مكتبة الأخوة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
الأعداد الافتتاحية الثلاثة لهذا الأصحاح تحتوي على الرؤيا الرابعة، وعلى تفسيرها. ونلاحظ أن هذه الدروس الموضوعية جميعاً - فيما عدا آخرها - هي من النوع الذي يرتسم في ذهن الشاب الذي نشأ في مناطق ريفية، ويألف الحياة الزراعية. فالجراد هو الوبأ الجائح الذي يرهبه الفلاح الشرقي. وكثيراً ما أشار عاموس إلى نار تهدد بإتلاف المحاصيل والقطعان على السواء. ثم أن الشاب الريفي يعرف الزيج، إذ يستخدمه البناءون في إقامة أسوار منازل الأهلين والأسوار الواقية للمزروعات الخاصة. وهكذا أيضاً التصوير والتشبيه الذي نراه في مشهد الرؤيا الرابعة. أراه الرب سلة من القطاف (أي ثمار الصيف)، سلة من ثمار لا يمكن حفظها طويلاً لأنها نضجت وزاد نضجها. وجواباً على تساؤل الرب: «ماذا أنت راءٍ يا عاموس؟» يقول النبي «سلة للقطاف». وبعد ذلك نقرأ عن تفسير الرمز البسيط. فإن إسرائيل قد أصبح ثمرة عطنة، في طريقها إلى التحلل. فقد أتت النهاية؛ أي النهاية بطرحه. فلن تطول النعمة لأولئك الذين رفضوها بإصرار. فأغاني القصر تتبدل صيحات ويل يائسة حزينة، بينما جثث محتقري رسالة الله تملأ المدن وتلقى في صمت. وإلى جانب هذا الإعلان بمجيء النهاية، نقرأ موجزاً خطيراً عن خطية الشعب. فقد ابتلعوا المساكين في أطماعهم، وأذلوا الفقراء كما في أيام يعقوب، إذ يقول صارخاً «قد كنزتم في الأيام الأخيرة» (يع 1:5-6). وروح الطمع هذه جعلت من الأعياد والسبوت عبئاً ثقيلاً. هم بحسب الظاهر كانوا يحتفلون بها، في الوقت الذي كانوا فيه يتمنون متى ينتهي النهار (نهار العيد أو السبت) حتى يشتروا ويبيعوا ويربحوا. وبسبب هذا يقسم الرب قائلاً «إني لن أنسى إلى الأبد جميع أعمالهم»؛ لقد كان كل شيء تحت عينه المقدسة، وسجّل الكل في كتابه. وأمام كرسيه سوف يواجهون الكل. وإذا كانت عين الخاطئ تقع على هذه الصفحات، فإنني أشدد عليه أن يتنبه إلى ما في هذه الأقوال من خطورة. فقد تنسى أنت ما عملت، وقد تكون غافلاً عن خطاياك الكثيرة؛ لكن الله يعلن هنا أنه لن ينساها جميعاً. فإن ذَكَرها، فسوف يكون نصيبك الطرد من حضرته إلى الأبد. أما أولئك الذين يحكمون على أنفسهم الآن وعلى ذنوبهم، واثقين في ذاك الذي مات لكي يخلص، فيقول عنهم « لا أعود أذكر خطاياهم ولا تعدياتهم فيما بعد» (إر34:31، عب17:10) . وأنت أيها القارئ، هل خطاياك يذكرها أم لا يذكرها؟ وبسبب خطايا إسرائيل ترتعد الأرض، ويُحمل شعبها كما بقوة نهر مصر الجارفة. حينئذ تغيب الشمس في الظهر وتعتم الأرض في النهار المنير؛ وهذا تشبيه شعري للتدليل على الخراب الشامل نتيجة لأنانيتهم الشرهة، ومسلكهم العنيف القاسي إزاء المساكين، وعدم رضاء الله على طرقهم. ولسوف يكون النحيب في ذلك اليوم مريراً، حين تكون التوبة قد فات أوانها، فلا تحول دون وقوع الكارثة التي تتهددهم، والتي ستكون كمناحة على ابن وحيد، وآخرة الشعب تكون يوماً مُرّاً (ع4-10). وفضلاً عن هذا فهوذا جوع مقبل عليهم، على أولئك الذين “يتهممون (أو يبتلعون) المساكين”، الذين يشترون «البائس بنعلين». لكنه ليس جوعاً إلى الخبز ولا عطشاً للماء، بل لاستماع كلمات الرب التي رفضوها. وكشعب مهجور سوف يتجولون من بحر إلى بحر باحثين على كل الضفاف عن كلمة الرب التي يوماً ازدروا بها، ولكن بعد فوات الوقت، فإنهم «لا يجدونها» (ع11،12). ولا ريب أن هذه النبوءة قد تمت - على قياس ما - يوم سُبي شعب إسرائيل إلى أشور؛ غير أن عريضة الاتهام الكاملة تنتظرهم لأيام ضد المسيح. وليس إسرائيل ويهوذا وحدهما سيجتازون تلك المجاعة، فإن المسيحية الاسمية الأشد ذنباً، والتي طالما تباركت في غنى بالكتب المقدسة، هي الأخرى سوف تنحرف بتمامها عن الحق وتتحول إلى الخرافات. وسيأتي اليوم الذي فيه سوف يُرفع من الأرض روح الله، الذي طالما استخفوا به؛ حينئذ «تذبل بالعطش العذارى الجميلات والفتيان»، لأن ماء الحياة الذي رفضوه سوف يُمنع عنهم، فيموتون يأساً، ويسلَّمون لضلال شديد حتى يصدِّقوا الكذب، يوم يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم. وسوف ينتهي الجوع، ليس برجوعهم إلى الله، بل بأنهم سيحلفون بأوثانهم، ولكنهم إنما سيجدون - كما في يوم إيليا - أن أحداً من أوثانهم لا يسمعهم ولا يعتبرهم. فيسقطون ولا يقومون بعد (ع13،14).
|