في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
إنَّ هذا السِّفرَ الأوَّل منَ الأسفارِ الشعرِيَّةِ الخَمسة هُوَ كَلِمَةُ اللهِ المُوحاة للقُلُوبِ المُتَأَلِّمَة. بِمَعنَىً ما، يُمكِنُ النَّظَرُ إلى مأساة الألَم القَديمَة هذهِ كإيضاحٍ حَيَوِيٍّ لواحِدَةٍ من تطويباتِ يسُوع التي علَّمَها في مَوعِظَتِهِ على الجَبَل: "طُوبَى للِحَزَانى، لأنَّهُ يتعزَّون." (متَّى 5: 4) غالِباً ما نَجِدُ تعليمَ العهدِ الجديد مُوسَّعاً ومُوضَّحاً في العهدِ القَديم. في العهدِ الجَديد، يُعطِينا يسُوعُ هذا التَّعليمَ العَظيم في جُملَةٍ واحِدَة، ولكنَّ سِفرَ أيُّوب يُطَبِّقُ هذه الحقيقة على حالَةٍ خاصَّةٍ، ويُعَلِّمُ بِثلاثِ خُطُواتٍ يُمكِنُنا إتِّخاذُها لكَي نربَحَ راحَةَ وبَرَكَةَ المسيح المَوعُود بها لأُولَئِكَ المُتَأَلِّمِين. وهذه الخُطواتُ الثَّلاث هي التَّالِيَة: الخُطوَةُ الأُولى: دَعْ حُزنَكَ يَقُودُكَ إلى حَيثُ تسأَلُ نفسَكَ، لَرُبَّما لأَوَّلِ مرَّةٍ في حياتِكَ، الأسئِلَةَ الصَّحيحَةَ. لاحِظَ كيفَ يُقدِّمُ لنا أيُّوب مِثالاً على ذلكَ. وبينما تقرَأُ هذا السِّفر، لاحِظْ كيفَ إقتِيدَ أيُّوبُ بأَلَمِهِ ليَطرَحَ أسئِلَةً كالتَّالِيَة: "هل يرى اللهُ ما يحدُثُ لي؟ إن كانَ أمَلِي الوَحيد هُوَ القَبرُ، فأينَ هُوَ هذا الأمَلُ؟ وما هُوَ الإنسانُ حتَّى تمتَحِنَهُ أو تعتَدَّ بِهِ؟ ولماذا أخرَجَني اللهُ منَ الرَّحِم؟ وهل لدَيَّ القُوَّة لأُساعِدَ نَفسِي؟ أمَّا الرَّجُلُ فيَمُوتُ ويَبلَى. الإنسانُ يُسلِمُ الرُّوح فأَينَ هُوَ؟ إن ماتَ رَجُلٌ أَفَيَحيا؟" (أَيُّوب 14: 10، 14) هذه هي الأسئلَة التي يُريدُنا اللهُ أن نطرَحَها عندما نجتازُ في الألَمِ والحُزن. الخُطوَةُ الثَّانِيَة: دَعْ حُزنَكَ يَقُودُكَ إلى حيثُ تَستَمِعُ إلى أجوِبَةِ اللهِ على الأسئِلَةِ الصَّحيحة. لقد طَرَحَ أيُّوبُ السُّؤالَ: "إذا ماتَ إنسانٌ، هل يحيا ثانيةً؟" ولقد أجابَ اللهُ على هذا السُّؤال، عِندَما ضاعَفَ مُمتَلَكاتِ أيُّوب. لاحِظْ أنَّ اللهَ ضاعَفَ ماشِيَةَ أيُّوب، ولكنَّهُ لم يُضاعِف، بل أعطَى أيُّوبَ سبعَةَ بنين وثلاث بنات إضافِيِّين، في الوقتِ الذي ضاعَفَ فيهِ كُلَّ مُمتَلَكاتِ أيُّوب الأُخرى. تفسيرُ ذلكَ هُوَ أنَّهُ عندما ماتت المَاشِيَة، لم تُعد موجودة، ولكن عندما مات أبناءُ أيوب وبناتُهُ، فهم لم يموتوا بمعنى أنهُم لم يعودوا موجُودين، بل إنتقلوا إلى بُعدٍ آخر أو الحالَةِ الأبدَيَّةِ. فَلِكَي يُضاعِفَ عددَ أولادِ أيُّوب، إحتاجَ اللهُ فقط أن يُعطِيَهُ مُجَدَّداً سبعَةَ بنين وثلاث بنات. فمن وُجهةِ نظرِ الأبديَّة، أصبَحَ لدى أيُّوب أربعةَ عشرَ إبناً وستة بنات. هذه هي الطريقة التي أجابَ بها اللهُ على سُؤالِ أيُّوب، "إذا ماتَ إنسانٌ، هل يحيا ثانِيَةً؟" سوفَ نجِدُ الكَثيرَ منَ الأجوِبَةِ على هذا السُّؤال في كلمةِ الله، مثل الطريقة التي أجابَ بها اللهُ على أسئِلَةِ أيُّوب، المَزمُور الثَّالِث والعِشرين، وفي العهدِ الجديد حيثُ يَقُولُ يسُوعُ أنَّهُ هُوَ القِيامَةُ والحياة، وأنَّ كُلَّ من يُؤمِنُ بهِ لن يَمُوتَ إلى الأبد. (يُوحَنَّا 11: 25، 26). عندَما تقرَأُ كلِمَةَ اللهِ، سوفَ تَجِدُ عِدَّةَ أجوِبَةٍ جميلَةٍ يَقَدِّمُها اللهُ على الأسئِلةِ الصَّحيحة. فَتِّشْ عنها بِرُوحِ الصَّلاةِ، ثُمَّ أَصغِ بِرَوِيَّةٍ بينما يَقُودُكَ اللهُ إلى هذه الأجوِبَة الجميلة على الأسئِلَة الصَّحيحَة في كَلِمَتِهِ المُقَدَّسَة. الخُطَوَةُ الثَّالِثَة: دَعْ حُزنَكَ يَقُودُكَ إلى ذلكَ المَكان الذي فيهِ تستطيعُ أن تُؤمِنَ بأجوِبَةِ اللهِ على الأسئِلَةِ الصَّحيحة. فعندما تطرَحُ الأسئِلَةَ الصَّحيحَة، أصغِ إلى أجوِبَةِ اللهِ على هذه الأسئِلَة ، وآمِنْ بأجوِبَةِ اللهِ على هذه الأسئِلَة الصَّحيحة، وسوفَ تكتَشِفُ البَرَكَةَ والتَّعزِيَةَ اللتَينِ وعدَ بهما يسُوعُ للحَزانَى. يُسَمِّي الكتابُ المُقدَّسُ هذه البَركَة والتَّعزِيَة بالخَلاص. لآلافِ السِّنين، كانَ شَعبُ اللهِ يَطرَحُونَ السُّؤالَ، "لماذا يتألَّمُ شَعبُ الله؟" يُقدِّمُ سِفرُ أيُّوب أعمقَ وأشمَلَ جوابٍ على هذا السُّؤال. ولكنَّ سِفرَ أيُّوب ليسَ الجَوابَ الوَحيدَ الذي يُقدَّمُ على هذا السُّؤال في الكتابِ المُقدَّس. فمن سفرِ التَّكوين إلى سِفرِ الرُّؤيا، نَجِدُ أنَّ تألُّمَ شَعبِ اللهِ هُوَ مَوضُوعٌ قد تمَّت مُعالَجَتُهُ في كَلِمَةِ الله. في هذا الفَصل، سوفَ أُعالِجُ بإختِصارٍ ثلاثِينَ سَبَباً من أسبابِ التألُّم التي يُقَدِّمُها الكتابُ المُقدَّس. 1-يُمكِنُ أن يُعَلِّمَنا الأَلَمُ أنَّ اللهَ نفسَهُ هُوَ منبَعُ كُلِّ تَعزِيَة. هُناكَ فِكرَةٌ أعطَت بُولُس تَعزِيَةً عندما عانَى منَ تجرِبَةٍ صَعبَةٍ في آسيا: "مُبارَكٌ اللهُ أبُو رَبِّنا يسُوع المسيح أبُو الرَّأفَة وإلهُ كُلِّ تَعزِيَة." (2كُورنثُوس 1: 3) ولقد قادَ الأَلَمُ بُولُس ليَكتَشِفَ أنَّ اللهَ كانَ دائماً حاضِراً بِجانِبِهِ وقادِراً على تَعزِيَتِهِ. ويتحدَّانا بُولُس لنكتَشِفَ الأمرَ ذاتَهُ عندَما نتألَّمُ. 2-الألَمُ يُدَرِّبُنا ويُؤَهِّلُنا ويُعِدُّنا لنُعَزِّي الآخَرين. تابَعَ بُولُس الفِكرَةَ التي بدَأَها في المقطَعِ المُشارِ إليهِ، عندما كتبَ قائِلاً، "الذي يُعزِّينا في كُلِّ ضِيقَتِنا حتَّى نستَطيعَ أن نُعَزِّيَ الذين هُم في كُلِّ ضِيقَةٍ بالتَّعزِيَةِ التي نتعزَّى نحنُ بها منَ الله." (2كُورنثُوس 1: 4) فالمُبَشِّرُ هُوَ مُتَسَوِّلٌ يُخبِرُ مُتَسَوِّلاً آخَر عن مكانِ وُجُودِ الخُبز. والخادِمُ المُؤهَّلُ للتَّعزِيَة هُوَ صاحِبُ قَلبٍ مُتَألِّمٍ يُخبِرُ قَلباً مُتَأَلِّماً آخر عن مكانِ وُجُودِ التَّعزِيَة. فعِندَما نكتَشِفُ التَّعزِيَةَ التي يُمكِنُنا أن نجِدَها في اللهِ نفسِهِ، نُصبِحُ خُدَّاماً مُؤَهَّلِينَ للتَّعزِيَة. فقط أُولئِكَ الذين إختَبرُوا الألَم الذي أدَّى بهم إلى إكتِشافِ تعزِيَةِ الله، فقط هَؤُلاء يُمكِنُهُم أن يُخبِرُوا القُلُوبَ الأُخرى المُتألِّمَة عن مكانِ وُجُودِ التَّعزيَة. 3-الألَمُ يَقُودُنا إلى طَلَبِ حِكمَةِ الله. بِحَسَبِ يَعقُوب، عندما يَقُودُنا ألَمُنا إلى المكانِ الذي لا نعرِفُ فيهِ بِبٍَساطَةٍ ماذا ينبَغي علينا أن نفعَلَ، يتوجَّبُ علينا عندها أن نطلُبَ حكمَةَ اللهِ لأَجلِ الحكمَةِ التي لا نملِكُها. "وإنَّما إن كانَ أحَدٌ تُعوِزُهُ حِكمَةٌ فَليَطلُبْ منَ اللهِ الذي يُعطِي الجَميعَ بِسَخاءٍ ولا يُعَيِّر فسَيُعطَى لهُ." (يعقُوب 1: 5) يُؤكِّدُ لنا يَعقُوبُ أنَّ اللهَ سوفَ يغمُرُنا بالحكمَةِ التي نحتاجُها. 4-الألَمُ يَقُودُنا إلى النُّضجِ الرُّوحِيّ. علَّمَ يعقُوبُ أنَّ الألَمَ يَجعَلُنا "تامِّينَ وكامِلينَ، غيرَ ناقِصِينَ في شَيءٍ." (يعقُوب 1: 4) فإمتِحانُ الإيمانِ يَقُودُ إلى ثِقَةِ الإيمان. وثِقَةُ الإيمانِ تَقُودُ إلى إنتِصارِ الإيمان، أو إلى "إكليلِ الحَياة." (يعقُوب 1: 12) 5-الألَمُ يَقُودُنا لِلُوصُولِ إلى نعمَةِ الله. عندما يُعطينا اللهُ الحكمَةَ لأنَّنا لا نعلَمُ ماذا ينبَغي أن نفعَلَ، سوفَ نحتاجُ أيضاً إلى نعمَةِ اللهِ التي تُمَكِّنُنا من تطبيقِ الحكمةِ المُعطاةِ لنا منَ الله. كتبَ بُولُس يَقُولُ في 2 كُورنثُوس 9: 8: "واللهُ قادِرٌ أن يَزِيدَكُم كُلَّ نِعمَةٍ لِكَي تَكُونُوا ولكُم كُلُّ إكتِفاءٍ كُلَّ حِينٍ في كُلِّ شَيءٍ، تزدادُونَ في كُلِّ عمَلٍ صالِحٍ." كُلُّ نعمَة، كُلُّكُم، كُلّ حِين، كُلّ إكتِفاء، كُلّ شَيء، كُل فَيض لكُلّ عمل صالِح. لا عَجَبَ أنَّ يُخبِرَنا بُولُسَ أن نفرَحَ في الآلامِ لأنَّها تَقُودُنا إلى إكتِشافِ كنزِ الحكمة والنِّعمَةِ هذا. 6-الألَمُ يُنتِجُ شَخصِيَّةً رُوحيَّة. يُنتِجُ فينا الألَمُ تلكَ النَّوعِيَّة منَ الشَّخصيَّةِ التي لا تهرُبُ منَ الصُّعُوباتِ: "وليسَ ذلكَ فقط بَل نفتَخِرُ أيضاً في الضِّيقاتِ عالِمِينَ أنَّ الضِّيقَ يُنشِئُ صبراً، والصَّبرُ تَزكِيَةً، والتَّزكِيَةُ رجاءً، والرَّجاءُ لا يُخزِي." (رُومية 5: 3- 5أ) إنَّ هكذا كلماتٍ مثل الصبر والتَّزكِية تَصِفُ لنا ما يُمكِنُ تسمِيَتُهُ "البَقاء تحتَ الضَّغط." إنَّها تلكَ النَّوعِيَّة منَ الشخصيَّة التي تبقَى وتستَمِرُّ تحتَ الضَّغطِ، مهما صَعُبَت الظُّرُوف. هكذا تُصبِحُ البُرتُقالَةُ بُرتُقالَةً. فهي تبقَى مُعَلَّقَةً على الشَّجَرَةِ إلى أن تُصبِحَ بُرتُقالَةً ناضِجَة. وهكذا أيضاً بإمكانِ الألَمِ أن يُطَوِّرَ فينا هذه النَّاحِيَة الهامَّة منَ الشَّخصِيَّةِ الرُّوحيَّة. 7-عندَما نتألَّمُ في شَبابِنا، نكسَبُ قُوَّةً لسنِّ البُلُوغ. نقرَأُ في مراثِي إرميا 3: 27، "جَيِّدٌ لِلرَّجُل أن يحمِلَ النِّير في صِباه." فعِندما يتجرَّبُ الشُّبَّانُ و الشَّابَّاتُ، يُطَوِّرُونَ قُوَّةً وإستِقراراً سيحتاجُونها ليتحمَّلُوا التَّجارِبَ في سنِّ البُلُوغ. 8-الألَمُ يُدَرِّبُ خُدَّامَ الإنجيل. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّ الألَمَ هُوَ الطريقة التي نُبَرهِنُ بها ذواتِنا بأنَّنا خُدَّامُ الله: "بل في كُلِّ شَيءٍ نُظهِرُ أنفُسَنا كَخُدَّامِ اللهِ في صَبرٍ كَثيرٍ في شَدائِد في ضَرُوراتٍ في ضِيقاتٍ." (2كُورنثُوس 6: 4) عندها يُريدُنا اللهُ أن نتجاوَبَ معَ ذلكَ "في طَهَارَةٍ في عِلمٍ في أناةٍ في لُطفٍ في الرُّوحِ القُدُس في محبَّةٍ بلا رِياءٍ في كلامِ الحَقِّ، في قُوَّةِ الله." (2كُورنثُوس 6: 6 و7أ) الألَمُ هُوَ القُوَّةُ الدِّينامِيكيُّةُ التي يستَخدِمُها اللهُ ليُؤَسِّسَ هذا "المعهد اللاهُوتيّ" الذي فيهِ يُدَرِّبُ خُدَّامَ الإنجيل. 9-الألَمُ يُقيمُ "تُخوماً عجائِبِيَّةً" في رحلاتِ إيمانِنا. عندما صَلَّى داوُد طالِباً الإنقاذ في وقتِ الأزَمة (مَزمُور 3: 1- 6)، صَلَّى بإيمانٍ وثِقَةٍ سبقَ وتبرهَن نجاحُهُما، لأنَّهُ تأكَّدَ من أمانَةِ اللهِ في أوقاتِ الأزَماتِ في حَياتِهِ. ففي كُلِّ مرَّةٍ نتأكَّدُ فيها أنَّ اللهَ مَوجُودٌ بجانِبنا في أوقاتِ الأزمَة، نكسَبُ "تُخماً عجائِبيَّاً" يُقَوِّي إيمانَنا في أزماتِ الحاضِرِ والمُستَقبَل. 10-الألَمُ يُمَهِّدُ الطريقَ لِخلاصِ الله. لقد كرزَ إشعياءُ قائِلاً أنَّ حياةَ المَسيَّا سوفَ تَكُونُ بمثابَةٍ شارِعٍ عريضٍ من خلالِهِ سيأتي اللهُ بِخلاصِهِ إلى هذا العالم: "كُلُّ وطاءٍ يرتَفِعُ وكُلُّ جَبَلٍ وأكَمَةٍ ينخَفِضُ ويَصِيرُ المُعوَجُّ مُستَقِيماً والعَراقِيبُ سَهلاً. [ويُبصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خلاصَ الله]." (إشعياء 40: 4) لقد كانت حياةُ يسُوع شارِعاً جلبَ اللهُ من خلالِهِ خلاصَهُ إلى هذا العالم. فَلِكَي نَكُونَ مثلَ اللهِ، فهذا يعني أن نَكُونَ شارِعاً يأتي اللهُ عليهِ بخلاصِهِ إلى هذا العالم من خلالِنا. فاللهُ قادِرٌ أن يأتِيَ بِخلاصِهِ إلى الآخرين من خلالِ حياتِنا، عندما تُسَوَّى جِبالُ كبريائِنا بالأرض، وعندما تمتَلِئُ فراغاتُ حياتِنا، وعندما تُقَوَّمُ خطايانا المُعوجَّة، وعندما تُعالَجُ وتُنَعَّمُ الجُرُوحُ الوعِرَة في حياتِنا والنَّاتِجَة عنِ الألَم. 11-الألَمُ يُظهِرُ قُوَّةَ الله. عندما صَلَّى بُولُس إلى اللهِ ليُريحَهُ من شَوكَتِهِ في الجَسَد، قالَ لهُ اللهُ، "تكفيكَ نِعمَتِي، لأنَّ قُوَّتِي في الضَّعفِ تُكمَلُ." (2كُورنثُوس 12: 9) فيُمكِنُ لِضَعفاتِنا أن تَكُونَ مجالاً لإظهارِ قُوَّةِ اللهِ وسُلطانِهِ. قد يَكُونُ هذا تفسيراً مُحتَمَلاً للتَّعَبِ المُزمِن الذي يُرافِقُ كُلَّ أنواعِ الأَلَم. فعجزُنا يُظهِرُ ويستَعلِنُ قُدرَةَ الله. 12-عدَم كفاءَتنا تُظهِرُ كفاءَةَ الله. الألَمُ يجعَلُ منَّا غيرَ مُلائِمين وغيرَ كَفُوئين. فلقد أُعيقَتْ كفاءَةُ بُولُس كَثيراً بِسَبَبِ شوكَتِهِ في الجَسَد. (2كُورنثُوس 12: 7- 10) ولكن عندما نَكُونُ ضُعفاء، يكُونُ اللهُ قَوِيَّاً. وعندما نَكُونُ غيرَ قادِرين، يَكُونُ اللهُ قادِراً. فاللهُ يستَطيعُ أن يستخدِمَ أَلَمَنا ليُعَلِّمَنا أينَ تنتَهي قُوَّتُنا وأينَ تبدَأُ قُوَّتُهُ. 13-الأَلَمُ قد يُشَكِّلُ فُرصَةً لتعلُّمِ التَّواضُع. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّ شوكتَهُ في الجَسَد إستُخدِمَت لتمنَعَهُ من تمجيدِ نفسِهِ، لأنَّ الإختِباراتِ العجيبة التي إجتازَها، أُرسِلَت لهُ الشَّوكَةُ في الجسد كملاكِ الشيطان ليَلطِمَهُ لِئلا يرتَفِع. (2كُورنثُوس 12: 7) وبما أنَّنا يُمكِنُ أن نتجرَّبَ بالتَّنَصُّتِ على إطراءِ الآخرينَ بنا عندما يستَخدِمُنا اللهُ، وأن نسلُبَ اللهَ مجدَهُ الذي يستَحِقُّهُ، فاللهُ يستَخدِمُ أحياناً ألَمنا ليُبقِيَنا مُتواضِعين. 14-إختِباراتُ الألَم غالِباً ما تَقُودُ إلى إختِباراتٍ مُفرِحَة. نقرَأُ في المزمُور 126، "لأن الذين يزرعونَ بالدموع يحصدُون بالإبتهاج." فالدُّمُوعُ التي نسكُبُها في أوقاتِ ألَمِنا، غالِباً ما تَكُونُ بِذاراً سوفَ تُعطي يوماً ما ثِمارَ الفَرَح. رُغمَ أنَّ الألَمَ يستَمِرُّ لموسِمٍ كامِل، ولكنَّهُ يُنتِجُ فرَحاً في مَوسِمِ الحَصاد. أحياناً يتوجَّبُ علينا أن نَنتَظِرَ للحالَةِ الأبديَّة، لِنَختَبِرَ هُتافَ الفَرَح. 15-الألَمُ يَكُونُ أحياناً تشحيلاً يبدُو وكأنَّهُ تأجيلاً لِلبَرَكَة. علَّمَ يسُوعُ أنَّنا نحنُ الأغصان وأنَّهُ هُوَ الكَرمة. لكي نحمِلَ ثماراً، ينبَغي أن نَكُونَ دائماً في علاقَةٍ معَ المسيح، الذي هُوَ كَرمَتُنا، تماماً كما تَكُونُ الأغصانُ مُرتَبِطَةً بالكَرمَة. فلِكَي نَكُونَ مُثمِرينَ، ينبَغي علينا أيضاً أن نتحمَّلَ عمليَّةَ التِّشحيل أو التنقِيَة المُؤلِمَة، لأنَّ كَونَنا قد تنقَّينا أو تمَّ تقليمُنا وتَشحيلُنا، سيجعَلُ من حياتِنا في المسيحِ أكثَرَ إثماراً وفرَحاً. (يُوحَنَّا 15: 2؛ 11) 16-الألَمُ يُعلِنُ المَسيحَ للعالَم. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّنا عندما نتألَّمُ، نكُونُ آنِيَةً خَزَفِيَّةً صغيرَةً ينبَغي أن تتَحمَّلَ الآلام، علَّنا نُعلِنُ كنزَ المسيح الثَّمين، الذي هُوَ بمثابَةِ نُورٍ يَشِعُّ على هذا العالم من خلالِ الشُّقوقِ الصغيرة في إنائِنا الخَزَفِيّ. (2كُورنثُوس 4: 7- 10) فبينَما نتألَّمُ، نُصبِحُ "مُكتَئِبِينَ في كُلِّ شَيءٍ لكن غير مُتَضايِقِين،" إذ نُعلِنُ مجدَ قُوَّةِ اللهِ في جسدنا المائِت. 17-الألَمُ يُمكِنُ أن يُحفِّزَ نُمُوَّ إنساننا الدَّاخِليّ. فالإنسانُ الخارِجِيّ هوَ مُؤَقَّتٌ زائِل، أمَّا الدَّاخِليُّ فأبَدِيّ. فبينما إنسانُنا الخارِجُ يفنَى، فإنَّ إنسانَنا الدَّاخِلُ يتجدَّدُ يوماً فيَوماً، إستِعداداً للحالَة ِالأبديَّة. (2كُورنثُوس 4: 16). فألَمُنا وقتِيٌّ، ولكنَّ إنعكاساتِ ألَمِنا قد تَكُونُ أبديَّةً. هذا مفهُومٌ رائِعٌ نستطيعُ مُشارَكَتَهُ معَ أُولئكَ الذين يُعانُونَ من مَرَضٍ خَبيثٌ ينقُلُهُم من هذا العالم إلى الأبديَّة. 18-الألَمُ يستَطيعُ أن يُعَلِّمَنا قِيَماً أبَدِيَّةً. نَقرَأُ أنَّهُ في الأيَّامِ الأخيرة، ستَتَزعزَعُ الأرضُ إلى أن لا يَبقى إلا تلكَ الأُمُور التي لا تتزعزَع. (عبرانِيِّين 12: 25- 29). فَبِما أنَّ حياتَنا وقتِيَّةٌ، وقِيَمنا هي غالِباً ما تتمحوَرُ حولَ أُمُورِ هذا العالم الوَقتِيَّة، يستَخدِمُ اللهُ أحياناً الألَمَ ليَرفَعَ أعيُنَنا عن تلكَ الأُمور الوقتِيَّة، ليُثَبِّتَها على قِيَمِ الأبديَّة. 19-الألَمُ يستَطيعُ تنقِيَتَنا. "لأنَّ إلَهَنا نارٌ مُحرِقَة." (عبرانِيِّين 12: 29) فهُوَ يستَخدِمُ أحياناً الألمَ ليُحرِقَ في حياتنا كُلَّ ما يتعارَضُ معَ طبيعَتِهِ المُقدَّسَة. عمليَّةُ التَّنقِيَة هذهِ التي تُحَضِّرُنا للأبديَّة، قد تأتي إلينا بِشَكلِ الألَم. 20-الألَمُ يَكُونُ أحياناً حصادَ الخياراتِ السَّيِّئَة. فما نزرَعُه، إيَّاهُ نحصُدُ أيضاً. فإذا زرعنا فساداً، سوفَ نحصُدُ فساداً. والذِّهنُ المُنحَرِفُ الفاسِد يقُودُ حتماً إلى حياةٍ مُنحَرِِفَةٍ فاسِدة. أحياناً، عندما نتألَّمُ، نحصُدُ "مائِدَةَ العواقِب الوخيمة"، لأنَّنا نكُونُ قد زَرَعنا البُذُورَ المغلُوطَة في بُستانِ حياتِنا. (غلاطية 6: 7، 8) 21-الألَمُ يُثَبِّتُ هُوِيَّتَنا كأبناءِ الله. فاللهُ يُؤدِّبُ بأمانَةٍ أولادَهُ الحقيقيِّين. (عبرانيين 12: 4- 11؛ يُوحَنَّا 1: 12، 13). فهُوَ يتحمَّلُ مسؤوليَّةً تجاهَ أولادِهِ، لا يتحمَّلُها تجاهَ أُولئكَ الذين لا يَدْعُونَهُ أباً ورَبَّاً على حياتِهم. فبما أنَّهُ أبُونا ونحنُ أولادهُ، فإنَّهُ يُؤَدِّبُنا عندمَا نُخطِئُ. 22-الألَمُ يعني أحياناً أنَّ المسيحَ يرغَبُ بالشَّرِكَةِ معَنا. فالمسيحُ الحَيُّ المُقامُ يقرَعُ على أبوابِ قُلُوبِ أُولئكَ الذي لَيسُوا بارِدينَ ولا حارِّينَ في إلتِزامِهِم لهُ. هذا القَرعُ يُمَثِّلُ توبِيخَهُ وتأديبَهُ، عندَما نعتَبِرُهُ مُخَلِّصاً ولا نعتَبِرُهُ رَبَّاً. (رُؤيا 3: 19- 20) إنَّهُ يرغَبُ بالوُصُولِ إلى كُلِّ ناحِيَةٍ هامَّةٍ من نواحِي حياتنا، وأن تَكُونَ لنا شَرِكَة معَهُ في هذه النَّواحِي. فقَرعُ المسيحَ على قُلُوبِنا قد يأتِينا بِشكلِ الألَم. 23-كُورَةُ الخَنازِير البَعيدة غالِباً ما تُعجِّلُ الإبنَ الضَّالَّ على الرُّجُوع. تماماً كما "رجعَ الإبنُ الضَّالُّ إلى نَفسِهِ" عندما بدأَ يتألَّمُ في كُورَةِ الخنازير البَعيدة (لُوقا 15: 17)، هكذا الألَمُ أيضاً في "كُورَةِ الخنازير البَعيدة" في هذا العالم، قد يُعيدُنا إلى نُفُوسِنا، ويَقُودُنا إلى التَّوبَةِ، ويُرجِعُنا بتَصميمٍ إلى الشَّركَة معَ الآب وإلى قِيَمِهِ الأبديَّة. 24-تأديبُ الألَمِ يجعَلُنا نشتَرِكُ في قداسَةِ الله. فعندما يُؤَدِّبُنا أبُونا السَّماوِيّ بمحبَّةٍ، نقرأُ أنَّهُ يُؤدِّبُنا لأجلِ المَنفَعَة لكَي نشتَرِكَ في قداسَتِهِ. فاللهُ قُدُّوسٌ، وهُوَ يُريدُنا أن نَكُونَ قِدِّيسين. فهُوَ يستَخدِمُ أحياناً الألَم ليُساعِدَنا على فَهمِ أهَمِّيَّةِ القداسَة في شَخصِيَّتِهِ وفي شخصِيَّتِنا. (عبرانِيِّين 12: 10). 25-نتألَّمُ أحياناً لأنَّ العالَمَ يكرَهُ المسيحَ وأتباعَهُ. كتبَ بُولُس الرَّسُول قائِلاً، "وجميعُ الذين يُريدُونَ أن يَعيشُوا بالتَّقوى في المسيح يسُوع يُضطَّهَدُون." (2تيمُوثاوُس 3: 12) 26-الألَمُ يُطَهِّرُ إيمانَنا. كتبَ بُولُس قائِلاً: "الذي بهِ تبتَهِجُونَ معَ أنَّكُم الآن إن كانَ يَجِبُ تُحزَنُونَ يَسيراً بتجارِبَ مُتَنَوِّعَة. لِكَي تَكُونَ تَزكِيَةُ إيمانِكُم وهِي أثمَنُ منَ الذَّهَبِ الفانِي معَ أنَّهُ يُمتَحَنُ بالنَّار تُوجَدُ للمَدحِ والكرامَةِ والمَجد عندَ إستِعلانِ يسُوع المسيح." (1بُطرُس 1: 6- 7). فكما يُنَقَّى الذَّهَبُ بالنَّار، هكذا إيمانُنا أيضاً، الذي هُوَ أثمَنُ منَ الذَّهَبِ الفَانِي، يُنَقَّى بنارِ آلامِنا. 27-عِندَما نتأَلَّمُ، نتبَعُ بذلكَ مِثالَ مُخَلِّصِنا. كتبَ بُطرُس يَقُولُ بأنَّنا مَدعُوُّونَ لنقتَفِيَ خُطُواتِهِ. (1بُطرُس 2: 21) فلقد عانَى من نِزاعِ الصَّليب لأجلِ خلاصِنا. وأخبَرَنا صراحَةً أنَّهُ علينا أن نحمِلَ صَليبَنا وأن نتبَعَ مِثالَهُ (لُوقا 9: 23- 25؛ 14: 25- 35). فعندَما نتحمَّلُ الألَمَ لأجلِ المسيح، نَكُونُ بذلكَ نقتَفي خُطُواتِهِ. 28-الألَم يفتَحُ أحياناً البابَ لِمَلَكُوتِ الله. عندَما إضطُّهِدَ بُولُس وبَرنابا في رحلاتِهِما الإرساليَّة، شَجَّعُوا المُؤمنينَ الآخرينَ بالقَول، "ينبَغي أنَّهُ بِضِيقاتٍ كثيرة ندخُل ملكوت الله." (أعمال 14: 22) رُغمَ أنَّهُ لا يتوجَّبُ علينا أن نتألَّمَ لكَي ندخُلَ إلى ملكوتِ الله، ولكنَّ كثيرينَ يأتُونَ إلى الإيمان من خلالِ بابِ الألَمِ والضِّيق. 29-يتوجَّبُ علينا جميعاً أن ندخُلَ الأبديَّةَ عبرَ مَوتِنا وقِيامَتِنا. قالَ يسُوعُ لإمرأَةٍ في جنازَةٍ مُعَيَّنة، أنَّ مُشكِلَتَينا اللتَينِ لا حَلَّ لهُما، ألا وهُما المَرَضُ والمَوت، يُمكِنُهما أن يَكُونَا الطَّريقَ الذي يُؤدِّي بنا إلى حياتِنا الأبديَّة. (يُوحَنَّا 11: 20- 32) بإمكانِنا أن نُحَوِّلَ من هاتَينِ المُشكِلَتَين إلى تذكَرَةِ سَفَرٍ إلى بيتِنا السَّماوِيّ، وذلكَ بالإيمانِ بأنَّ يسُوعَ هُوَ الحَلّ الوَحيد لمَشاكِلِنا. ولكنَّ اللهَ لا يستطيعُ أن يُزيلَ المرضَ والمَوت، لأنَّ هذا سيحرِمُنا من طَريقِنا الوحيد للخُرُوجِ من هذا العالم. هذا سببٌ آخر يُفسِّرُ ألمَنا في بعضِ الأحيان. 30-فلسفَةُ المَوت الكِتابِيَّة. لكي يُثبِتَ الرَّاعي سُلطَتَهُ، غالِباً ما يضرِبُ الخِرافَ على قَرنِها ضرباتٍ خَفيفَة لكي يجعَلَها تربُضُ أرضاً. فبِحَسَبِ قَولِ داوُد، يُصبِحُ اللهُ راعِيَنا عندَما يُربِضُنا. (مَزمُور 23: 2). وعندَما تُوضَعُ هذه العلاقَة في إطارِها الصحيح، عندَها يَقُودُنا اللهُ إلى مياهِ الرَّاحَةِ، وإلى المراعِي الخُضر، فيفِيضُ كأسُنا رَيَّا. وعندما نَقُومُ مُجدَّداً، فإنَّ هذه المراعي تتحوَّلُ إلى مراعٍ صفراء يابِسَة، وتُصبِحُ المياهُ معكُورَةً، وكأسُنا فارِغَةً. المَوتُ هُوَ الرَّاعي الصَّالِح الذي يجعَلُنا نربُضُ ونرقُدُ في المَوت، لكي يستَطيعَ اللهُ أن يُورِدَنا إلى المراعِي الخُضر التي لا تَيبَسُ، وإلى مياهِ الرَّاحَةِ التي لا تتعكَّرُ، وإلى الكأسِ التي لا تفرَغُ. لكي نَنالَ هذه القِيَمَ الأبديَّة، علينا أن نختَبِرَ هاتَينِ المُشكِلَتَينِ اللتَينِ لا حَلَّ لهُما، ألا وهُما المرَضُ وا لمَوت. هذا هُوَ التَّفسيرُ الكِتابِيُّ النِّهائِيُّ لسماحِ اللهِ لنا بأن نتألَّمَ أحياناً. لدى كلِمَةِ اللهِ الكَثير لِتَقُولَهُ لنا عن الألَم، لكن هُناكَ الكثيرُ منَ آلامِ شعبِ اللهِ التي لا نفهَمُها. الكَلِمَةُ التي نستَخدِمُها أكثَرَ من غَيرِها في هذا العالم هي، "لِماذا؟" أمَّا الكَلِمَةُ التي سنستَخدِمُها أكثَرَ من غَيرِها في السَّماءِ فسَتَكُونُ كلمة التَّعجُّب، وبعدَ التَّعجُّبِ لعشرَةِ آلافِ سنَةٍ، سوفَ نبدَأُ بالقَولِ "هَلِّلويا." الصفحة 1 من 2 عندَما يتعلَّمُ الوُعَّاظُ كيفَ يُلقُونَ عِظَةً، يُطلَبُ منهُم أن يفعَلُوا ثلاثَةَ أُمور: "أوَّلاً، عليكَ أنْ تُخبِرَ الناسَ ما أنتَ مُزمعٌ أنْ تخبرَهم، ثمّ عليكَ أنْ تخبرَهم، أَخيراً عليكَ أنْ تخبرَهم ما أخبرتَهم بهِ." فعِندَما كتبَ يُوحنَّا إنجيلَهُ، بإمكانِنا أن نعتَبِرَ أنَّ الأعداد الثمانِيَة عشر الأُولى بمثابَةٍ مُقدِّمَةٍ يتكلَّمُ فيها عمَّا سيُخبِرُنا بِهِ. ثمّ ِمَن الآيةِ التاسعة عشر مِنَ الإصحاحِ الأولِ وحتى العدد التاسِع والعِشرين من الإصحاح العشرين، يخبرُنا. ثمّ في العددين ثلاثين وواحد وثلاثين من الإصحاحِ العشرين يخبرُنا يوحنا بِما أَخَبرَنا بهِ. عندما يُخبِرُنا يُوحنَّا بما سيقُولُهُ لنا، فهُوَ يُخبِرِنا من جُملَةِ الحقائِق التي سيُشارِكُها معنا، أنَّهُ عندما أصبحَ كلمةُ اللهِ الحَي جسداً وحلَّ بينَنا، وعندما تفاعلَ الناسُ بشكلٍ صحيح مع يسوع، عندما قَبِلُوه وآمنوا به، وُلِدوا ثانيةً. لقد إختَبَرُوا وِلادَةً ليست جسديَّةً ولا طبيعيَّة. لقد وُلِدوا مِنَ الله. بَعدَ أن أَخبَرَنا بما سيقُولُهُ لنا، أعطانا أمثِلَةً عمَّا كتبَهُ بأنَّ أُولئِكَ الذين تجاوَبُوا بطريقَةٍ مُلائِمة معَ يسُوع، وُلِدُوا من فَوق. وهكذا يُعطينا يُوحنَّا في إصحاحٍ بعدَ الآخر، أمثِلَةً عن كيفَ تجدَّدَ الناسُ عندما كانُوا يتجاوَبُونَ بالطريقَةِ الصحيحَةِ معَ يسُوع المسيح. ويبدَأُ يُوحنَّا بإخبارِنا عن كيفَ إلتَقى بعضُ الرُّسُل أوَّلاً برَبِّهم ومُخلِّصِهم. لقد سألُوهُ أينَ يمكُث. فدعاهُم ليأتُوا وينظُرُوا أينَ يسكُن. وبما أنَّ قرارَهم بأن يأتُوا وينظُروا أينَ وكيفَ يعيش، بما أنَّ قرارَهم هذا قادَهم ليعيشوا ويمُوتُوا من أجلِِه، فلقد إختَبَروا بِوُضُوح ماذا يعني أن تُولَدَ من الله عندما تَعيشُ معَ يسُوع. في الإصحاح الثاني، نجدُ صُورَةً مجازِيَّةً عن الوِلادَة الجديد، عندما يُصوَّرُ يسُوعُ بأنَّهُ الشخص الذي يقدِرُ أن يُحوِّلَ الماءَ إلى خمر. الخُطوات التي أدَّت إلى هذه المُعجِزة، وتطبيقيَّاً، إلى الوِلادة الجديدة، نجدُها مُصوَّرَةً لنا مجازِيَّاً. أوَّلاً، بِكلِمَاتِ مريم الثلاث، "ليسَ لديهم خَمرٌ." (يُوحنَّا 2: 3). بما أنَّ الخمرَ يرمُزُ إلى الفرَح في كلمةِ الله، فبالتطبيقِ التعبُّدِيّ، فإنَّ كلمات مريم هذه هي بمثابَة إعتِراف بأنَّهُ لن يكُونَ لدينا فرَحٌ أو بأنَّنا لم نُولَد ولادَةً جديدة. الماءُ أحياناً هو رَمْزٌ للكتاب المقدسِ نفسِهِ. فهذهِ صورةٌ للخطوةِ الثانيةِ للولادة الجديدة. نقرَأُ أيضاً أنَّ كلمةَ الله هي "البِذار" الذي يُنتِجُ الولادَةَ الجديدة، ويُخبِرنا الكتابُ أنَّ الإيمانَ يأتي بالخَبَر، والخَبَرُ بكلمةِ الله. يرى البعضُ في الجرار التي مُلِئت كُلٌّ منها بِسبعين لِيتراً من الماء، صُورَةً عن حياتِنا التي تمتَلئُ بكلمةِ الله، كَخُطوَةٍ تُؤدِّي إلى الوِلادة الجديدة (يُوحنَّا 2: 7؛ أفسُس 5: 26؛ 1بطرُس 1: 23؛ رُومية 10: 17). تُمثِّلُ كلماتُ مريم للخُدَّام مِفتاحَاً لجعلِ كلمةِ اللهِ قُوَّةً في حياتِنا: "مهما قالَ لكُم فافعَلُوه!" (2: 5) فبينما تملأُ عقلَكَ وقَلبَكَ من كلمَةِ الله، مهما قالَ لكَ، ذلكَ إفعَلْهُ دائِماً. إنَّ هذه الخُطوات التي تقُودُ إلى الولادَةِ الثانِية، يُمكِنُ أيضاً تطبيقُها كنَصيحَةٍ للإنتِعاش الشخصيّ، عندما نكُونُ بحاجَةٍ للتَّجدُّدِ الرُّوحِيّ. أولئكَ الذين يَعرِفونَ إنجيلَ يُوحنَّا بِحَقّ، يعرِفُونَ أنَّ يُوحنَّا يُخبِرُنا في الإصحاحِ الثالِث عن مُعلِّم النامُوس نيقُوديمُوس، الذي كانَ ينبَغي أن يُولَدَ ثانِيَةً. علينا أن نُقدِّمَ المُلاحظَةَ التي إستخدَمَها يسُوعُ مرَّةً واحِدَةً، وذلكَ عندما كان يتحاوَرُ معَ واحِدٍ من أشهَرِ مُعَلِّمي النامُوس. فعلى الرُّغمِ من أنَّ يسُوع لم يستَخدِم قطْ عبارَة "الوِلادة الثانِية" مع َالآخرين، ولكن بحسبِ يُوحنَّا هذا ما كانَ يحصَلُ للذينَ تجاوبُوا معَ يسوعَ بِحَقّ. لقد صادَقَ نيقُوديمُوس على هُوِيَّةِ يسُوع بقولِهِ أنَّهُ مُعلِّمٌ مُرسَلٌ من الله. قالَ أحدُهم، "إنَ ما نُؤمِنُ بهِ بالفِعل، ذلكَ نفعلُهُ. وكُلُّ ما عدا ذلكَ هوَ كلامٌ دينيٌّ فارِغ." وكأنَّ هذه المُقابَلة تَبدأُ معَ قولِ نيقُوديمُوس ليسُوع، "لقد رَأَيتُ ما تعمَلُهُ، ولهذا أتيتُ لأسمَعَ ما تُعَلِّمُهُ. فبعدَ أن أصغَى الرَّبُّ يسُوعُ لهذا الإعتِراف، قالَ لمُعلِّمِ النامُوسِ هذا ما معناهُ، "عليكَ أن تبدَأَ ثانِيَةً. عليكَ أن تبدَأَ بِطَريقَةٍ أُخرى. عليكَ أن تبدَأَ معي." قالَ يسُوعُ لمُعلِّم إسرائيل هذا أن لا يتعجَّبَ إن قالَ لهُ أن يُولدَ ثانِيَةً، وكأنَّ هذا الأمر هُوَ غيرُ مفهومٍ أو غيرُ ضروريٍّ أو غيرُ معقُول. فَبِالنسبَةِ ليسُوع، القصدُ من هذه الولادة الجديدة هُوَ أن يرى ويدخُلَ إلى ملكوت الله. هذا هُوَ بِبَساطَةٍ التعليمُ أنَّ اللهَ هو مَلِكٌ، ونحنُ رعاياه. وهذا هُوَ التشديدُ الذي رأيناهُ من خِلالِ الكِتابِ المقدَّس، المُشدَّد عليهِ في هاتَينِ الكلمتَين: "اللهُ أوَّلاً!" في هذه المُحادَثَة معَ نيقُوديمُوس، قدَّمَ يسُوعُ التصريح الأكثَر عقائديَّةً عن نفسِه. لقد صرَّحَ أنَّهُ إبنُ اللهِ الوَحيد، وحَلّ الله الوحيد لمُشكِلَةِ الخَطيَّة، والمُخلِّصُ الوحيد المُرسَل من الله. ولقد صرَّحَ أيضاً أنَّ الإيمانَ بتصاريحِهِ هذه عن نفسِهِ يعني الخلاص الأبديّ، وعدم الإيمان بهِ يَعني الدينُونة الأبَديَّة (3: 14- 21). إنَّ هذه التصريحات قد قُدِّمَت جوابَاً على سُؤالٍ طرحَهُ نيقوديمُوس مرَّتَين. وكانَ هذا السؤال، "كَيف؟"بكلمةٍ واحدة، كانَ جوابُ يسُوع لهُ، "آمِن." فدورُنا في إختِبارِ الولادَةِ الجديدة هو أن نُؤمِن. أمَّا دَورُ الله فهُوَ كالريح. وليسَ بإمكانِنا أن نرى أو نتوقَّعَ من أينَ يأتي الرِّيح. "هكذا كُلُّ من وُلِدَ من الرُّوح،" كما قالَ يسُوع. وعلى الرُّغمِ من أنَّنا لا نجدُ إعترافاً صريحاً من نيقُوديموس بالإيمانِ في هذه المُقابَلة، إلا أنَّ المراجِعَ الأُخرى التي تُشيرُ إليهِ في الإنجيل والتقليد، تُقنِعُنا أنَّهُ إختَبرَ التجديد (7: 50؛ 19: 38- 42). يُخبِرُنا الإصحاحُ الرابِع قِصَّةً عن إمرأَةٍ سامِريَّةٍ بسيطَةٍ خاطئة تجدَّدَت. رُغمَ أنَّ يسُوع لم يستَخدِم هذه الكلمات معَها، ولكن بينَما يُكَيِّفُ إستعاراتِهِ المَجازِيَّة معَ حاجاتِ هذه المرأة، نُدرِكُ أنَّ هذا مثلٌ آخر عن شَخصٍ وُلِدَ ثانِيَةً، لكونِها تجاوَبَت بطريقَةٍ صحيحةٍ معَ يسُوع. يُقدِّمُ يسُوعُ نفسَهُ كالماءِ الحيّ، الذي إن شرِبَتْ منهُ لن تعطَشَ إلى الأبد. لقد قيلَ لها أنَّ شِربَها من هذا الماءِ الحي سوفَ ينبَعُ فيها كنبعِ مياهٍ حيَّةٍ يرتَوي منهُ الآخرون. ولقد تحقَّقَ هذا عندما تجدَّدَت، وذهَبت وبَشَّرت رجالَ السامِرة بالمَسيح. لقد إكتَشَفت أعظَمَ إختِبارَين في الحياة: أن تُولدَ أنتَ شخصيَّاً من جديد، وأن تُصبِحَ الأداة البَشَريَّة التي بواسطتها يتجدَّدُ الآخرُون. فكِّرُوا بهذه الأجوِبَة على هذه الأسئِلة الثلاث في الإصحاحاتِ الأربعة الأُولى من هذا الإنجيل. من هُوَ يسُوع؟ إنَّهُ كلمةُ اللهِ الحيّ الذي أصبحَ جسداً وعاشَ بينَنا، لكي نتجدَّدَ أو نولَدَ من جَديد. إنَّهُ ذلكَ الواحِدُ الذي يستطيعُ أن يُحَوِّلَ ماءَنا خمراً. إنَّهُ رجاؤُنا الوحيد ومُخلِّصُنا الوحيد. إنَّهُ الماءُ الحيّ الذي يُروي عطشنا للحياة، وينبَعُ فينا كنبعِ مياهٍ حيَّةٍ يشرَبُ منها الآخرونَ ويتجدَّدُون. ما هُوَ الإيمان؟ إنَّ الإيمان هُوَ التجاوب بطريقَةٍ صحيحَةٍ مع ما قالَهُ يسُوعُ عن نفسِه. الإيمانُ هو، "تعالَ وانظُرْ أينَ وكيفَ يعيش." الإيمانُ هو الإستِماعُ إلى كلمةِ اللهِ وطاعتها. الإيمانُ هو بسيطٌ ببساطَةِ شُربِكَ للماء، عالماً أنَّهُ سيُروي عطَشَكَ. وما هِيَ الحياة؟ الحياةُ هي أن تُولدَ من جديد. الحياةُ هي أن تتحوَّلَ ماءُكَ خمراً. الحَياةُ هي أن ترى وتدخُلَ ملكوتَ الله الأبديّ. الحَياةُ هي شربُ الماء الحي الذي يُروي عطشكَ في الحياة ويُصبِحُ فيكَ نبعاً يشرَبُ منهُ الآخرونَ ويُروُونَ ظمأَهُم الروحي العميق.
|