَلْ هذا لشاوُل. بل كانَ كُلَّ ما قالَهُ لهُ، "قُم وإذهَب إلى دِمشق، وعندما تصِلُ إلى هُناك، أقولُ لكَ ماذا أُريدُ منكَ أن تفعَل." (العدد 6) إنَّ التطبيقَ التعبُّديّ لنا هُنا، هو أنَّ اللهَ يستطيعُ أن يُظهِرَ لنا كامِلَ خُطَّتِهِ لحياتِنا إذا شاء. ولكنَّهُ عادَةً لا يفعَلُ هذا. بل يُظهِرُ مشيئتَهُ لنا كما فعلَ لِشاوُل، يوماً بعدَ الآخر وخطَّةً بعدَ الأُخرى. من أجمَلِ كلماتِ سفر أعمالِ الرُّسُل هي الكلمات التي قالَها حنانِيَّا عندما ذهبَ إلى المنزِل حيثُ كانَ شاوُل الطرسُوسِي ينتَظِرُهُ. فسُرعانَ ما فهِمَ حنانِيَّا أنَّ هذا العَدُو اللدُود للكنيسة قد تجدَّدَ، قالَ لَهُ، "أيُّها الأخُ شاوُل." ما نَراهُ هُنا هو ما تتمحوَرُ حولَهُ كنيسَةُ يسوع المسيح: نعمَة الله التي تُغيِّرُ حياةَ الناس!
|