في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
الصفحة 1 من 2 تفشَّت مُؤخَّراً في شَمالِي أمريكا عدوى التعثُّر الأخلاقي الذي أصابَ بعضَ القادَةِ الرُّوحيِّين. آخِرُ سفرٍ من أسفارِ الكتابِ المقدَّس يحتوي على رِسالَةٍ للقادَةِ الرُّوحيِّين. قدَّمَ هُوشَع مُلاحظةً دقيقَةً وفي محلِّها: "كما الشعبُ هكذا الكاهِنُ" (هُوشَع 4: 9). هذا ما يجعَلُ من سُقُوطِ قائِدٍ رُوحيٍّ يكُونُ ذا تأثيرٍ هدَّامٍ إلى هذا الحد على شعبِ الله، على عملِ الله، وعلى مجدِ الله. يُقدِّمُ ملاخي تشريحاً مُفصَّلاً لِسُقُوطِ القائِدِ الرُّوحي. وقصدُهُ هو أن يُظهِرُ لأولئكَ الذين يقُودُونَ شعبَ الله كيفَ يتحاشُونَ هذا الخطر الذي يُحْدِقُ بهم يومِيَّاً، وكيفَ يُرمِّمُومَ علاقتَهُم معَ الله عندما يسقُطُون. ظهرَ ملاخي على الساحة بعدَ حجَّي وزكريَّا بِحوالي مائة سنة، وبعدَ نحميا بِحوالي عشر سنوات. ولقد واجهَ ملاخي المشاكِل نفسَها التي واجَهَها نحميا، مثل عدوى الطلاق، الإنحلال الأخلاقي، وفساد الكهنة (نحميا 13: 23- 25). وبما أنَّهُ ضمَّ صوتَهُ إلى صوتِ أنبياء آخرين في إلقاءِ لائمةِ هذه المشاكل على الكهنة الفاسِدين، وجَّهَ مُعظَمَ رسالتِه إلى الكهنة الذين كانُوا الرُّعاة الرُّوحيِّين لِشعبِ يهُوَّذا. إنَّ هذا النَّبِيّ الشُّجاع سوفَ يتَّهِمُ الكهنة بأنَّهُم تركوا سُبُلَ الله، ولم يكُونُوا يُطيعُونَهُ، وكانُوا يدفَعونَ الكثيرينَ نحوَ الخطية بنصيحتِهِم البعيدة عن الله. كانَ تصرُّفُ الكهنة مُشيناً في أعيُنِ الشَّعب مما جعلَ من الكهنة مُحتَقَرينَ ودنيئينَ" (مَلاخي 2: 7-9). كانَ ملاخي نبيَّاً عندما كانَ شعبُ اللهِ يجتازُونَ في تغيُّراتٍ، معَ نوعٍ من الديانة التي إفتقَرَت إلى جَوهَرٍ ملمُوس، وعندما أنكَروا حقيقَةَ العلاقة معَ الله. لقد كانَ الشعبُ بارِداً ولامُبالِياً لدرجة سبَّبت ألماً شديداً لهذا النبي التقيّ. إنَّ نُبُوَّةَ مَلاخي كانَ تحذيراً للقادَةِ الرُّوحيِّين من شعبِ يهوُّذا أن النِّظام والشكل بِدونِ حياة هي حالَةٌ تُشبِهُ جُثَّةَ المَيت. لم يُقدِّم آخِرُ أنبِياءِ العهدِ القديم الرُّؤى كما فعلَ زكريَّا، أو حجَّي، مُتَحَدِّياً شعبَ الله لبِناءِ الهيكل. بل كانَ جوهَرُ رسالتِهِ أن اللهَ أرادَ أن تكونَ لهُ علاقَةُ محبَّة معَ شعبِهِ، ولكنَّ الكَهَنة وشعبَ يهُوَّذا لم يكُونُوا مُهتَمِّينَ بمَعرفة وبمحبَّة الله. مثل هُوشَع، آمنَ ملاخي أنَّ شعبَ الله كانُوا يرتَكِبُونَ خطيَّة الزِّنى الرُّوحي معَ العالم. عندما أرسلَ المسيحُ الحيُّ القائِم من الأموات رسالةً إلى كنيسةِ الجيل الأوَّل في مدينَةِ أفسُس، وبَّخُهم لأنَّهُم تركوا "محبَّتَهُم الأُولى" (رُؤيا 2: 4). إن المُشكِلة العقبَة التي عالَجها هذا النبيُّ التقيُّ هي أنَّ شعبَ يهُوَّذا، وخاصَّةً الكهنة، تركُوا محبَّتَهُم الأُولى – أي علاقتَهُم معَ الله – وعاشُوا حياةً مُلطَّخَةً بالخطيَّة. يبدأُ ملاخي نُبُوَّتَهُ بهذه الكلمات الجميلة: "وَحيُ كلمةِ الرَّبِّ على يدِ ملاخي: أحببتُكُم قالَ الرَّبُّ" (1: 1، 2). بينما يقرَأُ الناسُ الكتابَ المقدَّس، كثيرونَ منهُم لا يتوقَّعُونَ أن يقرَأوا عن محبَّةِ اللهِ إلى أن يَصِلوا إلى العهدِ الجديد، ولا سيَّما الموعِظَة على الجَبَل. فهُم لا يتوقَّعونَ أبداً أن يجدُوا مفهُومَ محبَّة الله في أسفارِ أنبياءِ العهدِ القديم. إنَّ محبَّةَ الله هي بالحقيقة موضُوعُ كِتاباتِ الأنبِياء مثل مراثي إرميا، هُوشَع، يُونان، وملاخي. بالنسبَةِ لرجالاتِ اللهِ في العهدِ القديم، أحبَّ اللهُ شعبَهُ محبَّةً لم تُكتَسَب بإنجازاتِهم الإيجابيَّة، ولم تُفقَدْ بإنجازاتِهم السلبيَّة. إن جوهرَ نُبوَّة ملاخي كانَ أنَّ اللهَ أحبَّ الكهنةَ وشعبَ يهُوَّذا. وبينما كانَ ملاخي يُشارِكُ بما في قلبِه، ضمَّ صوتَهُ إلى الأنبِياء، وأعلنَ أنَّ اللهَ أحبَّ شعبَهُ بدونِ شُروط ومهما كانت حالتُهُم، وأرادَ أن يبني علاقَةَ محبَّةٍ معهُم. رُغمَ أنَّ محبَّة الله هي غير مشرُوطة، ولكن بسبب كونِ قُلوبهم بارِدةً تجاهَ الله، وكونهم يعيشونَ في الخطيَّة، كرزَ ملاخي قائلاً أنَّ الكهنة وشعبَ يهُوَّذا كانُوا يجرَحُونَ قلبَ الله المُحِبّ. كانت رسالةُ ملاخي أن يُظهِرَ لكهنةِ وشعبِ يهُوَّذا المُرتَدِّين البارِدي القُلوب والخُطاة، كيفَ تحطَّمَت علاقتُهُم معَ الله، وكيفَ يُمكِنُهم ترميمَ هذه العلاقة. إنَّ هدفَ ورِسالةَ نُبُوَّةِ ملاخي كانَ نهضةً في قُلوبِ الكهنة والذينَ كانَ يرعاهُمُ الكهنة. الصفحة 1 من 7 الهمسَةُ الأُولى: الشكّ بِمَحبَّةِ الله (1: 1-5) عندما بدأَ ملاخي نُبُوَّتَهُ بقولِهِ، "وَحيُ كلمةِ الرَّب لإسرائيل عن يَدِ مَلاخي. أحببتُكُم قالَ الرَّب،" جاءَ جوابُ الشعب الإستنكارِيّ، "وقُلتُم بمَ أحبَبتَنا؟" وجواباً على هذا الجواب الإستنكاري، قدَّمَ النَّبيُّ مَلاخي عدَّة براهين عن محبَّةِ اللهِ لشعبِ يهُوَّذا. كُلُّ علاقة حُبّ لها بُعدان. هذان البُعدان هُما الأخذُ والعَطاء. هُنا يُطرَحُ سُؤالٌ دقيقٌ هُوَ: "إن لم تعُدْ قريباً من اللهِ كما كُنتَ في السابِق، فمن هُوَ الذي إبتعَدَ عنِ الآخر؟" أو "إن لم تعُد لديكَ علاقةُ محبَّة معَ الله، التي كانت لديكَ سابقاً، فمن هوَ الذي توقَّفَ عن محبَّةِ الآخر؟" عندما نشُكُّ بِمَحبَّةِ اللهِ لنا هذا يعني أنَّ هُناكَ خطبٌ ما في محبَّتِنا لله. في سفرِ الرُّؤيا، القادَة الذي كانُوا رُعاةَ شعبِ الله لآلافِ السنين يُصوَّرُونَ كأربَعَةِ وعشرينِ شيخاً يجلِسُونَ على عُروشٍ صغيرة حولَ العرشِ العظيم في السماء. يُوصَفُ هؤلاء الأربعة والعشرونَ شيخاً بأنَّهم يرتَدونَ أثواباً بيضاء، وبأنَّ لهم تيجاناً من ذهب على رُؤوسِهم، ولديهم قيثاراتٌ، وجاماتٌ صغيرةٌ مملوءَةٌ بالبخور (رُؤيا 4: 4؛ 5: 8). الأثوابُ البيضاء تُشيرُ إلى نقاوَةِ هؤلاء القادَة وأنَّهُم سَلَكُوا باستقامَةٍ حتى النهاية. وتيجانُهم الذهبيَّة تُشيرُ إلى إنتِصاراتِهم الرُّوحيَّة بالإيمان. وهذه الجاماتُ المملوءَةُ بالبخُّور، يُقالُ لنا أنَّها صلواتُ القدِّيسين لهُم. وكون كُلِّ شيخٍ يحمِلُ قيثارَةً يُشيرُ إلى أنَّهُم عابِدون. بما أنَّ ملاخي يُوجِّهُ نُبُوَّتَهُ بِشكلٍ أساسيّ إلى القادة الروحيِّين الفاسِدين، الذين برَدَت محبَّةُ قُلوبِهم نحوَ الله، بإمكانِنا القول أنَّهُ يُخبِرُ هؤلاء القادة الرُّوحِيِّين بأنَّ إنحدارَهم التدريجي نحوَ الإرتداد بدأَ عندما "فقدوا قيثاراتِهم." كانَ ملاخي مُثَقَّلاً حِيالَ البُرودَةِ في قُلوبِ القادَةِ الرُّوحيِّين في علاقتِهم معَ الله. القادَةُ الرُّوحِيُّون الذين ليسَ لدَيهِم حياة تعبُّديَّة شخصيَّة، أو الذين "وضعوا قيثاراتِهم جانِباً" سوفَ يخسرُونَ كُلَّ شيء، بحسَبِ ملاخي. كيفَ يُصبِحُ شعبُ اللهِ مثل جُثَّةٍ ميِّتَة؟ بحَسَب ملاخي، تبدَأُ هذه العَمَليَّةُ المُمِيتة عندما يُشكِّكُ القائِدُ الرُّوحيُّ بمحبَّةِ اللهِ لهُ شخصيَّاً، فيُهمل تعبيرَهُ التعبُّدي اليوم عن محبَّتِه لله. تنطَبِقُ هذه الحقيقَةُ بِوُضُوح على كُلِّ مُؤمِنٍ، وليسَ فقط على القادَةِ الرُّوحيِّين.
|