في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
الصفحة 1 من 3 نَصِلُ الآن إلى أكبَرِ قِسمٍ من سفرِ التَّكوين، والذي لهُ علاقَةٌ بِثلاثَةِ شَخصِيَّاتٍ كِتابِيَّةٍ مَشهُورَة: إبراهيم، يَعقُوب، ويُوسُف. تَذَكَّرُوا أنَّ المساحَةَ المُخَصَّصَة لمَوضُوعٍ مُعَيَّنٍ تَدُلُّ على مقدارِ أهَمِّيَّةِ هذا الموضُوع. إنَّ مَوضُوعَ هذا القِسم الثَّاني من سفرِ التَّكوين، والذي يُخبِرُنا بِقِصَّةِ إبراهيم، هُوَ الإيمان. فبينما ندرُسُ الإصحاحاتِ القَليلَةِ التَّالِيَة، يُريدُنا اللهُ أن نفهَمَ الإيمانَ كما كان، وكما هُوَ عليهِ الآن. يَقُولُ الإصحاحُ الحادِي عشر من الرَّسالَةِ إلى العِبرانِيِّين، والذي يُعرَفُ بِإصحاحِ الإيمانِ في الكتابِ المُقدَّس حولَ هذا المَوضُوع: "بِدُونِ إيمانٍ لا يُمكِنُ إرضاؤُهُ لأنَّهُ يَجِبُ أنَّ الذي يأتي إلى الله يُؤمِنُ بأنَّهُ مَوجُودٌ وأنَّهُ يُجازِي الذين يَطلُبُونَهُ." عبرانيين 11: 6. بما أنَّ الإيمانَ هُوَ أمرٌ في غايَةِ الأهَمِّيَّةِ، واللهُ يُريدُنا أن نفهَمَ الإيمان، لذلكَ يُخبِرُنا اللهُ قِصَّةَ رَجُلٍ إسمُهُ إبراهيم. هذا الرَّجُل أتى على ذِكرِهِ العهدُ الجَديدُ أكثَر ممَّا أتَى على ذِكر أيَّةِ شَخصِيَّةٍ كِتابِيَّةٍ أُخرى، على أساسِ أنَّهُ دائماً لهُ علاقَةٌ بالإيمان. فإذا أردتُم أن تفهَمُوا الإيمان، عليكُم أن تفهَمُوا إبراهيم. إنَّ سفرَ يشوع هُوَ سِجلٌّ لتاريخِ دُخُولِ شَعبِ اللهِ القَديم أرضِ كنعان. وإذ ندرسُ تاريخَ دخولهم إلى أرضِ كنعان، نجدُ إيضاحاً عظيماً أو بانُوراما عن الإيمان. عندما نقرأُ سفرَ يشوع، نأخُذُ فكرةً واضِحَةً عن كيفيَّةِ إمتلاكِنا لبَرَكاتِنا الروحية. يُعطينا سِفرُ يشُوع إصحاحاً بعدَ الآخر، نماذِجَ تُقتَدى وتحذيراتٍ تُتَفَادَى، ويُظهِرُ لنا ما هُوَ الإيمان وما ليسَ هُوَ. هذه الإصحاحاتُ مُزَيَّنَةٌ بتحذِيراتٍ حولَ مخاطِر "العالَم، الجَسد، والشَّيطان." أول ما نراهُ في سفر يشوع هو ما يمكِنُنا تسميتُهُ "إنتِقالُ عدوَى الإيمان." نرى شُعلَةَ القيادة تنتقلُ من موسى إلى يشوع عندما نقرَأُ: "ويشوع بن نون كان قد امتلأَ روحَ حِكمةٍ إذ وضعَ موسى عليه يديهِ فسمعَ لهُ بنو إسرائيل وعمِلوا كما أوصى الربُّ موسى… وكان بعدَ موتِ موسى عبدِ الرب أن الرب كلَّمَ يشوع بن نون خادم موسى قائلاً. موسى عبدي قد مات. فالآن قم اعبُرْ هذا الأُردن أنتَ وكُلُّ هذا الشعب إلى الأرض التي أنا مُعطِيها لهم أي لبني إسرائيل… تشدَّد وتشجَّعْ لأنكَ أنتَ تقسِمُ لهذا الشعب الأرضَ التي حلفتُ لآبائِهِم أن أُعطِيَهُم. إنما كُن مُتشدِّداً وتشجَّعْ جداً لكي تتحفَّظَ للعمل حسب كل الشريعة التي أمركَ بها موسى عبدي… لأنَّكَ حينئذٍ تُصلِح طريقَكَ وحينئذٍ تُفلِح. أما أمرتُكَ. تشدَّد وتشجَّعْ. لا ترهبْ ولا ترتعبْ لأن الربَّ إلهكَ معكَ حيثُما تذهب." (يَشُوع 1: 6- 8) نرى في الإصحاحات الأولى من سفرِ يشوع ما يمكِنُنا تسميتُهُ "إرتباكُ الإيمان،" أو "مشاكِل الإيمان المُربِكَة." فَخِلال نُمُوِّنا في فَهمِنا للإيمان، علينا أن لا نَضطَّرِبَ عندَما نُواجِهُ مشاكِلَ تُثيرُ أسئِلَةً تَتَحَدَّى إيمانَنا. إذا تمكنَّا من إِلغاءِ كل مشاكِل الإيمان، نكونُ قد ألغينا الإيمان بحدِّ ذاتِه أيضاً. إن شخصيَّةَ راحاب في يشوع 2 تُثيرُ مُشكِلَةً للكثيرين. فقُبَيلَ دخولِ الشعب أرضَ كنعان، أرسلَ يشوعُ جاسوسين عِبرانيَّين ليتحقَّقا من أريحا. فذهبا واختبأا في بيتَ امرأةٍ زانيةٍ اسمُها راحابُ. وعندما جاءَ جُنودُ ملِكِ أريحا يطلُبانهما، خبَّأَتْهُما وضَلَّلت الجنودَ قائلةً لهما أن الجاسوسين ذهبا في طريقٍ آخر، وهكذا أنقذَت الرجُلين اليهوديِّين. فبارَكَها اللهُ بِسَببِ ذلكَ. ونقرَأُ في الإصحاحِ العظيم عن الإيمان، في عبرانيين 11، أنَّ راحاب كانت بَطَلَةً في الإيمان لكَونِها كَذَبت لتُخبِّئَ الجاسُوسَين. إذا نظرتَ للقصَّةِ عن كثب، سوفَ ترى أن ما جعلَ من راحاب بطلةً في الإيمان لم يكُن كذبُها. إذ يقولُ الإصحاح الحادي عشر من عبرانيين، "بالإيمان راحابُ الزانية لم تهلك مع العُصاة [أي الذين لم يُؤمِنوا]". فكما ترى، عندما جاءَ هذان الجاسوسان اليهوديَّان إلى منزلِ راحاب الزانية، قالت لهما شيئاً برهن إيمانَها. قالت، "أنا أعلمُ أنكُم شعبٌ تعرفون اللهَ الحي والحقيقي. وكُلُّ الشعوب هُنا مُرتعِبون منكُم. نحنُ نؤمنُ أن اللهَ معكم." (يشُوع 2: 9). وهكذا قطعَ الجاسُوسان معها عهداً، وأعطَياها وعداً بأن يُنَقِذاها منَ الموت. فلِماذا خَلُصَت إذاًَ؟ إيمانُها خَلَّصَها. لأنَّها آمنت أن هذا الشعبَ العِبريّ كان شعب الله، وأن الله الحي الحقيقي كان معهم. وهكذا أصبحَت راحابُ واحِدَةً من شَعبِ اللهِ، إذ عبَّرَت عن إيمانِها بالإلهِ الحي الحقيقي. في الإصحاح الثالث نجدُ "برهان الإيمان." فعندما يُحاولُ اللهُ أن يُعطِيَنا الإيمان لندخُلَ "كنعانَنَا الروحيَّة" وأن نُطالِبَ بكلِّ بركاتِنا الروحية، فاللهُ سوفَ يُؤكِّدُ ويُشدِّدُ على إيمانِنا ليُشجِّعَنا. نَجدُ هذا في حَياةِ جدعَون، الذي وَضَعَ جَزَّةَ الصُّوفِ التي أكرَمَهُ اللهُ من خلالِها. يقولُ داوُد في المزمور 37: 23 "من قِبَلِ الربِّ تتثبَّتُ خَطَوَاتُ الإنسان." هذا يعني أنَّنا بينما نتَّخِذُ خُطواتِ إيمان، يُبارِكُنا اللهُ ويُثَبِّتُ خُطُواتِ إيمانِنا. في هذا الإصحاح، بَرهَنَ اللهُ نفسَهُ لِيَشُوع، وأظهرَ للشعبِ أن بركَتَهُ هي على قائِدِهِم يشوع كما كانت على موسى. ثم صنعَ أيضاً مُعجِزاتٍ لِتَقوِيَةِ إيمانِ الشعب. كانَ القصدُ من هذه المُعجِزات أن يُظهِرَ للشعبِ أن اللهَ كانَ معهُم وأنهم عندما سيُهاجِمُونَ مُدُنَ كنعان المُحَصَّنَة، مثل أريحا، سوفَ يُبارِكُهم اللهُ ويكون معهم ويَمنَحُهُم النَّصر. في الإصحاح الرابِع نجدُ بني إسرائيل يبنون "مَذبَحَ الإيمان." فعندما عبروا نهر الأُردنّ، رُغمَ قُوَّةَ مياهِه الجاريَة، ولكنهُ وقفَ ندَّين وعبرَ الشعبُ على اليابِسَة. وعندما عبَروا نهرَ الأُردن على اليابِسة، أُمِروا ببناءَ عامودٍ من الحجارة، كنَصَبٍ تذكاري لهذه المُعجِزَة العظيمة، لكي لا ينسى أولادُهم أبداً ما عمِلَهُ اللهُ لهم عندما تحَلُّوا بالإيمان لإجتيازِ نهرِ الأُردُنّ. في الإصحاح الخامس نجدُ ما يُمكِن أن نُسمِّيَهُ "شروط الإيمان." فقبلَ دُخُولِهِم كنعان أُمِروا بأن يختُنوا كُلَّ ذَكَر في الشعب. فالجيلُ الأول ماتَ في البرية. وكان هذا الجيلُ الثاني من شعبِ الله، وجميعُ ذكُوره لم يكونوا مختونين. وهُنا نجدُ إيضاحاً جميلاً عن شُروطِ الإيمانِ. فقبلَ أن تدخُلَ أرض موعد بركات الله، إسأَلْ نفسَكَ هل هنالكَ خطيَّةٌ في حياتِك؟ هل هُنالكَ ما تحتاجُ أن تبتعِدَ عنهُ وتتوب عنه؟ عندما دَرَسنا معاً سفرَ التَّكوين، تعلَّمنا أنَّ الكثيرينَ منَ الذين يعتَرِفُونَ بِكَونِهم مُؤمنين، يُحاولونَ تَجنُّبَ مذبح التوبةِ ذاك الذي بناهُ إبراهيم، عندما كانت حياتُهُ تعريفاً حَيَّاً للإيمانِ بالنِّسبَةِ لنا. فهؤُلاء لم يسمحوا أبداً لله أن يتعاملَ مع الخطية في حياتِهِم. يتوجَّبُ علينا بِبَساطَةٍ أن نتوبَ عن الخطيَّة في حياتِنا، قبلَ أن نتوقَّعَ بركةَ الله على إيمانِنا. هذا كان السبب الذي من أجلِهِ خُتِنَ كل ذكرٍ في الشعب. إن الخِتانَ هو علامةٌ خارجيَّة عن إلتزامٍ داخِلي، مثل المعموديَّة في العهدِ الجديد. في يشوع 5، نجدُ ما نُسمِّيهِ "تَوصِيَةُ الإيمان." وهذا ما نجدُهُ في نهاية الإصحاح الخامِس. لقد سبقَ وأعطى يشوعُ الأمر بمنعِ أيٍّ من جُنُودِهِ من أن يستلَّ سيفَه. لقد خيَّمَ جيشٌ شرقي نهرِ الأُردن تحتَ جناحِ الظُلمة الداكِن، وكان يسهلُ على العدوِّ أن يُحيطَ بهم، فلذلكَ أصدروا الأمرَ بأن لا يستلَّ أحدٌ سيفَه. فإذا رأوا سيفَ أحدٍ مسلولاً، عرفوا أنهُ من العدوّ، وكانَ بإمكانِهِم أن يَرُدُّوا فَوراً على مَصدَرِ الخَطَر. ثُمَّ خرجَ يشوعُ ليمشيَ في مُنتَصَفِ الليل، في الليلةِ التي سبقت معركة أريحا. فرأى رجلاً سيفُهُ مسلولٌ، فسارعَ وسألهُ، "هل أنتَ صديقٌ أم عدوّ؟" فكان الجواب، "أنا رئيسُ جُندِ الرب." نقرأُ أن يشوعَ سقطَ على وجهه إلى الأرضِ وسجدَ وقال، "بماذا يُكلِّم سيِّدي عبدَه؟" فقال رئيسُ جُندِ الرب ليشوع، "إخلعْ نعلَكَ من رِجليك، لأن المكان الذي أنتَ واقفٌ عليهِ هو مُقدَّس." ثمَّ نقرأ، "ففعلَ يشوعُ كذلك." (يشُوع 5: 14- 16). في الإصحاح السادس من سفر يشوع نجدُ الخطَّة التي إستلمها يشوعُ من الرب في الليلة التي سبقت المعركَة. فلقد أُمِرَ الشعبُ أن يخرجوا من مُخيَّمِهِم وأن يدوروا حول أسوارِ أريحا. وكانَ عليهِم أن يفعَلُوا ذلكَ مرَّةً في اليوم، ولِسِتَّةِ أيَّامٍ على التَّوالِي. في اليوم السابع، كان يُفتَرَضُ بهم أن يدوروا حول المدينة سبعَ مرَّات. لقد أُمِروا أن يدوروا حولَ المدينة ثلاثَ عشرة مرَّة. لقد كانت هذه المَدينَةُ مُحصَّنةً بأسوارٍ عريضةٍ يُمكِنُ أن تُبنَى منازلُ فوقَها. وكان الذين يُدافِعُون عن مدينتهم، يضعُون النساءَ والأطفالَ والأشخاص الذين لا يُمكِنُهُم حمل السلاح، يضعُونهم في تلكَ المنازِل المُرتفِعَة فوقَ السور ليرموا العدوَّ المُهاجِم بالجمرِ وبالحصى، عندما يقتربُ العدوُّ من السور. أحدُ القادة العِظام الذي يُدعَى أبيمالِك، تعرَّض للموت والعار بإقترابِه من سورِ مدينةٍ كان يُهاجِمُها. فألقت إمرأةٌ عَجوزٌ بحجرِ رحَى على رأسِ أبيمالك، فسحقتهُ. فما كان من أبيمالك إلا أن طلبَ من حامل سِلاحِه قائلاً، "إستلَّ سيفي وأجهِزْ عليَّ لئلا يُقال قتَلتهُ امرأة." (قُضاة 9: 52- 54). فأصبحَ هذا بمثابةِ تحذيرٍ إستراتيجيٍّ لبني أسرائيل: لا تقتربوا أبداً من سورِ المدينة، لأن هكذا قُتِلَ أبيمالك. ولكن هذا ما كان يقوله اللهُ ليشوع هُنا: خذْ كامِلَ شعبِكَ مُباشرةً إلى جانبِ سور أريحا، ودوروا حول ذلك السور ثلاثَ عشرة مرَّة. لقد كانت هذه أوَّلُ حملَةٍ عَسكَرِيَّةٍ يَقُودُها يشُوعُ، وكانَ مُتَشَوِّقاً ليُظهِرَ مواهِبَهُ كقائدٍ عسكَريّ ستراتيجيّ. وهذا ما سيُظهِرُهُ يَشُوعُ لاحِقاً، بأنَّهُ كانَ يتمتَّعُ بعبقَرِيَّةٍ عَسكَرِيَّةٍ ستراتيجيَّةٍ. ولكنَّ خُطَّةَ هذه المعرَكَة كانت مهزَلَةً مُضحِكَة، وجعَلَت يشُوعَ يبدُو غَبِيَّاً جدَّاً. ولكنَّ يشُوعَ طَبَّقَ هذه الخُطَّة بِحذافِيرِها، لأنَّهُ عرفَ شَيئاً واحِداً عن هذه الخُطَّة، وكانَ هذا هُوَ كُلّ ما إحتاجَ معرِفَتَهُ، ألا وهُوَ أنَّها كانت خُطَّة الله. وطِوالَ الوقت الذي كانوا يدورون فيه حولَ السور، كان عليهم أن لا ينطِقُوا بكَلِمة. لا بُدَّ أن شعبَ أريحا كانوا مُرتعبين برهبة لأنهم لم يرموا شيئاً من على السور على الإسرائيليين. بعدَ الدوران حول أسوارِ أريحا لمدَّةِ سَبعَةِ أيَّام، في اليوم السابِع إستدارَ يشوعُ نحو الشعبِ وقال لهم، "إهتفوا!" الرسالةُ إلى العبرانيين تحسُمُ لنا القضيَّة عندما تقولُ أن أسوارَ أريحا سقطت بالإيمان. لقد كانَ يَشُوعُ يَقُودُ مَوكِبَ شَعبِ اللهِ حولَ أسوارِ أريحا. ولقد تطَلَّبَ هذا الكَثيرَ منَ الإيمان. تطلَّبَ هذا إيماناً كبيراً من هذا القائد أن يُعرِّضَ كُلَّ هذا الشعب لكلِّ مخاطِر السور، مَرَّةً في اليوم لِمُدَّةِ ستَّةِ أيَّامٍ، ومن ثَمَّ سبعَ مرَّاتٍ في اليومِ السَّابِع. تُرينا معرَكَةُ أريحا نوعَ الإيمان الذي يُمَكِّنُنا من الدُّخُولِ إلى "أرضِ مَوعِدِنا،" وأن نحيا كَشَعبٍ تَقِيّ. هذا النَّوعُ منَ الإيمانِ هُوَ نَوعٌ عَمَلِيٌّ. إنَّهُ الإيمانُ الذي يَسيرُ. فإيمانُ يشُوع الذي مشى حولَ أريحا ثلاثَ عشرَةَ مرَّةً هُوَ ليسَ لُغزاً أو سِرَّاً. بل هذا النَّوع منَ الإيمان هُوَ بِبَساطَةٍ طاعَةٌ. فالإيمانُ الذي يَسيرُ، هُوَ الإيمانُ الذي يعمَلُ. والإيمانُ الذي سارَ وعمِلَ في ذلكَ اليوم، كانَ الإيمان الذي رَبِحَ معرَكَةَ اريحا لِصالِحِ يشُوعُ وشعبَ إسرائيل القَديم. إنَّ هذا المُستَوى منَ الإيمان يُمكِنُهُ أن يعمَلَ وأن يربَحَ معارِكَ في حياتِنا اليوم. هل إيمانُكَ مثل هذا الإيمان؟ يعتَقِدُ البَعضُ أنَّ الإيمانَ ينبَغي ألا يعمَلَ إلى أن يفهَمُوا كُلَّ شَيءٍ بِعُقُولِهم. ولكنَّ يسُوعَ علَّمَ الذين تَبِعُوهُ بأن يُلزِمُوا أنفُسَهُم أوَّلاً بالعَمَل، ووعدَهُم بأنَّ التأكيدَ العقلِيَّ سوفَ يتبَعُ الإلتِزامَ العمَلِيّ. قالَ، "إن كانَ أحدٌ سيعمَلُ، فسيَعلَمُ." (يُوحَنَّا 7: 17)أوَّلاً، (بالمبدأ)، سِرْ حولَ أريحا ثلاثَ عشرَةَ مرَّةً، وعندها سوفَ تكتَشِفُ إيماناً يعمَلُ وينتَصِر. كتبَ المَلِكُ داوُد يقولُ في المزمُور 27 ما معناهُ ، "لكانت قُوايَ قد خارتَ لولا أنني آمنتُ بأن أرى جُودَ الربِّ في أرضِ الأحياء." يقولُ العقلانيون ، "فقط عندما ترى تستطيعُ أن تُؤمِن." ولكن كَلِمَةَ اللهِ تُعَلِّمُنا، "الإيمانُ يقودُ إلى رؤيةِ الأُمور." هذا ما نراهُ مُوضَّحاً عنِ الإيمانِ في معركةِ أريحا. فاللهُ لا يزالُ يُكَلِّفُنا بطاعَةِ خُطَتِهِ لِحياتِنا. أحياناً، تمتَحِنُ وَصاياهُ لِحياتِنا إيمانَنا، تماماً كما إمتَحَنَت خُطَّتُهُ لمعرَكَةِ أريحا إيمانَ يشُوع. إن كُنتَ تَعرِفُ اللهَ بِشكلٍ كافٍ، ستعرِفُ أنَّ وَصِيَّتَهُ لن تأخُذَكَ إلى حيثُ لا تَستطيعُ نعمَتُهُ حمايَتَكَ. فإن كُنتَ تَعرِفُ أنَّ اللهَ يَقُودُكَ لتَعمَلَ شَيئاً مُعَيَّناً، إعمَلْهُ (يُوحَنَّا 2: 5). يُعَلِّمُنا سفرُ يشُوع أنَّ الإيمانَ عمَلِيٌّ. وعندَما يسيرُ، يعمَلُ، وعندما يعمَلُ، يربَحُ معارِكَ الحياة. "اللهُ لنا ملجأٌ وقوَّةٌ. عوناً في الضيقاتِ وُجِدَ شديداً. لذلكَ لا نَخشَى ولو تزحزَحَتِ الأرضُ ولو انقَلَبَتِ الجِبالُ إلى قلبِ البِحَار. تعجُّ وتجيشُ مياهُها. تتزعزعُ الجِبالُ بِطُمُوِّها. ... نهرٌ سواقيهِ تُفرِّحُ مدينةَ الله مَقدَسَ مساكِنِ العليّ. اللهُ في وسطِها فلن تتزعزَع. يُعينُها اللهُ عندَ إقبالِ الصُّبح. عجَّتِ الأُمَمُ. تزعزعتِ الممالِكُ. أعطَى صوتَهُ ذابتِ الأرضُ. ربُّ الجُنودِ معنا. ملجأُنا إلهُ يعقُوب. ... هلُمُّوا انظُروا أعمالَ الله كيفَ جعلَ خِرَبَاً في الأرض. مسكِّنُ الحُرُوب إلى أقصَى الأرض. يكسِرُ القوسَ ويقطعُ الرُّمح. المركَبَاتُ يُحرِقُها بالنار. كُفُّوا واعلَمُوا أنِّي أنا الله. أتعَالَى بينَ الأُمَم أتَعَالَى في الأرض. ربُّ الجُنُودِ معنا. ملجأُنا إلهُ يعقوب... كُفُّوا واعلَمُوا أنِّي أنا اللهُ. أَتَعَالَى بينَ الأُمَم أَتَعَالَى في الأرض. رَبُّ الجُنُودِ معَنا. مَلَجأُنا إلهُ يعقُوب." (مَزمُور 46: 1- 7، 10- 11) بالنِّسبَةِ لِبَني قُورَح، المُرَنِّمينَ القُدَامَى الذين كتَبُوا هذا المَزمُور، كانَ مفهُومُ إنقِلابِ الجَبَلِ إلى قَلبِ البَحرِ صُورَةً مجازِيَّةً غير معقُولَة. فقَلبُ الرِّسالَةِ التَّعَبُّدِيَّة التي قدَّمها هؤُلاء الإخوة اللاوِيُّون كانَ أنَّهُ، عندما يتداعَى عالَمُنا الشَّخصِيّ، نحتاجُ أن نهدَأَ ونعرِفَ أنَّ اللهَ جالِسٌ على العَرش، وأنَّ مَشيئَتَهُ لا تتَزَعزَع. (10) لقد شاهَدَ الناسُ حولَ العالَمِ كيفَ إنهارَ البُرجانِ التَّوأَمانِ لمَركَزِ التِّجارَةِ العالَمِي في الوِلاياتِ المُتَّحِدَة الأميركيَّة، وذلكَ في لحظاتٍ معدُودات. كانَ هذا مِثالاً مُعاصِراً عن صُورَةٍ مجازِيَّةٍ لا تُعقَل. كانَ هذا هُوَ جَبَلُنا الذي ينقَلِبُ إلى قَلبِ البِحار. نحتاجُ أن نُرَكِّزَ على الحقيقَةِ أنَّهُ في هذا العالم، تُوجَدُ قِيَمٌ زمنِيَّةٌ مُؤَقَّتَة، وتُوجَدُ قِيَمٌ أبديَّة. إنَّ الإستِعارةَ التي إستَخدَمَها كُتَّابُ المَزامير القُدامَى للتَّعبيرِ عن مفهُومِ القيَمِ الأبديَّة والزَّمَنِيَّة المَوجُودة جنباً إلى جنب، هي بمثابَةِ نهرٍ مُتَدَفِّقٍ عبرَ هذا العالم المادِي المُؤَقَّت والذَّاتي التَّدمير، وهذا النَّهرُ لا يُمكِنُ زحزَحتُهُ ولا تدميرُهُ. فاللهُ قائمٌ في وسطِ هذا النَّهر، الذي يتدفَّقُ عبرَ هذا العالم، ويأتي بالفَرَحِ الكَبير بينما يتدفَّقُ إلى مدينَةِ اللهِ الأبديَّة. قد يُمَثِّلُ هذا النَّهرُ شَعبَ اللهِ، الذي لدَيهِ حياةٌ أبديَّة لأنَّ لديهِ علاقَة معَ إلهِهِ الأبديّ. فالرَّسُولُ يُوحَنَّا، الذي كانَ قد صارَ شَيخاً طاعِناً في السِّنّ، وصفَ شعبَ اللهِ بالطريقَةِ التَّاليَة: "وأمَّا الذي يَصنَعُ مَشيئَةَ اللهِ، فيَثبُتُ إلى الأبَد." (1يُوحَنَّا 2: 17). فكَونُ هذا النَّهر لا يُمكِنُ أن يتزعزَعَ، يعني أنَّهُ قد يُمَثِّلُ القِيَمَ الأبديَّةَ التي تتَدفَّقُ عبرَ هذا العالَم المادِيّ الزَّائِل. فهؤُلاء المُرنِّمُون يَقُولُونَ لنا أنَّهُ عندَما يتدَاعى عالَمُنا حرفِيَّاً أو مجازِيَّاً، عندَها نحتاجُ أن نَكُفَّ ونتوقَّفَ لوقتٍ طويلٍ، وأن نُرَكِّزَ على حَقيقَةِ أنَّ اللهَ مَوجُودٌ، وأنَّ كُلَّ ما لهُ علاقَةٌ باللهِ فسيَبقَى إلى الأبد. نُخبَرُ في العهدِ الجَديد أنَّنا لا نستطيعُ أن نأتِيَ إلى اللهِ، ولا أن نُرضِيَ الله، إلا إذا آمَنَّا أنَّ اللهَ مَوجُودٌ (عبرانِيِّين 11: 6). بِحَسَبِ هذا المَزمُور العظيم، عندما يتدَاعَى عالَمُنا، وبعدَ أن نَكُونَ قد أكَّدنا حقيقَةَ أنَّ اللهَ كائِنٌ ومَوجُودٌ، فنحنُ نحتاجُ أيضاً إلى نُسَكِّنَ أنفُسَنا بِشَكلٍ كافٍ، لنَعرِفَ ما هي مشيئَةُ الله. فاللهُ يُريدُ أن يتعظَّمَ بينَ الأُمَم، واللهُ يُريدُ أن يتمجَّدَ على الأرض. يُخبِرُنا المَزمُورُ السَّادِس والأربَعُون أنَّهُ في زَمَنِ الإضطِّراباتِ، نحتاجُ أن نهدَأَ ونعرِفَ أنَّ اللهَ لديهِ إرادَةٌ واضِحَةٌ تجاهَ هذا العالم وتجاهَ حياتِنا الشخصيَّة. هذا المَزمُور لديهِ المزيد منَ كلماتِ التَّعزِيَة والنَّظرَةِ الرُّوحِيَّة لنا، عندما يَكُونُ عالَمُنا الحقيقيّ أو الشَّخصي ذاتِيّ التَّدمير. فإذا تفحَّصتُم بعضَ هوامِش التَّرجمات الأُخرى، تكتَشِفُونَ أنَّ هؤُلاء المُرَنِّمِينَ القُدَامَى كانُوا يَقُولُونَ لنا أنَّ إلَهَنا "مُتَوَفِّرٌ بفَيضٍ ليُسَاعِدَنا في ضِيقاتِنا." فعِندَما قالُوا لنا أن نَكُفَّ ونعلَمَ أنَّ الرَّبَّ هُوَ الله، وما هي مشيئَةُ الله، كتبُوا ما معناهُ: "إستَريحُوا، كُفُّوا عنِ المُقاوَمة، إستَلسِمُوا واعلَمُوا (بواسِطَةِ الإختِبارِ والعلاقَة)، أنَّني كائِنٌ، وأنَّني تماماً كما تَقُولُ كَلِمَتي عنِّي. واعلَمُوا أيضاً أنَّني معَكُم في أوقاتِ ضِيقَتِكُم، وأن لَدَيَّ مَشيئَةٌ حِيالَ الطريقَة التي بها ينبَغي أن تَتَجاوَبُوا معَ ظُرُوفِ حياتِكُم الصَّاخِبَة." عندما يُعانِي شَعبُ اللهِ من خسائِرَ في مُمتَلَكاتِهم المادِّيَّة بسببِ الكَوارِث، مثل الزلازِل، الطَوافانات، النَّار، أو بسببِ الكوارِث التي يُحدِثُها الإنسان كالحَربِ مثلاً، فرُغمَ أنَّهُ لا يُوجَد أيُّ خَيرٍ في هذه الكوارِثِ والمآسِي، فاللهُ يستخدِمُ أَحياناً هذه الإضطراباتِ ليُعَلِّمَ شَعبَهُ الفَرقَ بينَ كُنُوزِ السَّماءِ وكُنُوزِ الأرض. لقد علَّمَنا يسُوعُ أن نخزِنَ لنا كُنُوزاً في السَّماءِ، لأنَّ كُنُوزَ الأرضِ تَزُولُ ويسرِقُها منَّا اللُّصُوص. (متَّى 6: 19- 21). يُعتَبَرُ هذا المَزمُورُ أيضاً مزمُوراً نَبَويَّاً، لكَونِهِ يُقَدِّمُ بطريقَةِ إستِعارَةٍ مجازِيَّة ما يُسَمِّيهِ الأنبِياءُ والرُّسُلُ "يَومَ الرَّب." فعندما يتنبَّأُ الأنبياءُ بِحَدَثٍ ما، يُقَدِّمُونَ أحياناً هذا الحَدَث وكأنَّهُ سبقَ وأخذَ مجراهُ. هذا ما يُسَمَّى "بالماضِي النَّبَوِيّ الكامِل." إنَّ كُتَّابَ هذا المَزمُور يُقَدِّمُونَ يومَ الرَّبِّ وكَأنَّهُ قد سبقَ وحدَثَ، وكأنَّهُم يأخُذُونَنا في رِحلَةٍ نتجوَّلُ بها في وسطِ الأراضِي المنكُوبَة، بِنفسِ الطريقة التي يتجوَّلُ بها الحاكِمُ أو رَئيسُ بَلدٍ ما في طائِرَةٍ فوقَ المناطِق المَنكُوبَة، ليُقدِّرَ الأضرار. في هذا الإطار، يتمُّ تكرارُ الأعداد الإفتِتاحِيَّة والخِتامِيَّة، ونُوضَعُ أمامَ التَّحدِّي بأن نَكُفَّ ونَعلَمَ أنَّ الرَّبَّ هُوَ الله، وأنَّ مَشيئَتَهُ ثابِتَةٌ. (1، 10، 11). كُلُّ المقاطع الكتابِيَّة التي تُخبِرُنا عن يَومِ الرَّبّ، تُشَدِّدُ على التَّطبيق، "أيُ أُناسٌ يَجِب أن نَكُونَ نحنُ، في سِيرَةٍ مُقدَّسَةٍ وتقَوى، بما أنَّنا رأينا أنَّ هذه الأشياء المادِيَّة كُلَّها ستَنحَلُّ وتتَدمَّر؟" (2بُطرُس 3: 10، 11) عندَما إنهارَ بُرجا مَركزِ التِّجارَة العالَمِي في الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ الأميركيَّة، بالإضافَةِ إلى خسارَةِ آلافِ النُفُوسِ، تمَّ تدميرُ رَمزٍ يُشيرُ إلى القِيَم العالميَّة الدُّنيَوِيَّة بالنِّسبَةِ للملايينِ منَ النَّاس. بالطَّبع اللهُ ليسَت لهُ علاقَةٌ بالإرهابِ، وليسَ هُناكَ أيُّ شَيٍ صالِحٌ في المآسي التي يُعانِي منها الأبرياءُ على أيدي الظَّالِمين. ولكنَّ اللهَ يستَخدِمُ أحياناً الكوارِثَ كطريقَةٍ لإيقاظِ شَعبِهِ من رُقادِهِ، وليَقُودَهُم إلى نظامِ قِيَمٍ رُوحيَّةٍ وأبديَّة. هذا هُوَ جَوهَرُ رِسالَةِ هذا المَزمُورِ العظيم الذي كُتِبَ على أيدي بَني قُورَح.ح. إنَّ الجوهَرَ الحقيقيّ لرسالةِ الكاتِب نجدُهُ في الإصحاحِ الحادِي عشر من هذه الرسالة. فالإصحاحُ الحادي عشرَ من عبرانيين يُعرَفُ بِ"إصحاحِ الإيمان" في الكتابِ المقدَّس. يبدَأُ الإصحاحُ في الواقِع في نهايَةِ الإصحاحِ العاشِر، عندما يبدَأُ بإعطاءِ قُرَّائِهِ جُملَةَ أسبابٍ من أجلِها ينبَغي عليهم أن لا يطرَحُوا إيمانَهم جانِباً (عبرانِيِّين 10: 35). فهُوَ يقُولُ أنَّهُم لا ينبَغي أن يتخلُّوا عن إيمانِهم لأنَّ الإيمانَ خلَّصَهم. ويحُضُّهُم على أن يُعيدُوا التفكير بتلكَ المرحلة التي فيها آمنُوا وخلُصُوا. هذا هُوَ جوهَرُ موضُوع هذه الرِّسالة – لا تطرَحُوا إيمانَكُم، لأنَّ الإيمانَ خلَّصَكُم. يبدُو أنَّهم إختَبَرُوا التوبَةَ الحقيقيَّة والرجُوعَ إلى شخصِ المسيح الذي كانَ مُرافَقاً بالمحبَّةِ الأُولى الصافِية للمسيح. لقد ذكَّرَهُم بذلكَ الإختِبار، وكيفَ إحتَمَلُوا خسارَةَ كُلِّ شَيء، عالِمينَ أنَّهُم سينالُونَ مُجازاةً أفضل في السماء. والآن، ينصَحُ الكاتِبُ أن نرجِعَ ونُفكِّرَ بالإختِبارِ الأساسيّ للإيمانِ والخلاص، وأن نُفكِّرَ بما عناهُ لنا، وأن نُدرِكَ أنَّنا خَلُصنا بالإيمان. لهذا، مهما حدَثَ، علينا أن لا نتخلَّى عن إيمانِنا الذي خلَّصَنا. ثُمَّ في العدد 38 من الإصحاحِ العاشِر، يقتَبِسُ الكاتِبُ من حبقُّوق، "أمَّا البارُّ فبالإيمانِ يحيا." (حبقُّوق 2: 4). في هذا الإطار، يقُولُ الكاتِبُ ما معناهُ، "لا يُمكِنُكُم أن تطرحُوا إيمانكُم لأنَّكُم ستحتاجُونَهُ. فأنتُم لا تخلُصُونَ فقط بالإيمان بل وتحيونَ بالإيمان. من الصَّعبِ جداً تعريف الإيمان، ولكن بالإمكانِ وصفُهُ. يقُولُ الكاتِبُ: "وأمَّا الإيمانُ فهُوَ الثِّقَةُ بما يُرجى والإيقانُ بأُمُورٍ لا تُرى." الرَّجاءُ هُوَ الإقتِناعُ أنَّ خَيراً يُوجدُ في هذا العالم، ويوماً ما سوفَ نَلتَقي بهذا الخَير. قدَّمَ داوُد تحدِّياً للفاشِلينَ والهارِبينَ بهذا السؤال، "من هُوَ الإنسانُ الذي يَهوَى الحَياة ويُحِبُّ كثرَةَ الأيَّام لِيَرَى خيراً؟" ثُمَّ يُجيبُ على سُؤالِهِ بتقديمِ هذه الدعوة: "ذُوقوا وانظُروا ما أطيبَ الرَّبّ. طُوبى للرَّجُل المُتَوَكِّل عليهِ!" (مزمُور 34: 12، 8) فِلِكَي يكُونَ الإيمانُ إيماناً، ينبَغي أن يكُونَ هناكَ برهانٌ يدعَمُ الإقتِناع أنَّ خيراً ما سيحدُثُ. ولكنَّ إطارَ الفكرة هُنا هُوَ، "لا تطرَحُوا إيمانَكُم بسبب ما هوَ الإيمان. فالإيمانُ هُوَ جوهَرُ رجائِكُم أو الأساسُ الذي يجعَلُ من رجائِكُم معقُولاً. الإيمانُ هُوَ بُرهانُ الأُمُور التي لا تُرى، أي الهدف غير المنظُور لإيمانِكُم." عندما يكُونُ إيمانُكُم إيماناً كِتابِيَّاً، ينبَغي أن يكُونَ مَوضُوعَ إيمانكُم غير منظُور. فأنتُم تُلغُونَ الحاجَةَ للإيمانِ عندما يكُونُ بإمكانِكُم أن تروا مَوضُوعَ إيمانِكُم. عندما يكُونُ الإيمانُ كِتابِيَّاً، يكُونُ موضُوعُ إيمانِكُم غير منظُور، ولكن يكُونُ هُناكَ بُرهانٌ يدعَمُ الإقتِناع أنَّ الموضُوع غير المنظُور مُوجُودٌ هُناك. إنَّ هذا يُشبِهُ رائِحَةَ وجبَةِ طعامٍ شَهِيَّة لم ترونَها بعد، ولكنَّ رائِحتها الزَّكِيَّة هُوَ بُرهانٌ على أنَّ الوجبَةَ هي على وشكِ أن تُقدَّم. لهذا، فإنَّ أفضَلَ تعريفٍ للإيمان مُمكِن أن يكُون: "الإيمانُ هُوَ فِعلُ الإيمانِ بشيءٍ، أو بشخصٍ، لا تستطيعُونَ رُؤيتَهُ، ولكنَّهَ مَبنيٌّ على دَليل أو بُرهان." في هذه الحال، الأمرُ غيرُ المنظُور هُوَ الله. فالكاتِبُ يقُولُ أنَّ أعظَمَ بُرهانٍ في العالم عن وُجودِ اللهِ هُوَ الشخص الذي لديهِ إيمانٌ. فبِحَسَبِ العهدِ الجديد، الإيمانُ هُوَ هِبَةٌ من الله. (أفسُس 2: 8؛ فيلبِّي 1: 29) لهذا، فالشخصُ الذي لديهِ إيمانٌ هُوَ البُرهانُ الأعظَمُ على الأرض بأنَّ واهِبَ الإيمانِ مَوجُودٌ. يقُولُ الكاتِبُ، "الإيمانُ هُوَ الثِّقَةُ بما يُرجَى والإيقانُ بأُمُورٍ لا تُرى." فمن بينِ عدَّةِ أُمُورٍ، يُخبِرُنا كاتِبُ هذه الرسالة العميقة أنَّ الإيمانَ هُوَ بِحدِّ ذاتِهِ بُرهانٌ على وُجُودِ الله غير المنظُور. يُعطي الكاتِبُ لقُرَّائِهِ سبباً جديداً لعدَمِ طرحِهم إيمانَهم، إذ يقُول: "لأنَّهُ بدونِ إيمانٍ لا يُمكِن إرضاؤُهُ، لأنَّهُ يَجِبُ أنَّ الذي يأتي إلى الله يُؤمِنُ بأنَّهُ مَوجُودٌ وأنَّهُ يُجازِي الذينَ يطلُبُونَهُ. (عبرانِيِّين 11: 6) تمسَّكَ بمنطِقِ حُجَّةِ الكاتِب، الذي يُعبِّرُ عن كافَّةِ الأسباب التي من أجلِها على قُرَّائِهِ أن لا يطرَحُوا إيمانَهُم. يقُولُ أنَّهُ عليهم أن لا يطرَحُوا إيمانَهُم لأنَّهُ بدُونِ إيمانٍ لا يُمكِنُهُم أن يقتَرِبُوا من الله ولا أن يُرضُوه. ثُمَّ يُخبِرُنا عن أشخاصٍ أرضُوا اللهَ بإيمانِهم. فأخنُوخ كانَ ذلكَ الإنسان الذي نقلَهُ اللهُ إلى حضرتِهِ بسببِ إيمانِه. وكأنَّ أخنُوخ مَشَى معَ اللهِ لدرجةِ أنَّهُ ذاتَ يوم، قالَ اللهُ لهُ، "يا أخنُوخ، لقد أصبحنا الآن أقرَب إلى بَيتي ممَّا إلى بيتِكَ؛ فلماذا لا تأتي معي إلى بيتي وحسب؟" وهكذا أخذَ اللهُ أخنُوخ بكُلِّ بَساطَةٍ إلى السماء لأنَّ أخنُوخ سارَ معَ اللهِ وأرضاهُ (عبرانِيِّين 11: 5). ثُمَّ، يُعطِي أمثِلَةً عن أشخاصٍ أتقِياء كانُوا أصحابَ إيمان. تأمَّل في الإصحاحِ الحادِي عشر من الرِّسالَة إلى العِبرانِيِّين وضعْ خطَّاً تحتَ كُلِّ الأفعال، وكلمات الفِعل. جميعُ هؤُلاء كانُوا أبطالاً في الإيمان لأنَّهُم عمِلُوا شيئاً. لِهذا أقُولُ أنَّ الإيمانَ هُوَ فِعلُ إيمانٍ في شَخصٍ، أو شَيءٍ، لا تستطيعُ رُؤيتَهُ، ولكنَّهُ مُبرهَنٌ بِدَليلٍ. عندما كلَّفَ اللهُ نُوحاً ببِناءِ الفُلك، لم تَكُن قد أمطَرَت على الأرض بعد. يَصِفُ الكاتِبُ تحدِّي الإيمان الذي واجَهَهُ نُوح، الذي آمنَ "بأُمُورٍ لم تُرَ بعد." فنوح لم يسبِقْ لهُ أن رأى مطراً. إنَّ قِصَّةَ نُوح، التي تُغطِّي أربَعَةَ إصحاحاتٍ من سفرِ التكوين، تُوصَفُ في عددٍ عميقٍ من إصحاحِ الإيمانِ: "بالإيمان نُوحٌ لمَّا أُوحِيَ إليهِ عن أُمُورٍ لم تُرَ بعد، خافَ فبنَى فُلكاً لِخَلاصِ بيتِهِ فَبِهِ دانَ العالَمَ وصارَ وارِثاً للبِرّ الذي حسبَ الإيمان." (11: 7) لقد كانَ نُوحٌ كارِزاً بالبِرّ لمُدَّةِ مائةٍ وعشرينَ سنَةً، التي قضاها في بناءِ الفُلك. فالطريقَةُ الوحيدَةُ التي كانت مفتُوحَةً للخلاص كانت بالفُلك. يُخبِرُنا بُطرُس أنَّ الفُلكَ كانَ صُورَةً عن الخلاص. في هذا الإصحاح، نُخبَرُ أنَّ نُوح هُوَ صُورَةٌ عن الإيمان، وعمَّا يعنيهِ الإيمانُ وماذا يعمَلُهُ الإيمان. أشخاصٌ كثيرون يعتَقِدُونَ أنَّ الصُّورَةَ المجازِيَّة التي يُقدِّمُها الكاتِبُ في عبرانِيِّين 12: 1- 2 هي أنَّنا بِمَثابَةِ أبطالٍ رِياضِيِّين نركُضُ في المَيدان، بينَما تُراقِبنا "سحابَةٌ من الشُّهُود" بينما نركُضُ نحنُ في الميدان. لقد سَبَقَ لهُم وركضُوا سِباقَهم. هل تُؤمِنُ أنَّهُ بإمكانِ الأشخاص المُتَوَفِّين، أُولئكَ الذين سبقُونا إلى المجد، أن يعرِفُوا ماذا يحدُثُ في حياتِنا؟ يُضيفُ كاتبُ العبرانيِّين إلى حُجَّتِهِ هُنا في إصحاحِ الإيمان، أنَّهُ علينا أن لا نطرَحَ إيمانَنا جانِباً، لأنَّ سحابَةً من الشُّهُود تُراقِبنا وتهتِفُ فَرَحاً لنا عندما نركُضُ في سباقِ الحياة. أنتَ واحِدٌ من أولادِ الله، وبما أنَّكَ كذلكَ، عندما تعصى وصاياهُ، سوفَ يُؤدِّبُكَ. بحَسَبِ كاتِبِ هذه الرِّسالة، إن كُنتَ تتألَّمُ بسببِ خُضُوعِكَ للتأديب، فإنَّ ألمَكَ هُوَ تأكيدٌ لكونِكَ إبناً (أو إبنةً) لله. يقُولُ كاتِبُ العبرانيِّين: "لا تحتَقِرُوا تأديبَ الله. فعندما يُؤدِّبُكُم اللهُ، فإنَّ هذا يُبَرهِنُ أنَّكُم أبناؤُهُ. وسوفَ يُؤدِّي تأديبُكم لأن تشتَرِكُوا في قداسَتِهِ." ويُخبِرُنا الكاتِبُ أيضاً أنَّ التأديبَ يُؤتي ثمرَ بِرٍّ في السلام. يختُمُ الكاتِبُ هذه الرسالة العميقة بحَضِّنا لنكُونَ مُضِيفينَ للغُرَباء. يقُولُ في الإصحاحِ الأخير، "لا تنسُوا إضافَةَ الغُرَباء لأنْ بِها أضافَ أُناسٌ ملائِكَةً وهُم لا يدرُون." ثُمَّ يقُولُ لنا الكاتِبُ أن نذكُرَ المُقَيَّدِينَ، وكأنَّنا مُقيَّدُونَ معهُم. فلقد كانَ الكثيرونَ من أعضاءِ الكنيسةِ الأُولى في السجن. يختُمُ الكاتِبُ هذه التُّحفَة الرُّوحيَّة بِحَضٍّ على إطاعَةِ القادة الرُّوحِيِّين المسؤولينَ عن خَيرِنا الرُّوحِي.
|