في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
"اللهُ لنا ملجأٌ وقوَّةٌ. عوناً في الضيقاتِ وُجِدَ شديداً. لذلكَ لا نَخشَى ولو تزحزَحَتِ الأرضُ ولو انقَلَبَتِ الجِبالُ إلى قلبِ البِحَار. تعجُّ وتجيشُ مياهُها. تتزعزعُ الجِبالُ بِطُمُوِّها. ... نهرٌ سواقيهِ تُفرِّحُ مدينةَ الله مَقدَسَ مساكِنِ العليّ. اللهُ في وسطِها فلن تتزعزَع. يُعينُها اللهُ عندَ إقبالِ الصُّبح. عجَّتِ الأُمَمُ. تزعزعتِ الممالِكُ. أعطَى صوتَهُ ذابتِ الأرضُ. ربُّ الجُنودِ معنا. ملجأُنا إلهُ يعقُوب. ... هلُمُّوا انظُروا أعمالَ الله كيفَ جعلَ خِرَبَاً في الأرض. مسكِّنُ الحُرُوب إلى أقصَى الأرض. يكسِرُ القوسَ ويقطعُ الرُّمح. المركَبَاتُ يُحرِقُها بالنار. كُفُّوا واعلَمُوا أنِّي أنا الله. أتعَالَى بينَ الأُمَم أتَعَالَى في الأرض. ربُّ الجُنُودِ معنا. ملجأُنا إلهُ يعقوب... كُفُّوا واعلَمُوا أنِّي أنا اللهُ. أَتَعَالَى بينَ الأُمَم أَتَعَالَى في الأرض. رَبُّ الجُنُودِ معَنا. مَلَجأُنا إلهُ يعقُوب." (مَزمُور 46: 1- 7، 10- 11) بالنِّسبَةِ لِبَني قُورَح، المُرَنِّمينَ القُدَامَى الذين كتَبُوا هذا المَزمُور، كانَ مفهُومُ إنقِلابِ الجَبَلِ إلى قَلبِ البَحرِ صُورَةً مجازِيَّةً غير معقُولَة. فقَلبُ الرِّسالَةِ التَّعَبُّدِيَّة التي قدَّمها هؤُلاء الإخوة اللاوِيُّون كانَ أنَّهُ، عندما يتداعَى عالَمُنا الشَّخصِيّ، نحتاجُ أن نهدَأَ ونعرِفَ أنَّ اللهَ جالِسٌ على العَرش، وأنَّ مَشيئَتَهُ لا تتَزَعزَع. (10) لقد شاهَدَ الناسُ حولَ العالَمِ كيفَ إنهارَ البُرجانِ التَّوأَمانِ لمَركَزِ التِّجارَةِ العالَمِي في الوِلاياتِ المُتَّحِدَة الأميركيَّة، وذلكَ في لحظاتٍ معدُودات. كانَ هذا مِثالاً مُعاصِراً عن صُورَةٍ مجازِيَّةٍ لا تُعقَل. كانَ هذا هُوَ جَبَلُنا الذي ينقَلِبُ إلى قَلبِ البِحار. نحتاجُ أن نُرَكِّزَ على الحقيقَةِ أنَّهُ في هذا العالم، تُوجَدُ قِيَمٌ زمنِيَّةٌ مُؤَقَّتَة، وتُوجَدُ قِيَمٌ أبديَّة. إنَّ الإستِعارةَ التي إستَخدَمَها كُتَّابُ المَزامير القُدامَى للتَّعبيرِ عن مفهُومِ القيَمِ الأبديَّة والزَّمَنِيَّة المَوجُودة جنباً إلى جنب، هي بمثابَةِ نهرٍ مُتَدَفِّقٍ عبرَ هذا العالم المادِي المُؤَقَّت والذَّاتي التَّدمير، وهذا النَّهرُ لا يُمكِنُ زحزَحتُهُ ولا تدميرُهُ. فاللهُ قائمٌ في وسطِ هذا النَّهر، الذي يتدفَّقُ عبرَ هذا العالم، ويأتي بالفَرَحِ الكَبير بينما يتدفَّقُ إلى مدينَةِ اللهِ الأبديَّة. قد يُمَثِّلُ هذا النَّهرُ شَعبَ اللهِ، الذي لدَيهِ حياةٌ أبديَّة لأنَّ لديهِ علاقَة معَ إلهِهِ الأبديّ. فالرَّسُولُ يُوحَنَّا، الذي كانَ قد صارَ شَيخاً طاعِناً في السِّنّ، وصفَ شعبَ اللهِ بالطريقَةِ التَّاليَة: "وأمَّا الذي يَصنَعُ مَشيئَةَ اللهِ، فيَثبُتُ إلى الأبَد." (1يُوحَنَّا 2: 17). فكَونُ هذا النَّهر لا يُمكِنُ أن يتزعزَعَ، يعني أنَّهُ قد يُمَثِّلُ القِيَمَ الأبديَّةَ التي تتَدفَّقُ عبرَ هذا العالَم المادِيّ الزَّائِل. فهؤُلاء المُرنِّمُون يَقُولُونَ لنا أنَّهُ عندَما يتدَاعى عالَمُنا حرفِيَّاً أو مجازِيَّاً، عندَها نحتاجُ أن نَكُفَّ ونتوقَّفَ لوقتٍ طويلٍ، وأن نُرَكِّزَ على حَقيقَةِ أنَّ اللهَ مَوجُودٌ، وأنَّ كُلَّ ما لهُ علاقَةٌ باللهِ فسيَبقَى إلى الأبد. نُخبَرُ في العهدِ الجَديد أنَّنا لا نستطيعُ أن نأتِيَ إلى اللهِ، ولا أن نُرضِيَ الله، إلا إذا آمَنَّا أنَّ اللهَ مَوجُودٌ (عبرانِيِّين 11: 6). بِحَسَبِ هذا المَزمُور العظيم، عندما يتدَاعَى عالَمُنا، وبعدَ أن نَكُونَ قد أكَّدنا حقيقَةَ أنَّ اللهَ كائِنٌ ومَوجُودٌ، فنحنُ نحتاجُ أيضاً إلى نُسَكِّنَ أنفُسَنا بِشَكلٍ كافٍ، لنَعرِفَ ما هي مشيئَةُ الله. فاللهُ يُريدُ أن يتعظَّمَ بينَ الأُمَم، واللهُ يُريدُ أن يتمجَّدَ على الأرض. يُخبِرُنا المَزمُورُ السَّادِس والأربَعُون أنَّهُ في زَمَنِ الإضطِّراباتِ، نحتاجُ أن نهدَأَ ونعرِفَ أنَّ اللهَ لديهِ إرادَةٌ واضِحَةٌ تجاهَ هذا العالم وتجاهَ حياتِنا الشخصيَّة. هذا المَزمُور لديهِ المزيد منَ كلماتِ التَّعزِيَة والنَّظرَةِ الرُّوحِيَّة لنا، عندما يَكُونُ عالَمُنا الحقيقيّ أو الشَّخصي ذاتِيّ التَّدمير. فإذا تفحَّصتُم بعضَ هوامِش التَّرجمات الأُخرى، تكتَشِفُونَ أنَّ هؤُلاء المُرَنِّمِينَ القُدَامَى كانُوا يَقُولُونَ لنا أنَّ إلَهَنا "مُتَوَفِّرٌ بفَيضٍ ليُسَاعِدَنا في ضِيقاتِنا." فعِندَما قالُوا لنا أن نَكُفَّ ونعلَمَ أنَّ الرَّبَّ هُوَ الله، وما هي مشيئَةُ الله، كتبُوا ما معناهُ: "إستَريحُوا، كُفُّوا عنِ المُقاوَمة، إستَلسِمُوا واعلَمُوا (بواسِطَةِ الإختِبارِ والعلاقَة)، أنَّني كائِنٌ، وأنَّني تماماً كما تَقُولُ كَلِمَتي عنِّي. واعلَمُوا أيضاً أنَّني معَكُم في أوقاتِ ضِيقَتِكُم، وأن لَدَيَّ مَشيئَةٌ حِيالَ الطريقَة التي بها ينبَغي أن تَتَجاوَبُوا معَ ظُرُوفِ حياتِكُم الصَّاخِبَة." عندما يُعانِي شَعبُ اللهِ من خسائِرَ في مُمتَلَكاتِهم المادِّيَّة بسببِ الكَوارِث، مثل الزلازِل، الطَوافانات، النَّار، أو بسببِ الكوارِث التي يُحدِثُها الإنسان كالحَربِ مثلاً، فرُغمَ أنَّهُ لا يُوجَد أيُّ خَيرٍ في هذه الكوارِثِ والمآسِي، فاللهُ يستخدِمُ أَحياناً هذه الإضطراباتِ ليُعَلِّمَ شَعبَهُ الفَرقَ بينَ كُنُوزِ السَّماءِ وكُنُوزِ الأرض. لقد علَّمَنا يسُوعُ أن نخزِنَ لنا كُنُوزاً في السَّماءِ، لأنَّ كُنُوزَ الأرضِ تَزُولُ ويسرِقُها منَّا اللُّصُوص. (متَّى 6: 19- 21). يُعتَبَرُ هذا المَزمُورُ أيضاً مزمُوراً نَبَويَّاً، لكَونِهِ يُقَدِّمُ بطريقَةِ إستِعارَةٍ مجازِيَّة ما يُسَمِّيهِ الأنبِياءُ والرُّسُلُ "يَومَ الرَّب." فعندما يتنبَّأُ الأنبياءُ بِحَدَثٍ ما، يُقَدِّمُونَ أحياناً هذا الحَدَث وكأنَّهُ سبقَ وأخذَ مجراهُ. هذا ما يُسَمَّى "بالماضِي النَّبَوِيّ الكامِل." إنَّ كُتَّابَ هذا المَزمُور يُقَدِّمُونَ يومَ الرَّبِّ وكَأنَّهُ قد سبقَ وحدَثَ، وكأنَّهُم يأخُذُونَنا في رِحلَةٍ نتجوَّلُ بها في وسطِ الأراضِي المنكُوبَة، بِنفسِ الطريقة التي يتجوَّلُ بها الحاكِمُ أو رَئيسُ بَلدٍ ما في طائِرَةٍ فوقَ المناطِق المَنكُوبَة، ليُقدِّرَ الأضرار. في هذا الإطار، يتمُّ تكرارُ الأعداد الإفتِتاحِيَّة والخِتامِيَّة، ونُوضَعُ أمامَ التَّحدِّي بأن نَكُفَّ ونَعلَمَ أنَّ الرَّبَّ هُوَ الله، وأنَّ مَشيئَتَهُ ثابِتَةٌ. (1، 10، 11). كُلُّ المقاطع الكتابِيَّة التي تُخبِرُنا عن يَومِ الرَّبّ، تُشَدِّدُ على التَّطبيق، "أيُ أُناسٌ يَجِب أن نَكُونَ نحنُ، في سِيرَةٍ مُقدَّسَةٍ وتقَوى، بما أنَّنا رأينا أنَّ هذه الأشياء المادِيَّة كُلَّها ستَنحَلُّ وتتَدمَّر؟" (2بُطرُس 3: 10، 11) عندَما إنهارَ بُرجا مَركزِ التِّجارَة العالَمِي في الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ الأميركيَّة، بالإضافَةِ إلى خسارَةِ آلافِ النُفُوسِ، تمَّ تدميرُ رَمزٍ يُشيرُ إلى القِيَم العالميَّة الدُّنيَوِيَّة بالنِّسبَةِ للملايينِ منَ النَّاس. بالطَّبع اللهُ ليسَت لهُ علاقَةٌ بالإرهابِ، وليسَ هُناكَ أيُّ شَيٍ صالِحٌ في المآسي التي يُعانِي منها الأبرياءُ على أيدي الظَّالِمين. ولكنَّ اللهَ يستَخدِمُ أحياناً الكوارِثَ كطريقَةٍ لإيقاظِ شَعبِهِ من رُقادِهِ، وليَقُودَهُم إلى نظامِ قِيَمٍ رُوحيَّةٍ وأبديَّة. هذا هُوَ جَوهَرُ رِسالَةِ هذا المَزمُورِ العظيم الذي كُتِبَ على أيدي بَني قُورَح.ح.
|