مكتبة الأخوة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
في الأصحاح السابق نستمع إلى النبي وهو يستعيد ذكرى تاريخ إسرائيل، يوم وجده الله كعنب في البرية. ففي تلك الأيام السعيدة لخلاصهم الأول أخرجوا ثمراً قليلاً للرب (ص10:9). والآن نقرأ قضاءه الخطير عليهم كشهود خابوا في شهادتهم إلى التمام «إسرائيل جفنة ممتدة (أو فارغة) يخرج ثمراً لنفسه» (ع1). إن درس الجفنة درس هام، نفعل حسناً إن نحن تتبعناه خلال العهدين القديم والجديد. ففي مزمور80 وابتداء من عدده الثامن نقرأ أقوالاً ذات دلالة هامة «كرمة من مصر نقلت. طردت أمماً وغرستها. هيأت قدامها فأصّلت أصولها فملأت الأرض. غطى الجبال ظلها وأغصانها أرز الله، مدت قضبانها (أو أغصانها) إلى البحر، وإلى النهر فروعها». هذا هو إسرائيل بحسب فكر الله كشهادته على الأرض، وكان يجب أن يظلوا هكذا لو كان لهم فكر التواضع والقلب الخاضع، مما يقود إلى الثقة في الله والاتكال عليه باستمرار. لكنهم أظهروا العكس، والكتاب يجلو ذلك بوضوح. «يفسدها الخنـزير من الوعر ويرعاها وحش البرية» (مز13:80). لقد جاء الله يطلب ثمراً، فنظر إلى كرمته منتظراً عنباً، لكنه وجد رديئاً (إش5). وهوشع يصف الكرمة بأنها «ممتدة» أي فارغة! لم يكن فيها ثمر للرب، بل كان كل ما فيها للذات. من أجل هذا طُرحت كرمة الأرض وهُدمت جدرانها، وسوف تدان في القطاف المريع العتيد (رؤ18:14-21). وترتيباً على رفض الجفنة الممتدة، أدخل الله كرمة تحمل ثمراً. كرمة يجد عليها ثمراً متواصلاً. وهكذا يقول الرب يسوع، إنسان مقاصد الله، لتلاميذه في يوحنا15 إنه هو «الكرمة الحقيقة»، فيأخذ مكان إسرائيل للاحتفاظ بشهادة الله على الأرض. على أنه - تبارك اسمه - يضم معه مفدييه في هذا المشهد: «أنا الكرمة وأنتم الأغصان». ربما يمكن إقحام أغصان خاوية ضمن الأغصان، فتنتسب للكرمة دون أن تكون لها بها علاقة، ولكن لا يُرجى منها ثمر. أولئك هم المعترفون الزائفون الذين قُطعوا وطُرحوا كأغصان ذابلة، نهايتها الحريق. أما الأغصان المثمرة فإنها تُنقَّى لكي تأتي بثمر أكثر. فالآب يتمجد عندما تأتي بثمر كثير. نفهم من هذا أن الكرمة رمز مرتبط بالأرض. فهي شهادة الله في العالم، التي سُلِّمت لإسرائيل مرة، والآن يحفظها ويصونها المسيح نفسه في شعبه المحبوب في المشهد الحاضر. لقد طُرِحت الجفنة الممتدة بالدينونة، وحلّت محلها الكرمة الحقيقة التي لن تُطرح، لأنها المسيح نفسه وشعبه فيه. ولذلك فمهما يكن الفشل الفردي فإن المسيح هو «الشاهد الأمين الصادق» (رؤ14:3). إن الأصحاح العاشر هذا إنما هو ختام الأدلة الصارخة على فشل إسرائيل الذريع وسقوطه وحالته المحزنة التي يصفها العدد الأول. أجل، فقد ضاع في الوقت الحاضر كل أمل في الشفاء. ولابد أن يجوزوا المذلة والضيق، ثم التوبة كنتيجة حتمية، قبل أن يعودوا إلى مركزهم، وإذا ما عادوا واحتلوه، فإنما يعودون كأغصان في الكرمة الحية، مرتبطين بمسيّاهم الذي رفضوه مرة، بوصفه شهادة الله في الملكوت الألفي. لا تحت العهد القديم، ولا على أساس مسؤوليتهم (حيث فشلوا من البداية) بل تحت العهد الجديد، عهد نعمة الله الخالق المتجهة نحوهم، النعمة السامية التي لا تقوم على استحقاقات بشرية . ومطلع العدد الثاني يذكِّرنا في عبارة موجزة بأصل الداء، «قسموا قلوبهم» أي توزعت قلوبهم. هنا علة كل حزن وخيبة، فهم لم يثبتوا في الرب بعزم القلب. كانوا ذوي رأيين، ومن ثم تقلقلوا في طرقهم. لكن القلب الموحد لمجد الله هو الضرورة الجوهرية للحياة المقدسة، الأمر الذي أغفلوه، ومن ثم كان عليهم أن يأكلوا من ثمرة اختراعهم. إن السير مع الرب بقلب موزع، أمر مستحيل. فهو - له المجد - لا يطالب بالمكان الأول، أو بالاهتمام الأول في القلب، كما يقول الناس، بل يطلب الكل. لذلك يقول «يا ابني أعطني قلبك»، القلب كاملاً بدون أي تحفظ. وعندما يتم هذا الشرط، وعندئذ فقط، يكون سلوكنا وطريقنا بحسب فكره. وهنا تجلت خيبة إسرائيل، كما تشهد مذابحهم الوثنية. وحينما أدّبهم الله على خطيتهم، وعوض أن يعترفوا بعدالة معاملته معهم، سعوا ليقطعوا عهداً مع الأمم لكي يفلتوا من التأديب. وإذ لم يكن لهم رئيس يخلصهم، بذلوا جهوداً بائسة ليكفلوا لأنفسهم ذراع بشر يستندون إليها، لكن الله لم يسمح بذلك. (ع3،4). فسكان السامرة، الذين ظلوا لسنوات طويلة يتقون الرب ويعبدون آلهتهم (2مل33:17)، سوف يرعبهم فيخافون «على عجول بيت آون» التي اعتمدوا عليها، إذ في آخر المطاف، وبعد اختبارات وامتحانات طويلة المدى، كتب الله “إيخابود” على المملكة الشمالية برّمتها. وهكذا ارتحل المجد وانتهى عنهم (ع5). ومن ثم فلابد أن يُحملوا إلى أشور كهدية، ويأخذ أفرايم خزياً ويخجل إسرائيل على رأيه، أي من مشورته. ويبدو ضعيفاً ملك السامرة كغثاء على وجه الماء، قد يبدو إلى لحظة كحقيقة، لكنه يذهب جفاء. غير أن العدد الثامن ينظر إلى تطبيق قضائي آخر أخطر وأكمل من هذا التطبيق الثانوي الأول على انتصار الأشورى. فالاصطلاحات التي يستخدمها العدد تربطه بالتحطيم الشامل للنظام القائم في الأيام الأخيرة، كوصف الختم السادس في رؤيا6. حينئذ «يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش»، هذا عندما ينالون من يد الرب ضعفين عن خطاياهم، ويتحققون في مرارة النفس من حماقتهم في الانتقال عن الله الحي. ثم يعود ويذكِّرهم كما في ص9 بأنهم أخطأوا من أيام جبعة. فإن ذلك الشر الذي لازمهم لم يكونوا قد حكموا عليه وأدانوه بالتمام، بل بالحري استمر كالخمير، يفعل فعله طوال كل السنين، حتى اختمر العجين كله. لذلك لابد من تأديبهم، رغبة منه في بركتهم. لقد أحبهم، ولهذا فلابد من تأديبهم على خطاياهم. ولعلَّ «الإثمين» المشار إليهم بالقول «في ارتباطهم بإثميهم» هما «الشرّان» اللذان يحدثنا عنهما إرميا (إر13:2). فقد تركوا ذاك الذي هو الينبوع الحي، ونقروا لأنفسهم آباراً مشققة. ويوجِّه إليهم إشعياء اتهاماً شبيهاً بذلك، حيث يتهمهم بمعصيتين: رفض مسيح الله، وإقامة العبادة الوثنية. على أن العددين 11،12 يحملان الثمرة السعيدة لطرق تأديب الرب، وقد ورد العددان كجملة اعتراضية قبل أن يعود النبي ويستأنف في الأعداد الختامية موضوع خطيتهم وقصاصها. فإن يهوذا وأفرايم، كثورين متمرنين، سوف يخضعان للنير، ويجدان مسرة في درس الحنطة، عندما يكونا قد تعلما الدرس في حضرة الله. وإنما ذلك يكون عندما يزرعان بالبر والتقوى، فيحصدان بالرحمة. إن الأرض البور لابد أن تفتتها قوة الكلمة في نشاط الروح القدس، لابد من عملية الحرث حتى يتم التجاوب متى حان الوقت لطلب الرب حتى يأتي «ويمطر عليكم البر». وفيما يتعلق بنا، فإن لهذا القول تطبيقه الحاضر، لو أن لنا القلوب الخاضعة. ومع أن البركة تنتظر إسرائيل ويهوذا، فإن الثلاثة الأعداد الأخيرة تصف حالتهم الشقية إلى أن ينتدبوا في يوم قوته. لقد حرثوا النفاق فلن يحصدوا إلا الإثم، ولن يأكلوا إلا ثمر الكذب، لأنهم لم يثقوا فيه بل وثقوا بطرقهم وبكثرة أبطالهم. وتكون النتيجة الحتمية التخريب والإتلاف بدلاً من إصلاح الثغرات (انظر إشعياء12:58). إن بيت إيل التي كانت مركزاً لوثنيتهم، سوف تصبح برهان خرابهم، إذ تتحدث، كما من قبل، عن ارتدادهم المحزن. أما يهوذا فقد حُفظت، كما نعلم، إلى حين، حُفظت كسراج من أجل داود إلى أن يظهر المسيّا. لكن ملك إسرائيل آنذاك كان لابد أن يُقطع تماماً ويُهدم عرشه، ولا يعود إلى مكانه حتى يأتي الذي له حق الملك. ويومئذ سيلتئم الشرخ الذي بين إسرائيل ويهوذا، كما تنبأ جميع الأنبياء، حينما تأتي أيام الفرج من وجه الرب. وإذ ذاك لن تكون «الجفنة الممتدة» وصفاً للشعب الأرضي، بل يكونون كرمة مزهرة تتأصل وتنبت أغصاناً محملة أثماراً، أغصاناً مرتفعة، لمدح مجد نعمة الرب.
|