مكتبة الأخوة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
يلخص الرسول بولس كل هذه الآيات السبع الأولى من الإصحاح 15. على القوي أن يحمل أثقال الضعيف – فبتعاطف يدخل إلى مشاكله – وألا يصر على فكرة الحرية لكي يُرضي نفسه بل ليسعَ كل واحدٍ لخير قريبه, ساعياً نحو بنيانه، وليس لتدمير إيمانه بلا مبالاة، بفرض حريته الشخصية بعناد. إن الحرية الحقيقية تظهر بشكل جلي بالامتناع عن عثرة الضعيف. وفي هذا كان المسيح أعظم مثال. فذاك الذي لم يخضع أبداً لأي تشريع قانوني , خضع طوعاً لكل وصايا الناموس, بل حتى إلى ما ورائه, فلم يسعَ لإرضاء نفسه (ونرى ذلك عندما دفع ضريبة الهيكل, شارحاً السبب الذي لأجله فعل ذلك وهو "لئلا نعثرهم"), وأخذ على نفسه التوبيخات من أولئك الذين وبخوا الله. إن سلوكه الخارجي كان بلا لوم كما حياته الداخلية, ومع ذلك فقد عيره الناس كما عيروا الله. تشدد الآية 4 على أهمية كتابات العهد القديم. "لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ". قارن هذه الآية بما جاء في (1 كورنثوس 10: 6, 11). وإن القول "كل الكتاب ليس عني بل كل الكتاب من أجلي" هو اقتباس يستحق أن نتذكره جيداً. ويختم بولس هذا الجزء بأن يصلي لعل "إله الصبر والتعزية" يعطي القديسين أن يكونوا فكراً واحداً واهتماماً واحداً فيما بينهم, بالمسيح الذي ضرب به المثل الصالح, وذلك لكي يتحدوا في تمجيد الله أبا ربنا يسوع المسيح, فالفكر والفم سيكونان متوافقين في هذه الحالة. ولذلك يحضهم بولس لأن يقبَلوا بعضهم بعضاً كما قبلنا المسيح أيضاً لمجد الله. فإن كان المسيح قد اقتبلنا بالنعمة – سواء كنا ضعفاء أم أقوياء – وجعلنا أهلاً للمجد, فبالتأكيد يمكننا أن نكون حميمين وشبيهين بالمسيح في شركتنا مع بعضنا البعض. ومن جديد أكرر القول أن المسألة لا تتعلق بقبول دخول شخص إلى الشركة المسيحية هنا, بل هي الاعتراف بمن هم في الداخل الآن. إن هذه الرسالة تشبه هنا إلى حد بعيد رسالة بحث في بر الله, وتأتي إلى خاتمتها في الآيات 8– 13. وكل ما يأتي بعد ذلك له طبيعة الملحق أو التذييل. ما الذي يتجلى لنا في رسالة البحث الكاملة هذه؟ "وَأَقُولُ الآن: إِنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ قَدْ صَارَ خَادِمَ الْخِتَانِ مِنْ أَجْلِ صِدْقِ اللهِ حَتَّى يُثَبِّتَ مَوَاعِيدَ الآبَاءِ. وَأَمَّا الأُمَمُ فَمَجَّدُوا اللهَ مِنْ أَجْلِ الرَّحْمَةِ". أي أنه أظهر من خلال كل ذلك أن ربنا قد أتى في توافق كامل مع وعود العهد القديم. لقد دخل حظيرة الخراف من الباب (كما يخبرنا إنجيل يوحنا في الإصحاح 10), وكان الخادم الإلهي الممسوح من الله لليهود, فأتى ليؤكد المواعيد العهدية. ورغم أن الشعب رفضه, إلا أن هذا لم يلغِ خدمته بل فتح باب الرحمة على أوسعه للأمميين بشكل لم يسبق له مثيل, دون أن يتعارض ذلك مع الكتاب المقدس الذي لليهود. ومن هنا نرى بولس يورد مقطعاً تلو الآخر ليؤكد على الحقيقة التي علّمنا إياها للتو بشكل واضح للغاية, وهي أنه كان معروفاً ومقدراً مسبقاً أن يسمع الأمميون الإنجيل وأن ينالوا نفس فرصة الخلاص التي كانت متاحة لليهود. فهذه "الرحمة" تسمو بالفعل على كل ما كشف في العصور الماضية التي عرفناها منذ "إعلان السر", وهذا ما تشير إليه الآيات الأخيرة من الإصحاح التالي. ولكن وجهة نظره هنا هي أن ذلك لا يتناقض مع نبوءات الأنبياء, بل ينسجم كلياً مع ما سُر الله أن يعلنَه عن سابق تصميم. ومن هنا يختم هذا الكشف البارع للإنجيل ونتيجته فيصل إلى القول: "وَلْيَمْلأْكُمْ إِلَهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُس" (الآية 13). الإيمان بماذا؟ ولماذا يكفي مجرد الإيمان بالحقائق العظيمة التي ذكرت في الرسالة – هذه الحقائق الكبيرة المتعلقة بإيماننا المقدس – التي تصف لنا دمار الإنسان بالخطيئة وافتدائه بالمسيح يسوع؟ عندما نؤمن بهذا نمتلىء بالفرح والسلام ونحن نتطلع بالرجاء إلى اكتمال تحقيق كل ذلك لدى عودة ربنا, في حين نسير خلال ذلك أمام الله بقوة الروح القدس الساكن فينا وهو الوحيد الذي يجعل هذه الأشياء الثمينة واقعاً بالنسبة لنا. إن تركيز هذا الإصحاح هو على الصعيد الشخصي بشكل واضح إذ أن الرسول بولس يؤكد ثقته بالقديسين في رومية ويخبرهم عن قلقه واهتمامه بهم ونيته أن يزورهم. ومما سمعه عنهم كان مقتنعاً أنهم كانوا في حالة روحية سليمة جداً, فهم "مَشْحُونُونَ صَلاَحاً وَمَمْلُوؤُونَ كُلَّ عِلْمٍ قَادِرُونَ أَنْ يُنْذِرَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً". ولذلك لم تكن لديه فكرة للذهاب إليهم كمنظِّم، بل كان يشعر أنه كانت لديه خدمة قد أوكله الله بها وهذه ستكون لفائدتهم. إضافة إلى ذلك, فإن رومية كانت جزءاً من ذلك العالم الأممي الكبير الذي أُرسل إليه والذي يوجّه خدمته لهم بشكل خاص, " لِيَكُونَ قُرْبَانُ الأُمَمِ مَقْبُولاً مُقَدَّساً بِالرُّوحِ الْقُدُس". لم يعد إسرائيل الشعبَ الوحيدَ المفرز المعزول، بل صار الإنجيلُ للجميع على حد سواء. لذلك كان من المتوقع أن يزورهم كلما سنحت له الفرصة, وبما أنه, كان يعتبر أن رسالته هي لأولئك الذين في آسيا الصغرى وأوربة الشرقية، وقد تحققت، لذلك فإنه كان ينوي الذهاب عما قريب نحو الغرب ليصل إلى أسبانية وهو يأمل أن يزورهم في مروره. وفي هذه الأثناء كان ذاهباً إلى أورشليم ليحمل تقدمة إعانة من القديسين في مكدونية وأخائية إلى المؤمنين المعوزين في اليهودية. وعندما يتحقق له ذلك فإنه يرجو أن يغادر متجهاً إلى أسبانيا فيزورهم في طريقه إلى هناك. يا للرحمة التي كان يكشفها له المستقبل القريب. كم كان ضعيف الإدراك بأنه سيُدعى عاجلاً ليعاني كرمى لاسم المسيح. "الإنسان يفكر ولكن الله يدبر". فقد كانت لله مخططات أخرى للرسول بولس ومن بينها الزيارة إلى رومية, ولكن مقيداً بالسلاسل. بالطيع في الوقت الذي يجده الله ملائماً, فإن بولس سيذهب إليهم و"يَجِيء فِي مِلْءِ بَرَكَةِ إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ", ولذلك يناشدهم أن يصلّوا لنجاح مهمته عند أبناء بلده ولكي يُنْقَذَ من اليهود غير المؤمنين. ولقد استُجيبت صلاتُه, ولكن بطريقة مختلفة جداً عما كان يتوقع ويا للعجب!
|