مكتبة الأخوة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
يتجه الحديث، أول ما يتجه، إلى شيوخ يهوذا، ليجيبوا، من حصيلة ذاكرتهم، أو أيام آبائهم التي حدّثوهم عنها، ما إذا كان قد حدث مثل هذا الافتقاد المحزن نظير ما كانت الأرض والشعب يرزحان تحت وطأته، في الأيام التي أُرسل فيها يوئيل ليعمِّق في ضمائرهم الدروس الخطيرة التي أراد لهم الله أن يتعلموها (ع1-3). «فضلة القمص أكلها الزحاف، وفضلة الزحاف أكلها الغوغاء، وفضلة الغوغاء أكلها الطيار» (ع4). هكذا كان فناء كل أخضر فناءً تاماً، حتى لَتبدو المجاعة والخراب على المُحيا. إن الأشكال المختلفة لحياة الحشرة، التي يحدّثنا عنها النبي، ليست لكائنات مختلفة، بل هي من أطوار دورة حياة الجراد، من اليرقة إلى طور الجرادة الكاملة النمو. إذاً فقد استطاعت هذه الضربة الشديدة الهول أن تبيد كل مصادر الطعام، ولا تترك خلف رَكْبها سوى مشاهد الخراب. والذي يضاعف خطورة الموقف أن ذلك كان صوت الله، وأنه كان هناك ما هو أخطر من مجرد احتمال أن ينشغل الشعب باليد التي امتدت عليهم، وينسوا أن يسمعوا لصوت الذي صنعها. هذه من أكثر الحالات التي عادة ما نمُرّ بها. فبدلاً من التدرب التقوي في الاختبار، نعطي مكاناً للشفقة والرثاء للنفس، أو للتصلب والعناد وعدم المبالاة. فإما أن نخور تحت تأديب الرب، وإما نحتقره. لكن البركة تأتي من الاستفادة في «التدرب به». وهذا ما كان النبي يخشى أن يفوته يهوذا كما فات مَن قبلهم. والنبي يدعوا السكارى محبي اللذات، المبتهجين بالخمر، لأن ينتبهوا إلى حقيقة حالتهم. لقد نزلت عليهم ضربة الله، فيتعلموا الدرس الذي أراده لهم. فإن جيشه الكبير كان وكأنه أُمّة، «قوية بلا عدد » أخربت الكرمة وقشرت التينة، فمضى عنهم مصدر متعتهم الجسدية (ع5-7). وكعروس عذراء تتنطق مسحاً، حزناً على موت خطيبها مبكراً، كان عليهم أن ينوحوا على خطاياهم التي جلبت عليهم قضاء الله. وبيته أيضاً تأثر؛ إذ كان لابد أن ابتداء القضاء يكون منه، فانقطعت التقدمة والسكيب، وتُرك الكهنة للحزن. فمتى كان شعب الله في حالة جوع، فلن يكون هناك تقدير صحيح للمسيح، ومن هنا بطُلت التقدمة. والتقدمة ترمز إلى ناسوت الرب يسوع، كما يشير السكيب إلى سكب نفسه للموت. غير أن المجاعة الروحية تغلق على إدراك ومشاعر أولئك الذين يدينون للذبيحة الكاملة بكل بركتهم. ومن هنا انعدمت عطايا الشعب الساجد (ع8،9). والأعداد من10-12 ترسم صورة واضحة لحالة الخراب التي صارت عليها الأرض. فقد ضاعت كل ثمار الحقل وذبلت الأشجار، وفارقت البهجة بني البشر. ومن هنا كان التحريض الخطير لأولئك الذين كان عملهم أن يخدموهم في ما لله «تنطقوا ونوحوا أيها الكهنة، وَلوِلوا يا خدام المذبح. أدخلوا بيتوا بالمسوح يا خُدام إلهي، لأنه قد امتنع عن بيت إلهكم التقدمة والسكيب» (ع 13). يا للأسف على مثل هذه الحالة، أوَ يفقدون الإحساس؟ إنه لأمر بغيض لدى الله الذي كان يريد أن يرى تقديراً صادقاً لمعاملاته مع شعبه. لذلك يدعو الشيوخ وسكان الأرض جميعاً أن يقدِّسوا صوماً وينادوا باعتكاف ويصرخوا معاً إلى الرب، معترفين في حضرته بخيبتهم جميعهم، حاكمين على طرقهم الشريرة (ع14). ويذكِّرهم بيوم الرب القادم، ليحفّزهم ويدفعهم إلى أن يفعلوا هكذا. وليس المعنى أن يوم الرب - الذي في مفهومه النبوي يشير إلى استعلان يسوع المسيح لافتتاح الملكوت - كان عتيداً أن يقع في زمانهم؛ ولكن حيث أن ذلك اليوم سيكون لاستعلان كل ما كان مطابقاً لفكر الله، فعليهم أن يتصرفوا حينئذ على ضوء ذلك اليوم القادم (ع15). والمسيحيون اليوم مدعوون على أساس هذا المبدأ عينه لأن يسلكوا في نور يوم المسيح، الذي فيه تُمتحن كل أعمالنا أمام كرسيه. إذاً فلتُلقِ ساعة الاستعلان ضوءها على طريقنا، حتى تكون خطواتنا مرتبة طبقاً لما يقتضيه. هذه هي نقطة ارتكاز أقوال النبي في كل السفر: أن يوم الرب قادم؛ وأنه سيكون يوم الحقائق، حين ينكشف الادعاء والرياء بالمقابلة مع الصورة الصحيحة. ويومئذ لا يثبت إلا كل ما هو من الله. ومن هنا الأهمية القصوى لتوجيه مسالكهم حتى تثبت عندما يفحصها ذاك الذي عيناه كلهيب نار. والأعداد من16-18 تُكرِّر وصف حالة خراب الأرض. فهذه آمالهم جميعها وقد خابت، والضربة وقعت على كل ما تعبوا فيه. غير أنه مهما تكن خطورة حالتهم الزمنية، فهي ليست شيئاً بالقياس إلى الموت الروحي، الذي كان انعدام حساسيتهم أقسى ملامحه وأدعاها إلى الحزن. وفي الأعداد الأخيرة من الأصحاح، يتحدث النبي كشخص مختبر. فيأخذ مكانه، إنساناً شاعراً بحالة البؤس الشامل «إليك يا رب أصرخ!»، ذاك وحده ملجأه إذا ما «جداول المياه قد جفت والنار أكلت مراعي البرية».
|