في ظِلالِ الكلمة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
سفرُ يشوعُ هُوَ بِطَرِيقَةٍ ما نَقيضُ سفرِ العدد. فَسِفرُ العَدَد هُوَ قِصَّةٌ عن عدَمِ الإيمان، حيثُ هَلكَ الشَّعبُ العِبريُّ نتيجَةً لإفتِقارِهِم للإيمان. أمَّا سِفرُ يشُوع فهُوَ يتكلَّمُ بِجُملَتِهِ عنِ الإيمان، ذلكَ النَّوع منَ الإيمان الذي يغلِبُ ويمتَلِكُ كُلَّ ما يُريدُهُ اللهُ لِشَعبِهِ. عندما دَرَسنا معاً سِفرَ الخُروج، رأينا أنَّ كَلِمَة Exodus أو خُرُوج تَعني "الطريقُ إلى خارِج، أو المَنفَذ من قَيدِ العُبودِيَّةِ القاسِيَة في مِصر. وبالمُقابِل، يُمكِنُ تَسمِيَةُ سفر يَشُوع، هذا السفر التَّاريخيّ الأوَّل: Eisodus، لأنَّهُ يتكلَّمُ عنِ الطَّريقِ للدُّخُولِ إلى أرضِ المَوعِد، كَنعان. من هُنا وضعنا العُنوانَ التَّالي لِسفرِ يشُوع: "إمتَلِكْ مالَكَ." إن إسمَ يشوع هو نفسُهُ إسم يسوع، ولكن يسوع هو طريقةُ لفظِ الإسم باليونانية، ويشوع أو "يا شُو وَاع" هو طريقةُ لفظ الإسم بالعبريَّة. إسم يسوع يعني مُخلِّص، أو يهوه يُخلِّص. كان هذا القائد العظيمُ، في إسمِهِ يشوع، صورةً للمسيح، بِسَبَبِ قيادَتِهِ لِلشَّعبِ إلى أرضِ المَوعِد المَليئَة بالبَرَكاتِ الرُّوحيَّة. الكلمةُ المفتاحية في إختبار الخلاص أو الإنقاذ من مصرنا الروحية، هي كلمة "إيمان". والكلمةُ المفتاحيةُ لدخولِ أرض موعد بركات الله الروحية هي كلمة "طاعة". وبطريقةٍ ما، نحنُ نتكلَّمُ عن الإيمان عندما نتكلَّمُ عن الطاعة. فكلمة إيمان تعني إلتزام، ذلك النوع من الإلتزام الذي يُطيع. كان يشوع في الأربعين من عمره زمنَ الخروج. تذكَّرْ أن يشوعَ وكالب كانا الوحيدين اللذين لم يموتا في التِّيهِ في البريَّة، لأنهما أَتَيَا بتقريرٍ أو بخبرٍ مُشجِّع عندما أُرسِلا لتجسُّسِ كنعان. لقد إعتَبرَ اللهُ إيمانهما، كما إعتبرَ إيمان إبراهيم، سبباً لإبقائهما عل قيدِ الحياة. ولكن يشوع كان في الثمانين من عُمرِهِ عندما قبِلَ مُهمَّةَ قيادةِ الشعب إلى أرضِ كنعان، والإنتصار على الأُمَم السبع التي كانت تُدافِعُ عن الأرض. لم يستلِم يَشُوعُ تكليفَه بالمُهمَّة من الله مُباشرةً، ولكن إستلمهُ من مُوسى، أي من رَجُلٍ عرفَ اللهَ وعرفَ يشوع. إنَّ العلاقَةَ بينَ مُوسى ويَشُوع هي نَمُوذَجٌ رائِعٌ عنِ العلاقَة بينَ بُولُس وتيمُوثاوُس، وهي علاقَةٌ نَمُوذَجِيَّةٌ بالِغَةُ الأهمِّيَّةِ في إعدادِ القادَةِ لِشعبِ اللهِ ولخدمَةِ الله (2تيمُوثاوُس 2: 2). لقد كانَ يشُوعُ إبنَ مائَةِ وعشر سنين عندما تُوُفِّيَ. ولقد إشتَهَرَ بالقُوَّةِ والوَلاءِ والإيمانِ العظيم. بينما نُلاحِظُ اللهَ يعمَلُ من خلالِ قائِدٍ نَبِيٍّ وكاهِنٍ في الوقتِ ذاتِهِ، نرى تَغييراً هامَّاً عندما نَصِلُ إلى قيادَةِ يَشُوع. لقد قبلَ موسى كلمةَ الله على جبل سيناء مُباشرةً من الله، تماماً كما قبِلَ مُهمَّتَهُ أمامَ العليقة المتوقِّدَة، مُباشرةً من الله. ولكن الآن نُخبَر أن يشوع شُجِّعَ على قراءةِ الكلمة المكتوبة والتأمُّلِ بها، تلك الكلمة التي أعطاها اللهُ لموسى. تماماً مثل ملوك إسرائيل الذين كانوا سيتبعونَه، كان مُفتَرَضاً أن يتأمَّلَ يشوع بالكلمة، وأن يُفكِّرَ بالكلمة نهاراً وليلاً، وأن يُطِيعَ وَصايا الله الوارِدَة في كلمتِهِ. فبينما كان الشعبُ على وشكِ عبورِ نهرِ الأُردن واجتياح كنعان، قيلَ لهُم، "كُلُّ موضِعٍ تدوسُهُ بُطونُ أقدامِكُم لكم أعطيتُه كما كلَّمتُ موسى." (يَشُوع 1: 3) فكما ترون أن الأرضَ بكامِلِها أُعطِيَت لهم، وكحقِّ مُلكِيَّة أصبحت بكامِلِها لهم، ولكن ليسَ كمُلكيَّة مُحقَّقَة. إن قانونَ المُلكيَّة كان أن كل مترٍ مُربَّعٍ من أرضِ كنعان تطأُهُ أقدامُهم، قد منحهُ اللهُ لهم مُلكاً، لا أكثر ولا أقلّ. وهذا ينطبقُ على طريقةِ حصولنا على البركات الروحية. تُوجَدُ عِدَّةُ بركات روحيةٍ مُتَوَفِّرَة لنا اليَوم: مثل الصلاة، كلمة الله، الشركة، العِبادة – فاللهُ يَمنَحُ هذه البَرَكاتِ كَافَّةً لِكُلِّ مُؤمِنٍ. ولكن بعضَ المؤمنين يمتلكون هذه البركات الروحية، والبعضُ الآخر لا. والسببُ هو عمليٌّ جداً. فعليكَ أن تطأَ بأقدامِكَ على مُلكِيَّتِك. فأنتَ تتملَّكُ الصلاة عندما تُصلِّي، وتتملَّكُ العِبادة عندما تعبُد، تتملَّك كلمة الله عندما تقرأُها وتفهمها وتُطبِّقُها. وهكذا، فأنتَ تتملَّكُ أملاكَكَ أو بركاتِكَ الروحية، واحدةً بعدَ الأُخرى. دارِسونَ كثيرون قالوا أن الرسالة إلى أهلِ أفسس هي للعهدِ الجديد ما كانَهُ سفرُ يشُوع للعهدِ القديم. فالرسالةُ إلى أهل أفسس تُخبرنا عن البركات الروحية التي لنا في المسيح. وتقولُ لنا أنهُ بإمكاننا أن نصيرَ في المسيح وأن نتملَّكَ هذه البركات الروحية. فيشوع 1: 3 هو العدد المفتاحي في سفرِ يشوع، وأفسس 1: 3 هو العدد المفتاحي في رسالةِ أفسس. أفسس 1: 3 يقول، "مُبَاركٌ اللهُ أبو ربِّنا يسوع المسيح الذي بارَكَنا بكلِّ بركةٍ روحيةٍ في السماويَّات في المسيح." فلقد خَوَّلَنا اللهُ حقَّ إمتِلاكِ كُلِّ البَركاتِ الرُّوحِيَّةِ التي سبقَ ومنَحَنا إيَّاها، ولكن علينا أن نذهَبَ إلى حيثُ تُوجَدُ هذه البَركات، وأن نمتَلِكَها. في سِفرِ يشُوع، هذه البَرَكات هي في أرضِ المَوعِد. في الرِّسالَةِ إلى أهلِ أفسُس، هذه البَركاتُ هي في المسيح. فإذا أرَدنا أن نتَمَلَّكَ هذه البَركاتِ الرُّوحيَّة، علينا أن نَجِدَها بواسِطَةِ الثَّباتِ في المَسيح. علينا أن نقتَرِبَ منَ السَّماوِيَّاتِ، لأنَّ هذا هُوَ مكانُ وُجُودِ البَرَكاتِ الرُّوحيَّة. يُعَلِّمُنا سِفرُ يشُوع أنَّهُ بإمكانِنا أن ندخُلَ أرضَ المَوعِد التي تحتَوي على بَركاتِ اللهِ، بالإيمان. يُخبِرُنا بُولُس بالأمرِ نفسِهِ في رِسالَتِهِ التي كتبَها للأفَسُسِيِّين. ولقد تكلَّمَ آخرُونَ من كُتَّابِ العَهدِ الجَديد عن "أرضِ المَوعِد" الرُّوحِيَّة. أصغُوا إلى بُطرسُ الرسول الذي يتكلَّمُ أيضاً عن كيفَ وأينَ نستطيعُ تمَلُّكَ مُمتَلَكاتِنا الرُّوحيَّة: "كما أن قدرتَهُ الإلهية قد وهبت لنا كُلَّ ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجدِ والفَضيلَة." (2بطرُس 1: 3). لربمالم يكُن بطرس يعرف القراءة والكتابة (2بُطرُس 5: 12؛ أعمال 4: 13). ولهذا شدَّدَ على معرفة الله. فهو لم يَكُنْ رَجُلَ عِلمٍ، ولكنَّهُ كان عملاقاً روحيَّاً؛ لقد عرفَ الله. يقولُ لنا أنَّ مَصدَرَ كُلِّ البَرَكاتِ الرُّوحيَّة التي أعطانا إيَّاها اللهُ هُوَ العَلاقَة معَ الله (2بُطرُس 1: 3). فبالنِّسبَةِ لبُطرُس، أعطانا اللهُ كل ما نحتاجُهُ لنحيا حياةً تقيَّة. ولكي نحصل على هذه المُمتَلكاتِ الرُّوحيَّة، علينا أن نُطالِبَ بها من خلالِ عَلاقَةِ معرِفَةٍ بالله. يَتَّفِقُ أعظَمُ قائِدَينِ في العهدِ الجَديد معَ يشُوع أنَّنا نملِكُ في حَوزَتِنا الصِّفَةَ التي تَقُولُ أنَّنا نَملِكُ كُلَّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ نحتاجُها. ولكن علينا أن نَملِكَ هذه البَركاتِ الرُّوحيَّة، واحِدَةً بعدَ الأُخرى، خلالَ علاقَتِنا معَ اللهِ ومعَ المسيح. يَقُولُ يشُوعُ أنَّ لدَينا كُلّ شَيء، وهكذا يَقولُ بُطرُس وبُولُس أيضاً. فلماذا لا نملِكُ كُلَّ شَيءٍ إذاً؟ يتَّفِقُ رجالاتُ اللهِ العِظامُ هؤُلاء على أنَّ السَّبَبَ هُوَ أنَّنا لا نَفهَمُ أنَّ جِسرَ الإيمانِ هذا يملأُ الهُوَّةَ بينَ كُلّ ما أعطانا إيَّاهُ اللهُ وبينَ أهلِيَّتَنا لنمتَلِكَ ما أعطانا إيَّاهُ الله. لهذا أعطانا اللهُ سِفرَ يَشُوع. في سفرِ يشوع نجدُ حوالي ستةَ عشرَ إيضاحاً عن الإيمان. عندما أرادَنا اللهُ أن نعرفَ عن الإيمان في سفرِ التكوين، أعطانا حوالي إثني عشرَ إصحاحاً تُخبِرنا عن إبراهيم. الإيمان هامٌّ بالنِّسبَةِ للهِ، لأنَّ القَصدَ من كُلِّ سِفرِ يَشُوع هُوَ أن يُظهِرَ لنا كيفَ نَعيشُ بالإيمان، وكيفَ نسلُكُ بالإيمانِ لنَصِلَ إلى كُلِّ البَركاتِ الرُّوحِيَّةِ التي أعطانا إيَّاها. إنَّ سِفرَ يَشُوع هُوَ عن أرضِ كَنعان. وأرضُ كَنعان هذهِ ينبَغي أن ندخُلَ إليها، مدينَةً بعدَ الأُخرى، وأمَّةً بعدَ الأخرى. ولكنَّ الرِّسالَةَ التعبُّدِيَّة والرُّوحيَّة لِسِفرِ يشُوع لَيسَت بالحقيقة عن كنعانِ كمَكانٍ جُغرافِيّ، بل عن إمتِلاكِ المَواعيد الرُّوحيَّة بالإيمان. تُصَوِّرُ لنا أرضُ كَنعان قصدَ خلاص هذه الأُمَّة. فبِما أنَّ كلمة "خلاص" تعني "إنقاذ،" فإنَّ إنقاذَهُم من مِصر هُوَ صُورَةٌ مجازِيَّةٌ عن خلاصِنا. وخلاصُنا يأتي منَ الإيمانِ بأنَّ يسُوع المسيح هُوَ إبن اللهِ الوحيد وهُوَ مُخَلِّصُنا الوَحيد. فعندما نَضُع إيمانَنا فيهِ، يُخَلِّصُنا من خطايانا، أو من "مِصرِنا الرُّوحيَّة." إنَّ إجتِياحَهُم وإمتلاكَهُم لأرضِ كَنعان يُصَوِّرُ نَوعِيَّةَ الحياة التي أرادَها اللهُ للشَّعبِ الذي إختَبَرَ الإنقاذَ من "مِصر" بالمعنى الرُّوحيّ. يُخبِرُنا الرَّسُولُ بُولُس أنَّ اللهَ يُخَلِّصُ بالنِّعمَة، بالإيمان. فبِحَسَبِ بُولُس، خلاصُنا لا يَتَحَقَّقُ بإنجازٍ شَخصِيٍّ من قِبَلِنا. إنَّهُ هِبَةٌ منَ اللهِ، وليسَ نتيجَةً لأعمالِنا الصَّالِحة. رُغمَ ذلكَ، يَكتُبُ لنا بُولُس بأنَّنا نخلُصُ لأعمالٍ صالِحَةٍ قد سبقَ اللهُ فأعدَّها لِنَسلُكَ فيها. فهذه الأعمالُ الصَّالِحَةُ هي القَصدُ من خلاصِنا في هذه الحياة، وهي جزءٌ من أرضِ موعِدِنا الرُّوحيَّة، التي يُريدُنا إلهُنا المُحِبُّ أن نمتَلِكَها، قطعَةً بعدَ الأُخرى. فالخَلاصُ هُوَ أكثَرُ من تَذكَرَةِ سَفرٍ بإتِّجاهٍ واحِدٍ نحوَ السَّماء. يُوجَدُ قصدٌ حاضِرٌ من خلاصِنا: كنعانُنا الرُّوحيَّة على الأرض. فَسَبَبُ عدمِ إمتِلاكِنا لأملاكِنا الرُّوحيَّة، يُمكِنُ أن يَكُونَ أنَّنا لا نعرِفُ كَيفَ نمتَلِكُها. لِهذا أعطانا اللهُ سِفرَ يَشُوع. ولقد أعطانا اللهُ هذا السِّفرَ التَّاريخيَّ في العهدِ القَديم، لِكَي يُظهِرَ لنا نَوعِيَّةَ الإيمانِ الذي من خلالِهِ بإمكانِنا تملُّك مواعِيدَنا ومُمتَلَكاتِنا الرُّوحيَّة.
|