مكتبة الأخوة أَسْبَق بَنْد - تابِع بَنْد - عَوْن
|
إن الإصحاح 16 هو في معظمه تحيات إلى الأخوة القديسين الذين يعرفهم, والذين يقطنون الآن في رومية, وتحيات من آخرين كانوا في رفقته. إن أول آيتين هما على شكل رسالة إطراء لفيبي وهي شماسة في الكنيسة في كنخريا, البلدة الواقعة إلى جنوب كورنثوس, في أخائية (انظر سفر الأعمال 18: 18). مما لا ريب فيه أن أكيلا وبريسكلا كانا يعرفانها (وهذان يُذكران بالاسم – بترتيب معاكس له في الآية التالية), ولكنه لا يتركها معتمدة على تذكارات أصدقائها من الماضي, بل إن هذه الرسالة تؤكد للقديسين موقفها ونشاطها الحالي في الكنيسة. بريسكلا وأكيلا كانا بالنسبة له بمثابة أعضاء من عائلة – فثمة علاقة حميمة جداً تربطه بهما, ولا يستطيع أن ينسى الخطر الذي وضعا نفسيهما فيه من أجله. ففي منزلهما في رومية كانت إحدى الجماعات المسيحية تجتمع. وقديس آخر من أخائية كان هناك أيضاً: أبينوس, الذي كان باكورة خدمته في كورنثوس. وإذ نستعرض اللائحة الطويلة ونلاحظ العواطف الرقيقة المؤثرة, والذكريات الغالية, ونفحة الإطراء الخفيفة, نشعر أننا منجذبون إلى هؤلاء المؤمنين الأوائل, وأننا نرغب لو نعرف عن تاريخهم وخبراتهم. إننا مهتمون لمعرفة أنه كان هناك أقارب لبولس في رومية: أندرونيكوس ويونياس, الذي يقول عنهما أنهما "كانا في المسيح قبلي", ونتساءل إلى أية درجة كان لصلواتهما لأجل قريبهما الفتى الرائع علاقة بهذه المحادثات الجديرة بالاعتبار. في الآية 11 يرد ذكرٌ بالاسم لنسيب آخر لبولس, هيروديون, ولكن لا نعرف إذا ما اهتدى قبله أو بعده. هناك لمسة إنسانية مؤثرة في الآية 13: "سَلِّمُوا عَلَى رُوفُسَ الْمُخْتَارِ فِي الرَّبِّ وَعَلَى أُمِّهِ أُمِّي". ففي مكان ما خلال رحلاته, هذه الامرأة الكهلة المسيحية, رغم أنها لا تُذكر بالاسم, قد عاملته كأم وخادمة للمسيح مكرسة وناكرة لذاتها, وإنه يتذكر بامتنان خاص عنايتها به. إن جميع الأسماء الواردة ذات أهمية, وسيسرنا لو نلتقي بهم جميعاً "في ذلك اليوم" ونعلم أكثر عن تكرسهم للرب وعن معاناتهم لأجل اسمه, ولكننا لا نستطيع أن نطيل النظر إلى هذه الأسماء المدونة هنا. قبل نقل رسائل من رفقائه، يوجه بولس كلمة تحذير ضد المعلمين الكذبة، في الآيتين 17، 18: "وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تُلاَحِظُوا الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الشِّقَاقَاتِ وَالْعَثَرَاتِ خِلاَفاً لِلتَّعْلِيمِ الَّذِي تَعَلَّمْتُمُوهُ وَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ. لأَنَّ مِثْلَ هَؤُلاَءِ لاَ يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ بَلْ بُطُونَهُمْ وَبِالْكَلاَمِ الطَّيِّبِ وَالأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ." إن فاعلي الإثم المشار إليهم هنا هم ليسوا معلمين مسيحيين، ولو اتجه الظن إلى ذلك بالخطأ. إنه لرجال غير أتقياء، كما يخبرنا يهوذا، وقد تسللوا من الخارج. إنهم ليسوا خداماً للمسيح بل أدوات للشيطان أُدخلوا من العالم ليفسدوا ويقسموا شعب الله. ومن المخيف أن نطابق هؤلاء المعلمين بالمسيحيين الحقيقيين الذين، ومهما أخطأوا، فإنهم يحبون الرب ويشفقون على شعبه، ويرجون من الله أن يباركهم. في (فيلبي3: 18، 19) نعلم أكثر عن هؤلاء الذين "يخدمون بطونهم"، أي الذين يعيشون فقط لأجل إرضاء الذات. "لأَنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَاراً، وَالآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضاً بَاكِياً، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلَهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ". وهنا نجد تطابقاً مع صانعي الشقاقات السيئين في إصحاحنا هذا. فلنكن حذرين للغاية عندما نتهم خدام المسيح الحقيقيين بأن يكونوا من هذه الجماعة الآثمة، حتى وإن شعرنا أن الحقيقة تضطرنا لاتخاذ موقف ما منهم بسبب بعض الأمور التي يعملونها أو يفعلونها. رغم أنه يحذّر القديسين في رومية من خطر الإصغاء إلى رجال من هذا النوع، نجده يدعهم يعرفون أنه قد سمع فقط أخباراً طيبة عنهم، ولكنه كان ليود لو أنهم حافظوا على سمعتهم الحسنة. ولكن للأسف، نرى أن هذه الكنيسة نفسها سرعان ما فتحت أبوابها على هذا النحو لمعلمين كذبة كان قد حذّر منهم، ومن هنا نجد أن تاج البابوية نفسها قد تم ترسيخه في رومية في القرن السابع. إنه ببساطة يريدنا أن ننتبه إلى الشر وندرك ما هو صالح، دون أن يتملكنا الخطأ بل الحق والصواب. والحق سوف ينتصر عاجلاً عندما يسحق إلهُ السلام الشيطانَ تحت أقدام القديسين. إن التحيات الختامية من بولس ورفقائه تُنقل في الآيات 21- 24. وكان تيموثاوس ولوقا معهم. ونعرف الآن ولأول مرة أن ياسون كان قريباً مقرباً من بولس (انظر أعمال17: 5- 9)، حيث يرد ذكرٌ لاستقباله لبولس وإخلاصه ومحبته له عند زيارته لتسالونيكي. وسوسيباترس، وهو أيضاً قريب له، تربطه به علاقة معينة. ويضيف ترتيوس، الكاتب الذي كان يقوم بكتابة الإملاء لبولس، تحياته. ولولا هذا المقطع لما عرفنا أبداً اسم الكاتب الفعلي للرسالة. وهنا لدينا سؤال: هل "غايس مضيفي" الذي يذكره بولس في الآية 23، هو نفس غايس الذي استقبل الأخوة المسافرين والذي امتدحه يوحنا على حسن ضيافته المسيحية، وذلك في رسالته الثالثة؟ لا نعلم، ولكنه كان رجلاً يتمتع بنفس المواصفات والروح. ولقد سمعنا عن أراستُس في مكان آخر (أعمال19: 22، 2تيموثاوس4: 20)، ولكن كوارتس لم يرد ذكره في أي مقطع آخر. وإن كلا الاسمين ترتيوس وكوارتس يدلان على أنهما وُلدا على الأرجح لشخصين كانا عبدين يوماً- فأسماؤهما تعني الثالث والرابع على التتالي. فغالباً ما كان العبيد يُدعَون بالأرقام فقط. إن منح البركة في الآية 24 الذي يوصلنا إلى ختام الرسالة يدلنا على أن هذه من الرسائل الأصلية لبولس. انظر 2تسالونيكي3: 17، 18. "النعمة" هي المفتاح السري، إذا صح التعبير، الذي يؤكد على أصالة الرسالة له. وهذه ترد بشكل بارز في (العبرانيين13: 25) وليس من رسالة أخرى تخلو منها. إن الآيات 25- 27 هي تذييل للرسالة، وفيها يربط كشفه الثمين للإنجيل بذلك "السر" الذي كان عمله الخاص هو أن يجعله معروفاً للأمميين، والذي أظهره بشكل كامل للغاية في (أفسس3) وكتابات عديدة أخرى. "وَلِلْقَادِرِ أَنْ يُثَبِّتَكُمْ حَسَبَ إِنْجِيلِي وَالْكِرَازَةِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ حَسَبَ إِعْلاَنِ السِّرِّ الَّذِي كَانَ مَكْتُوماً فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، وَلَكِنْ ظَهَرَ الآنَ وَأُعْلِمَ بِهِ جَمِيعُ الأُمَمِ بِالْكُتُبِ النَّبَوِيَّةِ حَسَبَ أَمْرِ الإِلَهِ الأَزَلِيِّ لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ ِللهِ الْحَكِيمِ وَحْدَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ". عُهدت لبولس خدمةٌ مضاعفة- تلك المتعلقة بالإنجيل (مرتبطاً بالمسيح الممجد) وتلك المتعلقة بالكنيسة- هذا السر الذي أخفاه الله من قبل خلق العالم والذي كشفه الله الآن بالروح. انظر هذه الخدمة المضاعفة الجوانب كما تُطرح في (كولوسي1: 23- 29) و (أفسس3: 1- 12). "السر" لم يكن شيئاً له طبيعة الصعوبة والغموض، بل سراً مقدساً لم يعرفه أحدٌ من البشر إلى أن حان الزمان الملائم لكشفه بالروح القدس من خلال الرسول بولس، ومنه نُقل إلى كل الشعوب لإطاعة الإيمان. لم يكن مخفياً في الأسفار المقدسة وشق طريقه إلى النور في نهاية المطاف، بل نعلم أن الله كان قد أخفاه إلى أن آن الأوان الذي اختاره هو ليظهره لنا. وهذا لم يحدث إلى أن أُعطي إسرائيل كل فرصة ليقبل المسيح في كل من التجسد والقيامة. وعندما رفضوه على نحو محدد واضح أعلن الله ما في قلبه منذ الأزل- بأنه من بين كل الأمم، واليهود والأمميين، سوف يفتدي ويتخذ جماعة منتخبة ستشكل، بمعمودية الروح، جسداً واحداً مرتبطاً بالمسيح، وذلك بعلاقة حميمة ليس لها مثيل (تُشَبَّهُ في أفسس 5 بالعلاقة بين الزوج والزوجة، أو الرأس والجسد)، وليس الآن فقط بل عبر كل العصور القادمة. هذا السر العظيم للمسيح والكنيسة قد أُظهر الآن وعُرف من خلال الكتابات النبوية- وليس كما تُرجم هنا "بالكتب النبوية"- فالمعنى جليّ واضح وهو أنه جُعل معروفاً بالكتابات التي كتبها رجال ملهمون، وهم أنبياء العهد الجديد، على ضوء نور الإنجيل وشهادته. هذا ليس مجرد نظرية أو نظاماً عقائدياً نتبناه في فكرنا. إنه يتطلب تطابقاً مع المسيح في رفضه، ولهذا السبب جُعل معروفاً لكل الأمم لإطاعة الإيمان. هذا الموضوع لم يُطرح في الرسالة إلى رومية، لأن الموضوع الكبير هنا، كما رأينا، هو برّ الله الذي أُعلن بالإنجيل. ولكن ترد بعض الإشارات إليه هنا بغاية الربط بين كشف الإنجيل في هذه الرسالة وإعلان السر، كما يتضح في رسائل السجن على نحو خاص. هذا لا يعني أن لدينا حقيقة جديدة ومهمة في أفسس وكولوسي، على سبيل المثال، أكثر منها في الرسالة إلى رومية والرسائل المبكرة. فهي جميعاً تشكّل جزءاً من كلٍّ، وتؤسس ذلك الهيكل في التعليم في كل مكان كما أعلن الرسول خلال سنوات خدمته الطويلة، ولكن لم يُعهد بكتابة الكل دفعة واحدة. إن "السر" الذي تحكي عنه رسالة رومية 16: 25 هو نفسه الذي تتحدث عنه الرسائل اللاحقة، وعلى الدوام يظهر في رسائله كموضوع متكامل. ما كان هناك داع لقول ذلك لولا أن البعض حتى في يومنا هذا يحاولون فصل خدمة بولس في سفر الأعمال بشكل كامل عن تلك التي يجسدها في آخر رسائله التي كتبت بعد رفض اليهود في رومية لرسالته كما يظهر من (أعمال 28). إن تذييل الرسالة إلى رومية يظهر خلاف ذلك. إن هذه الإضافة الواردة في نهاية الرسالة يُقصد بها إظهار وحدة خدمته للإنجيل وللكنيسة، من خلال صفة الجانب المزدوج فيها. وبهذا نأتي إلى ختام دراستنا الحالية السريعة الخاطفة نوعاً ما، وكلنا ثقة بأن مراجعتنا للرسالة لم تكن بلا جدوى، بل أنها ستكون للمنفعة والبركة على نحو متزايد ونحن ننتظر ابن الله الذي سيأتي من السماء. "ِللهِ الْحَكِيمِ وَحْدَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ."
|